عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

روح إدريس علي تسعد بحصوله علي جائزة التفوق


«إلي حفيدي الثاني والذي لم تتضح معالمه بعد، لعل قدومك سيكون بشيراً يزيل ظاهرة مدن القمع والاختفاء، وسيكون حافزاً لي علي مواصلة الابداع في مناخ من الحرية والعدالة.. فعجل يا ولدي بالوصول.. فنحن كلنا في انتظارك» تذكرت هذه العبارة «النبوءة» التي سطرها الراحل ادريس علي في مقدمة روايته قبل الأخيرة «الزعيم يحلق شعره» وأنا استمع إلي خبر فوزه بجائزة التفوق في الآداب التي يمنحها المجلس الأعلي للثقافة للمدعين سنوياً وتمنيت لو عاش ادريس علي ليشهد بنفسه تحقيق الحلم الذي راوده، واستمتع بقدوم حفيده الذي حطم الأصنام، واشاع الضوء في الأفق، وأعلن عودة المارد المصري لمواصلة رحلة الأجداد.

تري لو كتب ادريس علي عن ثورة 25 يناير والتي كان يتوقعها ماذا عساه أن يقول.. علي العموم رحل الاديب الرائع، وبقيت أعماله شاهدة علي إخلاصه وشجاعته وحبه لوطنه، فهو الذي اهتم بقضية المعذبين في الأرض، والذين يعيشون علي هامش الحياة، ودافع عنهم، ودفع في سبيل ذلك الثمن الباهظ، فكثيراً ما تعرض للسجن بسبب افكاره، لكنه آثر الاستمرار في التعبير عن رأيه ومواجهة الظلم والطغيان والفساد في وقت جبن فيه معظم المثقفين إما رغباً أو رهبا، عاش مظلوماً ومات وحيداً عن مسقط رأسه وعشقه الأول ومصدر إلهامه، النوبة، وناقش مشاكل أهلها ليعلن للجميع أنهم بشر يستحقون الحياة الكريمة وليسوا عينة تجارب عشوائية مستعدة دائما لخدمة المهجر حتي تفقد العقل والروح، كان صوت النوبة القوي الذي عبر عن هموم النوبيين من خلال ابداعاته الروائية والقصصية، ترجمت أعماله الي عدة لغات، وآثارت كتاباته الواقعية والصادمة الكثير من الجدل، هاجم نظام القذافي وفضحه في عز مجد الرئيس الليبي وكشف المستور عن أحوال الشعب الليبي في رائعته.. الزعيم يحلق شعره وظل مطارداً بعدها ينتظر التنكيل في أي لحظة لدرجة أنه كان يغير مكان اقامته كل يومين تقريباً، وظل كذلك حتي رحيله.

حياته سلسلة من الكفاح والصمود والتصميم علي النجاح، فقد فشل في الحصول علي أي شهادات دراسية في بلد تقدس الشهادات، ورغم ذلك فهو عضو في اتحاد الكتاب، ونادي القصة، وجمعية الأدباء، ونادي القلم «الفرع المصري» واستطاع من خلال قراءاته الحرة في الآداب العالمية المترجمة والادب المصري أن يكون واحداً من ادباء مصر العظام، تأثر بنجيب محفوظ ويوسف ادريس والطيب صالح وتوفيق الحكيم ومكسيم جوركي وديستوفسكي وارنست همنجواي وريتشارد ورايت، بدأ حياته العملية بوظيفة رقيب متطوع بالقوات المسلحة بعد سلسلة من الأعمال البسيطة، وانتهي بوظيفة أمين مكتبة بشركة المقاولون العرب، أصدر عشرة كتب ما بين القصص والروايات أولاها قصة «السرير الواحد» في مجلة «صباح الخير» في يناير 1969 وآخرها «الزعيم يحلق شعره» 2009 عن دار وعد، حصل علي عدة جوائز منها أفضل رواية «انفجار جمجمة» التي صدرت عام 1998، وجائزة اتحاد الكتاب عن رواية «مشاهد من قلب الجحيم» عام 2009، والجائزة الثانية عن رواية «اللعب فوق جبال النوبة» من المجلس الأعلي للثقافة، وجائزة

جامعة أركانسو الامريكية عن ترجمة لرواية «دنقلا» للإنجليزية.

وفي آخر حوار جمعني بالأديب الراحل حكي لي عن حياته الصعبة، والأقرب الي المأساة، فهي عبارة عن سلسلة من الكبوات والعذابات المتواصلة، فقد بدأ العمل في سن العاشرة «صبي مكوجي» وصبي بقال وعامل تنظيف زجاجات في معمل أدوية، وبائع تذاكر سينما وحارس عقار، وهذه الأعمال رغم بساطتها افادته في ابداعه، وهو ما أوضحه في قصصه التي كانت تتحدث دائما عن سيرته الذاتية وما تعرض له من اهانات وجروح نفسية لا تندمل بسهولة، وحاول بالكتابة هزيمة واقعه البائس، وتساءل «علي» في حواره عن المثقف الحقيقي الذي اختفي في ظروف غامضة، وحذر من الفكر الوهابي الذي يملأ البلاد، والاعلام الذي يغلق أبوابه امام الجادين والفضائيات التي تعمل بأجندة خاصة، ومصر التي تتعرض لأكبر عملية نهب منظمة حتي أن الاجيال الجديدة لن تجد شيئا بعد بيع كل شيء، ووصف الساحة الثقافية بأنها منقسمة علي نفسها وليس لها موقف واضح والكل يجري وراء مصالحه الخاصة والرؤية ليست واضحة، وطلب الاديب الراحل من الرئيس القادم إلغاء قوانين الطوارئ والنشر المشبوهة واعادة النظر في الثوابت والمحاذير وإلغاء خانة الدين من بطاقة الرقم القومي لأنه تسبب مشكلة مع الأقباط وتعديل الدستور ليسمح للقبطي بتولي رئاسة الجمهورية بسهولة وقصر مدة الرئاسة علي 4 سنوات فقط تمتد لفترتين، وعن روايته التي عكرت حياته وجعلته مطارداً من لحظة نشرها في معرض الكتاب، وحتي وفاته قال انها عثر عليها بالصدفة في اوراق قديمة ومهملة ولم يعد كتابتها أو يغير فيها، واكتشف أنها ضعيفة، وتناول من خلالها الفترة التي عمل فيها بليبيا من عام 1979 حتي 1980 وعاصر تجربة تطبيق قوانين الكتاب الأخضر والحرب بين مصر وليبيا ومعاناة المصريين من ذلك، وعند وصوله الي القاهرة عام 1980 قام بكتابة مسودة رواية الزعيم يحلق شعره ولأنها تصف الحياة الليبية من الداخل تركها منسية فترة تصل الي عشرين عاما.