رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محاكمة مبارك... مسرحية لم تضحك أحدًا

مشهد طال انتظاره ذلك الذي يضع الرئيس المخلوع مبارك ونجليه "جمال وعلاء" وذراعهم الأمني حبيب العادلي في قفص واحد، يحاكمون في تهمة قتل المصريين خلال 18 يوما هي عمر الثورة المصرية.
وفي تحليل لمشاهد "محاكمة القرن" التي يراقبها العالم، عبر عدد من المثقفين المصريين عن احترامهم للقاضي النزيه أحمد رفعت وقراره بوقف البث التليفزيوني للجلسات، وخاصة بعد المشهد المحزن للمحامين غير المؤهلين بالمرة لقضايا كبرى، وقد ملأوا القاعة ضجيجا وتصارعوا على إلقاء خطب رنانة فارغة أمام الكاميرات، وقابلهم المتهمون بمشهد مصطنع يفتعل الثقة وراحة الضمير !

وعلى جانب آخر ناشد الكتاب بتفعيل محكمة الغدر لتنظيف الحياة السياسية، فيما برز على جانب آخر قلق واسع من صمت المجلس العسكري وجهاز الأمن حيال بلطجية تعدوا على المطالبين بالقصاص من مبارك.

وفي هذا الشأن يتساءل الأديب الكبير بهاء طاهر: "كيف سمح خمسة آلاف شرطي بدخول من أسموا أنفسهم بـ"أبناء مبارك" لأكاديمية الشرطة والذين اعتدوا بالضرب المبرح على أسر الشهداء، وعلى محاميهم أيضا، على مرأى من الجميع ؟!, وكأنهم يتحدون علنا السلطة والرأي العام والنيابة العامة التي هي جزء من الدولة .

ويؤكد طاهر أن الواقع مليء بعلامات الاستفهام، منها مثلا إطلاق النيابة العسكرية سراح الوزيرة السابقة عائشة عبدالهادي بكفالة 10 آلاف جنيه بعد التهم المنسوبة إليها في الترتيب لـ"موقعة الجمل" وما خلفته من ضحايا بالميدان، فيما كانت كفالة الناشطة السياسية أسماء محفوظ 20 ألف جنيه في تهم أقل كثيرا من الأولى .

 مفاجآت سبتمبر

 واعتبر الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف أن الجلسة الأولى كانت صدمة لمبارك ونجليه، وبدا عليهم الارتباك والخضوع للقاضي المشهود له بسعة الصدر والنزاهة، بينما تغير المشهد في الجلسة الثانية وبدا "جمال" تحديدا بكبريائه المعهود، أما محامي الرئيس المخلوع فريد الديب فبدا وكأنه يريد إطالة أجل المحاكمة حتى نهاية عمر مبارك عبر مطالبه الكثيرة!

على الجانب الآخر بدا محامو الثوار في شكل هزلي ساخر، كمن قال إن مبارك مات فعلا عام 2004، ومحامون لا نعلم عنهم شيئا وأداؤهم ركيك، والمؤسف ما شعرنا به من نية مبيتة لاستبعاد أسماء معينة من الدفاع عن الثوار ومنهم القاضي الخضيري .ولكن لحسن الحظ بدأت وجوه محترمة من المحامين تظهر في الجلسة الثانية وبينهم "أمير سالم" والذي ينوي تفجير قضايا من نوع خاص.

 وأضاف يوسف أن شهر سبتمبر عادة يحمل مفاجآت مهمة، ونحن ننتظر شهادة المشير طنطاوي ونائب الرئيس السابق عمر سليمان، ورئيس الحكومة السابق الفريق أحمد شفيق الذي يملك أسرارا خطيرة منها المتعلق بتفاصيل تنحية مبارك .

 خطورة منع بث المحاكمات

 كما أبدى الناقد تخوفه من منع بث المحاكمات، لما يمكن أن تظهر عليه التغطيات الإعلامية من اختزال وتزييف بضغوط معينة تمارس عليها . ومن جانب آخر أبدى أسفه لصمت الشرطة على من أسموا أنفسهم "أبناء مبارك" ممن تعدوا على ذوي الشهداء وهو قطعا يعمق أزمة الثقة بين الشعب ومثقفيه وبين السلطة المتعددة الأوجه.

 وبسؤاله حول أشهر الأعمال الأدبية التي تنبأت بمحاكمة حاكم مصر، تذكر الناقد شعبان رواية "أمام العرش" لنجيب محفوظ، ومجمل أعماله كالثلاثية التي دارت تاريخيا في زمن ثورة 1919 وثورة يوليو ولكنها منطبقة على ما يحدث اليوم . وهناك ديوان "قبل الطوفان الجي" لسيد حجاب شاعر العامية الكبير، وديوان "عاش النشيد" للشاعر الكبير حسن طلب، وهناك رواية "السائرون نياما" التي كتبها سعد مكاوي في الستينات عن المماليك ولكنها منطبقة على ما يدور الآن.

 قوانين الغدر

 وبدا الروائي والمحامي أحمد صبري أبوالفتوح متفائلا بسير إجراء المحاكمة، وخاصة بعد ضم قضيتي قتل الثوار المتهم فيها العادلي ورجاله مع مبارك ونجليه لوحدة الموضوع.

 ولكن الكاتب مع ذلك يؤكد أن الثورات حول العالم دائما كانت في حاجة لمحاكم استثنائية والمعروفة لدينا بمحكمة الغدر التي أقامتها ثورة يوليو 1952، والتي لم تعدم أو تحبس أحدا وإنما

حرمت الفاسدين من مباشرة العمل السياسي، وهو ما نحتاجه اليوم في ظل غياب قوانين تعاقب على جرائم الفساد السياسي بأثر رجعي.

أما الإصرار على محاكمة رموز النظام السابق في تهم جنائية عادية فهو يطيل أمد المحاكمات ويفرغ الثورة من قيمتها، ويمكن أن يكون قرار المحكمة في غير ما يريده الشارع لعدم اكتمال أدلة جهات التحقيق.

 وفي قراءته لمشهد المحاكمة، اتفق الكاتب مع قرار القاضي بوقف البث التليفزيوني معتبرا أن إذاعة الجلستين الأولى والثانية حمل رسالة مفادها أن النظام جاد في محاكمة من أساء للوطن، وبعد ذلك لابد أن يحقق القاضي محاكمة متوافقة مع أصول القانون، بدلا من حالة المراهقة المهنية التي مارسها محامون خبراتهم قليلة بهذا النوع من القضايا، وبالتالي يفتقدون لأدبيات الحضور وتدور بينهم المشادات، وهو ما يحول ساحة المحاكمة لاستعراض ومسألة شكلية غير مجدية .

 مسرحية المحاكمة

 يتفق د. عماد عبداللطيف مدرس البلاغة وتحليل الخطاب السياسي بجامعة القاهرة مع قرار القاضي أحمد رفعت بوقف بث المحاكمة، ويعلل ذلك بأن ما شاهدناه كان عملية إلهاء للرأي العام، وأقرب للأداء التمثيلي في مسرحية كبرى ينشغل فيها المتهمون والمحامون بمشاهدة العالم لهم، وكلما استمر الأمر بهذا الشكل الدرامي سنخسر فرصتنا في استرداد حق الثوار والشهداء.

 وبسؤاله حول أداء المحامين، اعتبر عبداللطيف أن الإنشاء غلب على عباراتهم، وكان أداؤهم يشير إلى أن خطابهم ليس موجها للقاضي بل للرأي العام الذي يشاهدهم على الهواء مباشرة، فسادت حالة من العنترية في استعراض المطالب من هيئة المحكمة ووصف جرائم المتهمين، دون أن نشاهد الحجج والمستندات التي يمتلكها كل منهم لإثبات حق موكليهم، كما أرهقوا المحكمة لتكرار مطالبهم وخطابهم الخالي من الاحترافية القانونية .

 وعن حالة الثقة التي بدت على المتهمين يقول خبير البلاغة: "يسعى مبارك وأبناؤه لإخفاء أي شعور بندم أو حزن حتى لا يظهرهم ذلك بمظهر المذنب، وهو ما يمكن تطبيقه على الابتسامة الواسعة التي أهداها حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق للرأي العام بعد خروجه من قاعة المحكمة,  ليبدو وكأنه مطمئن على برائته؛ وجزء من الأداء التمثيلي الذي تحدثنا عنه تلك المصاحف التي أمسك بها نجلا مبارك "جمال وعلاء" وغيرها من الإشارات التي يرسلونها لوعي الجمهور" .

 ويخلص عبداللطيف إلى أن الخوف من تأثير هذا الأداء الدرامي على الرأي العام الذي يسهل خداعه، وخاصة إذا كان شعبا يميل للتسامح، وذاكرته الجماعية لا تحتفظ بالماضي طويلا؛ وبوقف البث الحي للمحاكمة يمكن لوسائل الإعلام أن تقدم تقارير وافية مصورة لاطلاع الرأي العام على مجريات المحاكمة أولا بأول .