رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

جوائز الدولة ترفض الثورة


ما أشبه الليلة بالبارحة.. انقضي مولد الجوائز، وانطلقت الحناجر بالشكوي والانتقاد، وللأسف الشديد، نفس الكلام تماماً، وكأننا لم نفعل شيئاً في ميدان التحرير، ودفعت مصر حوالي خمسة ملايين جنيه من - لحم الحي - لأشخاص معظمهم لا يستحق الجائزة وعدنا إلي مسلسل إهدار المال العام. متي نتغير إذن؟ كان ينبغي أن تظهر أول تجليات الثورة المجيدة في الثقافة التي هي المسئولة عن حمل مشاعل التغيير والتنوير، ولكن كيف يحدث ذلك وفلول النظام السابق مازالت في مواقعها تعمل ضد الثورة وتبدد المال العام وتواصل مسيرة الفساد وتسيء إلي سمعة مصر. في هذا التحقيق نقول ما سبق قوله ونتمني ان تكون المرة الأخيرة.

يقول الدكتور رمسيس عوض: إنني بكل صراحة أشك في القيمة الثقافية لأي مصري تشكل وجدانه وعقله في فترة الانقلاب العسكري الذي قام به جمال عبدالناصر عام 1952، فالعسكر الذين تولوا حكم مصر بطبيعة تكوينهم ألد أعداء الثقافة مثل «كوبلر» ذلك النازي الذي كان يتحسس مسدسه كلما سمع «كلمة» ثقافة، فقد دأب الضباط غير الأحرار علي اختيار واجهات ثقافية من أساتذة الجامعات يتقنون النفاق والطبل والزمر، وأحيانا التجسس علي زملائهم، اختاروهم لإقصاء المثقفين الحقيقيين والمستقلين أو المعارضين، وعلي مر الأيام نجح هؤلاء الأساتذة غير الأجلاء في تشكيل شلل وعصابات ثقافية موازية للعصابات السياسية والاقتصادية التي كانت تحكم البلاد.

ونجح مبارك أكثر من سابقيه في إرساء هذه السياسة والتأسيس لها، وكان نتيجة نظام العسكر في مصر أن خلق فراغاً سياسياً لايزال موجودا ونعاني منه حتي الآن.

ويحكي د. عوض تفاصيل حوار خطير مع مسئول كبير عن الثقافة في مصر، فسأله في البداية عن أي أساس تمنح وزارة الثقافة جوائزها سنوياً، فكانت الإجابة علي أساس عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح من قبل اللجنة المشكلة لهذا الغرض، وكان السؤال التالي: هل هناك في هذه اللجنة أعضاء معينيون بحكم وظائفهم، وجاءت الإجابة نعم، والسؤال التالي: هل تتذكر أن أحد هؤلاء الموظفين طلب سحب جائزة الدولة التقديرية من لويس عوض التي أعطيت له وهو علي فراش الموت وكانت الإجابة صمت رهيب. والسؤال التالي: ما هي الجهات التي يحق لها الترشيح لجوائز الدولة. والإجابة: جهات حددها القرار الجمهوري الصادر في هذا الشأن. والسؤال التالي: أنا أستاذ جامعي، ومجلس الجامعة ومجلس الكلية هما المحولات بترشيح ماذا يحدث لو كنت علي خلاف مع أي منهما أو كليهما، لماذا لا يحق لي أن أتقدم للجائزة من تلقاء نفسي فكانت الإجابة هذا يقتضي تغيير القرار الجمهوري والسؤال التالي: وماذا يمنع من تغييره والإجابة صمت رهيب، والسؤال التالي هل هناك لجنة متخصصة تطالع أعمال المرشح وتفحصها تم تكتب تقريراً عنها للجنة المانحة للجوائر. الإجابة: لا توجد لجان فحص.. هذا أن التقييم يتم علي أساس ما يسمعه أعضاء اللجنة المانحة للجوائز عن المرشح وعلي أساس ما يحظي من شهرة إعلامية.. صمت رهيب.

ويضيف د. «عوض» أن الحوار السابق يؤكد أن الجواذز تعطي علي نحو مرتجل وبدون فحص أعمال المرشحين لمعرفة مقدار إسهامهم في المجالات الثقافية المختلفة، وإنها تمنح علي أساس شهرة المرشح أو انتمائه إلي شلة!! وهي سياسة هدامة جعلت الأكاديميين يهينون أنفسهم ويلهثون وراء أجهزة الإعلام. غير أن جوائز هذا العام- أي ما بعد الثورة - جاءت فريدة من نوعها، ففي الأعوام الماضية كانت الجوائز الأدبية والثقافية تعطي لأشخاص قد يكونون سطحيين، ولكنهم علي أقل تقدير يتمتعون بالشهرة. والتجديد الذي استحدثته وزارة الثقافة بعد 25 يناير هو منح بعض الجوائز لأشخاص لم نسمع عنهم من قبل. ولكن عز علي وزارة الثقافة ان تتخلي تماماً عن نظامها لمجرد أنهم نجوم صحفية مرموقة دون اعتبار لإسهاماتهم الفكرية والأدبية والثقافية.. واعتقد أنه يحق لي أن أسأل هذا السؤال.. أليس هذا تخريباً لطموحات وعقل الشعب المصري، واستمرار لاهدار المال العام الذي نبغ فيه نظام مبارك البائد!

وصدق جورج أورويل الذي تخصص في الكتابة عن الثورات، وخاصة الثورة البلشيفية حين قال في قصته المشهورة مزرعة الحيوانات.. «كلما تغيرت الأحوال.. بقي الوضع علي ما هو عليه» وأنا أضيف «بل إن الوضع قد يصبح أسوأ مما

كان عليه».

يري الشاعر أحمد زرزور أن جوائز الدولة تثير الانتقادات سنوياً، سواءً علي الشخصيات الممنوحة لها أو آليات التصويت فيها والأعجب ان هذه الانتقادات لا تجد آذانا صاغية علي الإطلاق، وكنا ننتظر من القيادة الثقافية الجديدة أن تنصت جيداً إلي نبض الحركة الثقافية المصرية التي بح صوتها طوال سنوات مضت لتصويب مسار الجوائز، والتي كانت تطالب بمنع موظفي الوزارة - وخاصة قيادييها من التصويت وكذلك العمل علي تجديد لجان المجلس الأعلي للثقافة باستمرار ضمانا لضخ دماء جديدة، وأيضا للحيلولة دون التربيطات المعروفة في موسم التصويت السنوي للجوائز، وأظن - والكلام لزرزور - أن الفرصة الآن سانحة الشفافية الكاملة وبالذات عند ترشيحات الهيئات المختلفة للمؤهلين لنيل الجوائز التقديرية وما فوقها، وأن تتم مناقشة هذه الترشيحات من جموع المثقفين وفق قواعد وأسس منهجية يتم الاستثناء إليها في تمرير هذه الترشيحات أو منعها بعيداً عن إرهاب الهيئات والمؤسسات التي قامت بالترشيح مثل الجامعات واتحاد الكتاب وغيرها.

والأديبة سلوي بكر تؤكد أن جوائز الدولة منذ فترة طويلة تعد من أهم آليات تقزيم دور مصر الثقافي في المنطقة العربية، فدائما تمنح هذه الجوائز لمن لا يستحقها، فمصر كانت ذات حضور ثقافي طوال تاريخها الحديث وهذا الحضور مؤثر من خلال قيم ثقافية مرموقة في مجالات متباينة ولكن - للأسف - تراجع هذا الدور عبر مجموعة من الأسباب جاءت مع سبق الإطراء والترصد من قبل القائمين علي المؤسسة الثقافية، وللأسف فان بعض الشعراء والروائيين العرب تفقوا علي المصريين بالرغم من أنهم ليسوا في قامتهم الفكرية والثقافية، وذلك لأن بلدانهم تمنح الجوائز بعدالة وشفافية تامة عكس ما يحدث في بلادنا. والمشكلة أيضاً أن الجوائز عندنا تعطي لهزال ثقافي لا يعبر عن واقع الخريطة الثقافية في مصر وهذه كارثة كبري. وفي هذه الدورة الذين أشرفوا علي تحكيمها يعدون من رموز النظام السابق ومعظمهم أعضاء في الحزب الوطني المنحل، والكثير منهم ليس له علاقة بالثقافة من قريب أو بعيد وبعد نجاح ثورتنا المباركة كنا نتمني أن يحدث تغيير ثقافي جذري ينشط دور الثقافة والمثقفين ولكن لاحظنا أن الفساد الثقافي منتشر مثلما كان قبل الثورة لأن القائمين علي أمر وزارة الثقافة شلة منتفعين لا ننتظر منهم الخير للثقافة.

وتطالب «بكر» بضرورة إعلان حيثيات اختيار لجان التحكيم وكيفية تشكيلها وعلي أي أساس تمنح الجوائز. فمثلاً كيف يحصل الكاتب أحمد رجب علي أرفع جائزة وهو ليس شاعراً ولا أديباً ولم يعمل بالعمل الأدبي وزارة الثقافة مطلوب تغيير بنيتها الأساسية بدءاً من وزيرها حتي أصغر موظف فيها، وإعداد مشروع ثقافي وطني ينهض بدور مصر الثقافي عن طريق اختيار نخبة منتقاة من مثقفي ومفكري الوطن وإلا سنبقي كل عام نردد نفس الكلام دون جدوي.