رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشاعر العراقى الراحل أمجد سعيد.. عشق الترحال ومات بحب الموصل

الشاعر العراقى الراحل
الشاعر العراقى الراحل أمجد سعيد

قال عنه صديقه مؤيد عزيز العبيى: كإنسان يمتاز بطيبة كبيرة وعفوية وبساطة تحسه قريبا منك من أول لقاء معه، تعرفت عليه عن قرب في مطلع الثمانينات في الاتحاد العام للأدباء والكتاب فرع نينوى، كان معني بكل جديد في المعرفة البشرية. وفي العشرين سنة الاخيرة اهتم بنظرية الكم وعلوم الكون. وفي الخواص الروحية للماء واستجابته وتأثره بالكلام والأدعية.

 

اقرأ أيضا.. جاليري ضي يحتفي بفرسانه الشباب الجدد السبت 28 أغسطس

 

وتعد تجربة السفر من اهم العلامات البارزة التي يمكن أن تشكل محورا أساسيا ومقاربة دائمة التحقق في مجمل نتاجه الأدبي، وليس الشعري فحسب،  فأكثر من نصف كتبه نشرت في عمان ودمشق والخرطوم والقاهرة، إضافة إلى بغداد والموصل، ونشرتُ اكثر نتاجي في الصحف والمجلات العربية، وكُتِب عنه خارج العراق أضعاف ما كُتب داخلها.

 

يقول الشاعر العراقى  أمجد سعيد الذى رحل عن دنيانا الأسبوع الماضى :

 

كان أول عهدي بالسفر أواسط الستينات من القرن العشرين , حينما التحقت بقسم اللغة العربية , كلية التربية بجامعة بغداد صحبة القاص الراحل الدكتور محمد عطاء الله , والشاعر الراحل مجيد سعدون.

 

وأنا في الجامعة توفرت لي سفرة طلابية في العطلة الربيعية الى الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان وكان لها تاثير كبير فيَّ , وشكلت خزينا مُهِما استفدت منه في عدد من قصائدي اللاحقة , وبعد سنوات طويلة خاصة ما يتعلق بدمشق وبالقدس وفلسطين التي ضاعت بعد ذلك بستة اشهر وما تزال .

 

في أوائل السبعينات اتجهنا شمالا الى أنقره وإسطنبول ومررنا بالإسكندرونة برفقة الفنان المرحوم طارق فاضل والفنان خالد الدباغ , وقد توهجت القصيدة هنا بالبعد القومي التحرري العروبي.

 

في العام 1975 نقلت إلى وزارة الخارجية وقضيت عشرين شهرا في بغداد كانت من اجمل ايامي في العاصمة , وكانت زاخرة بالحياة والادب والشعر، وخلال هذه الفترة سافرت ضمن وفد من وزارات عديدة الى لندن وجامايكا لمدة شهر كنت ممثلا لوزارة الخارجية فيه، كانت رحلة استطلاع لدراسة امكانية فتح سفارة عراقية في جامايكا , وفي لندن التقيت بالصديق القاص نجمان ياسين الذي كان يعمل في الملحقية الثقافية , ثم عينت ملحقا في السفارة العراقية في عمان بالاردن وقضيت هناك اكثر من ثلاث سنوات كانت مفتاحا حقيقيا لاكتشافي ليس الاردن فقط انما فلسطين بشكل كبير.

 

كانت عمان باكورة العواصم العربية التي عملت فيها , وكانت رغم محدوديتها في ذلك الوقت , قد وفرت لي المجال الواسع للاتصال بالكتاب الاردنيين والفلسطينيين والعرب , وكانت رابطة الكتاب برئاسة الدكتور عبد الرحمن ياغي , ورابطة الفنانين برئاسة الفنان صلاح ابو هنود المكانين الاثيرين عندي , وفر لي المناخ العام الجديد فرصة الاطلاع على الكثير من المطبوعات الاردنية والعربية الجديدة , ناهيك عن مختلف الاصدارات العربية التي كانت تصل من كل اطراف الوطن العربي.

 

وساهمتُ في العديد من اللقاءات الثقافية والادبية والفنية , ونشرتُ العديد من القصائد في صحف ومجلات عمان في ذلك الوقت , وبعثت بالعديد من الرسائل الثقافية لمجلات عراقية انقل فيها بعض انطباعاتي عن الحياة الادبية والفنية الاردنية والفلسطينية في الاردن.

 

كان نتاجي جيدا تلك الفترة وتعمقت فيه الاهتمامات الوطنية والقومية والعاطفية , وظلت عمّان دائما مركز الحنين الاول , ولم يفتر اشتياقي اليها ابدا , كنت في هذا الوقت قد اصدرت مجموعتين ( نافذة للبرق ) عام 1976 و( ارافق زهرة الاعماق ) الذي صدر في بغداد عن دار الشؤون الثقافية العامة وانا في الاردن عام 1979 وكُتبت عنه بعض المقالات في بغداد وعمان .

 

 (في منتصف عام 2005 اتجه"سعيد"  الى عمّان, حيث تسلم نسخا من كتابه ( اوراق عمان ) الذي طبعته امانة عمان الكبرى عام 2002 وهو شذرات مما كنت قد كتبته في , وعن عمان وفلسطين .

 

وبعد ذلك بشهر تقريبا غادر الى القاهرة , وأقامة فيها حتى وفاته, وهي محطة فيها من الخصوصية الشيئ الكثير بحكم تفرغه الادبي والثقافي فيها , وطول الفترة التي قضاها , ورصيد قديم جديد من الاصدقاء المصريين والعرب , وقد اصدر سبع مجموعات شعرية , منها مختارات شعرية صدرت عن هيئة قصور الثقافة , ومنها كتاب ( الوردة لمرسية وللاندلس الريح ) عن تجربة سفره الى الاندلس نهاية القرن الماضي ممثلا لاتحاد الادباء والكتاب في العراق , ومشاركا في ملتقى البحر الابيض المتوسط للشعر برئاسة الشاعر الاسباني الكبير خوسيه ماريا البارث , وقد صدر فيما بعد عن دار اخبار اليوم في سلسلة كتاب اخبار اليوم .

 

والكتاب يعبر عن تجربة خاصة تمثلت امكنة وازمنة مدينتي مرسية وقرطاجنة في الاندلس , حيث ولد في الاولى المتصوف الكبير محي الدين بن عربي , وفي الاخرى الناقد

الشاعر حازم القرطاجني , كما صور الكتاب تلك العلاقات الشفافة بين ادباء الملتقى وحواراتهم . ثم أصدر بعد ذلك كتاب مذكرات في الدبلوماسية الثقافية عن بعض تجاربه الثقافية والدبلوماسية في السودان .

 

 يقول "سعيد" من اروع رحلاتي قاطبة , رحلة الحج الى الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة , عام 2010, كان سفرا في ملكوت الله , وانغمارا في خشوع البشر والكائنات , وهي تلقي كل شيئ زائل خارج المشهد المقدس , وخارج الزمان الوقتي , كان الموقف نسيانا للمؤقت وتذكرا للدائم الأزلي , كان ذوبانا في المعنى لا يمكن لأية كلمات ان تتمثله على الاطلاق.

 

ويضيف :مهما حاولت ان احيط بكل تأثيرات تجارب السفر وتداعياته في شعري فإن الكثير سيفوتني , ولكنني أحاول ان ابرز اكثر اهم المشاهد إضاءة ووضوحا , كان السفر هو اكتشاف للمكان المختلف , وللانسان الآخر , وللتجربة الجديدة وخروج من دائرة الرتابة والاعتياد , وفتح في عوالم الدهشة , ومعرفة الابعاد الثقافية والابداعية في فنون واداب الشعوب الاخرى , خاصة الشعر وكثير من التفاصيل الاخرى التي لا يمكن معرفتها الا بالمعايشة الحية اليومية .

 

في السفر تعمق عندي الأحساس بالمكان الجديد , وفتح لي فضاءات لم تكن لتصلني لولا السفر , واكتشاف خصوصياته ومفرداته , وشخوصه وعلاماته المختلفة , كما صرت اكتشف تجارب اخرى لبشر مختلفين , ناهيك عن تجاربي الشخصية , وصارت الاسماء مفاتيح ونوافذ لقصائد جديدة تدخل بالقارئ الى مساحات ربما كانت غير معروفة لديه , او انني تناولتها بشكل مغاير . كما ازداد اقترابي من عالم المرأة وتأثيث القصيدة بعطرها ونوافذها وآفاقها لكنها ظلت في الغالب رمزا يتخذ من عالمها افقا ومدارا .

 

في السفر , وتداعياته المستمرة بدا الحزن يتعمق رويدا رويدا , وبدأ رحيل الايام يشكل عبئا وألما , وتزداد الذكريات والاشتياقات والحسرات , وبدأت القصيدة تدمع اكثر فأكثر , وتواتر فقد الاحبة والاصدقاء شيئا فشيئا , حتى ظهرت ملامح من الوجوم والذهول والنسيان على وجه الشاعر والقصيدة , لكنه من جانب آخر وبإصرار عنيد ظل وجه الرغبة في الحياة مبتهجا , والتجديد في الشعر ممكنا , لمواكبة الجمال الذي يسفحه الادب والشعر على الاشياء , وديمومة وخلود الكلمة المقدسة العظيمة , والتجربة المعطاءة , وتسطير ما امكن على قلته في سفر الابداع وتاريخ المدينة والبلد والامة .

 

ورغم السفر المتعدد ظلت مدينة الموصل مركز حياتي , ربما لم يمر يوم لم اتذكرها فيه , بقيت حية خالدة في دمي , وظلت تنبض تحت جلدي دقيقة بدقيقة وساعة بساعة , صار تذكرها سَفرا آخر من نوع جديد , وصارت تتوهج اكثر في شعري وفي كلماتي , وصارت تفسر نفسها بنفسها في خيالي كل يوم بشكل مبتكر, وتمنح لنفسها كل صباح ثوبا من ماء ومطر ومرمر, ربما لولا السفر لكنت ما ادركت عمق هذه المدينة الوالدة , وما عرفت روعة عالمها , فضائها , ودروبها , ونهرها , ومدى شغفي باصدقائي من ابنائها وبناتها.

 لمتابعة أخبار بوابة الوفد اضغط على alwafd.news