رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالمجيد: فى مصر أجيال لن تقبل أن تُخنق

د. وحيد عبدالمجيد
د. وحيد عبدالمجيد

إذا كان الدكتور وحيد عبدالمجيد قد نجح في تشخيص الحالة المصرية الراهنة، واستعرض جذور المشكلة، التى تعد بمثابة مرضا مستعصيا، فإن الكاتب الكبير لم يغادر القاعة مساء أمس قبل أن يعلن عن الدواء، الذي وصفه بالأمل الوحيد للخروج من المأزق الكبير، واستعادة روح ثورة يتم إزهاقها.

الإعلامي محمود شرف الذي لا يجيد لغة المديح وضع ضيفه مباشرة في مواجهة الجمهور بعد مقدمة قصيرة أكد فيها أن الدكتور وحيد عبد المجيد واحدا من كبار المفكرين في مصر والعالم العربي وقال: هو هنا اليوم ليقدم رؤيته لما يحدث الآن.
وقد تناول د. عبد المجيد في لقاء تجاوز الساعة والنصف الأسباب التي أدت إلى اللحظة الراهنة الحرجة وحمّل فيها المسئولية للفترة الانتقالية التي أدار فيها المجلس العسكري البلاد، وتراجع الرئيس مرسي عن وعود قطعها على نفسه أمام القوى المدنية أثناء جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وأشار إلى أن التركة الثقيلة التي ورثتها السلطة من النظام السابق كانت في حاجة إلى شراكة حقيقية في الحكم حتى يتم البناء وفق أسس سليمة وآلية يتنافس فيها الجميع على بناء ما تم هدمه.
بدأ الدكتور وحيد حديثه قائلا: هذا اللقاء يفترض أن يكون فكريا، حول بناء المستقبل، وكان من المفترض أننا بعد عامين من الثورة نكون في وضع مختلف تتفتح فيه الأفكار لبناء بلد حر تشارك فيه الأجيال الجديدة بما لديها من طاقات هائلة يتم تفريغها الآن في الصدامات، وأوضح أن الأزمة التي نمر بها تفرض نفسها على الحديث في الحاضر.
وأضاف: إننا مازلنا في مرحلة انتقالية مرتبكة فيها الكثير من التخبط والصدام أكثر ما فيها من حوار، رغم كل الجهود التي بذلت في الفترة الماضية وهو ما يجعلنا أمام منعطف شديد الخطر يختلفون في تقدير حجمه وأبعاده ولكن لا أحد يختلف أننا بحاجة إلى مخرج إلى ما أُدخلنا فيه.
وحدد عبد المجيد جوهر الأزمة التي نمر بها وما يرتبط بها من أخطار وأشار إلى أننا نحتاج إلى شيئين: رؤية جديدة ومراجعات لكثير من الأطراف، وقال إن جوهر الأزمة أننا لدينا تركة ثقيلة تراكمت عبر سنوات ولا يستطيع أحد أن يحملها منفردا، وهذا ما كان واضحا منذ يوم 12 فبراير 2011.. ولو أن هذه الرؤية توفرت في الماضي وأديرت المرحلة الانتقالية الأولى بطريقة أفضل لاختلف المشهد، فكلنا يذكر الثورة الأولى والروح العالية واستعداد المصريين لبناء المجتمع وصنع المعجزات.
وأكد أن العامين الماضيين نتج عنهما انحسار هذه الروح وتبديد الطاقة في صراعات وخصومات بعضها مفتعلا حول قضايا لا يوجد خلاف حقيقي عليها، وهي قضايا متعلقة بالهوية وإعادة تفجيرها في وقت كنا في أشد الحاجة للتركيز على البناء السياسي والعمل المشترك، فالأمم الحية التي تصنع مستقبلها تتعامل مع هذه الأمور بشكل استثنائي وتنحي خلافاتها من أجل البناء حتى لا يكون هذا مؤديا إلى تبديد لحظة تاريخية يندر أن تتكرر في تاريخ الشعوب.
وقال عبد المجيد: أدار المجلس العسكرى البلاد بطريقة منفردة.. ولم يتعظ من جاء عليه الدور ليدير البلاد ولم يستوعب الدرس وسار على نفس الطريق منفردا ومقصيا الشركاء ممن يمكنهم المساعدة.
وعلى كل القوى السياسية أن تعرف حقيقة مهمة: "إذا أصر أحد أن يحمل التركة منفردا لابد أن تسقط بين يديه وتتفاقم مشكلات تنطوي عليها الأزمة ونصل الى هذه المرحلة من انسداد أفق كان الشباب قد فتحه وكان ممكنا ان نتحرك انطلاقا من هذا الافق المفتوح لإعادة البناء".
وتابع: كان من الواضح بعد أيام من إسقاط مبارك أننا نحتاج إلى عمل مشترك وتعاون وروح تدفع في هذا الاتجاه وبدأنا بالفعل في عمل لاقامة تحالف واسع النطاق يشمل قوى من اتجاهات مختلفة في اللحظة التي بدأ فيها الاستقطاب يظهر بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ووصلنا الى انقسام مدمر يغلق الأفق الذي فتحته الثورة.
واستعرض عبد المجيد حركة القوى المدنية لإقامة تحالف يضم مختلف ألوان الطيف وقال: نجحنا لبعض الوقت قبل أن تعود المصالح الخاصة والحزبية والجماعاتية الى سابق عهدها، وكان هناك تصور للمستقبل على المستوى السياسي والاجتماعي والدستوري وبرنامج عمل تضمنته وثيقة وقع عليها ما يقرب من 40 حزبا وهي وثيقة التحالف الديمقراطي. وبالتالى رفضنا وثيقة تفرض من أعلى وقلنا إننا اتفقنا على كل التفاصيل التي تشمل كافة الجوانب لإعادة بناء الوطن واستثمار الطاقة وطبيعة مجتمع الغلبة في تركيبته للشباب.. الذى يستطيع أن يعتمد على طاقة متوفرة لديه لكن للأسف عادت من جديد صيغة الانفراد بالسلطة وعدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه، فانفض التحالف الذي كان ينص على عدم تقديم مرشح للحرية والعدالة في الانتخابات الرئاسية.
واستطرد د. عبد المجيد: تراجعوا عن وثيقة التحالف الديمقراطي بوصفها برنامجا للعمل في المستقبل فضلا عن سلسلة من التراجعات، وكان لا بد أن يعرفوا أنه لا يمكن بناء ما هدم في الوطن خلال عقود من الزمن بدون أن يضع الناس أيديهم في أيدى بعضهم بدلا من الصراع والتنافس.. وكان ينبغى وضع الأساس لأي بناء ليتحمل ما يوضع فوقه، وأي بناء يقام على أساس هش يصبح بالضرورة عرضة للانهيار.
كان هناك أمل أن يلتزم الجميع فيما تم الاتفاق عليه وبالتوافقات التي تم التوقيع عليها، ولكن ما ان انتهت الانتخابات حتى بدأ من حصل على وضع أكبر في التصرف بشكل مختلف فأداروا ظهورهم لمن تعاملوا معهم بدلا من أن يتم توسيع هذا العمل المشترك، وكانت سلسلة من التراجعات التزام وتراجع والتزام وتراجع وهكذا حتى الانتخابات الرئاسية وعندما أجريت الجولة الأولى وانتهت بوجود مرشحين كانت هناك تفاهمات جديدة واتفاق جديد، حدث تفاهم مع مرشح الحرية والعدالة وتم التوقيع على ما يعرف بـ "وثيقة هيرموند"، رغم أن الاتفاق كان مع عدد أقل من القوى السياسية وغاب عنه من اعتقد أنه في حاجه الى استعادة الثورة من جديد..
وكان من بين ما تضمنه الاتفاق إعادة التوازن إلى الجمعية التأسيسية للدستور وتشكيل حكومة وحدة وطنية على غرار ما يحدث عادة في الأمم المختلفة التي تواجه الأزمات، لأن هذا هو ما يمليه أي عقل بسيط أمام ما لا يستطيع أن يقوم به أحد منفردا، إلى أن يتحقق الهدف من التعاون ويمضي كل إلى حال سبيله ويتنافسوا في الظروف الطبيعة.
وأضاف عبد المجيد: مرة أخرى لم يتحقق شئ فيما تم الالتزام به، وتم تشكيل حكومة لا تستطيع أن تحمل التركة الثقيلة ولا تعطي شعورا بالثقة ولا أن تعيد الأمل للقلوب التي فقدته فتفاقمت المشاكل والأزمات بدلا من الحل والنتيجة أننا نعيد انتاج نفس السياسات مع إضفاء بعض الشعارات الدينية، وهي السياسة التي رفع في مواجهتها شعار العدالة الاجتماعية في الثورة لأنها تقوم على الظلم وتهمش المصريين وتؤدي الى انهيارات اقتصادية فكيف نواجه نفس السياسة لنواجه بها الكارثة التي تسببت فيها؟!.
المشكلة ليست مشكلة عجز اقتصادي او سعر يتراجع للعملة هذه أعراض للأزمة التي جوهرها تراجع النشاط السياحي والزراعي والصناعي. وكافة النشاطات الأخرى.
وجزء من هذا راجع الى أن المشكلة شديدة التعقيد ناجمة عن تركة ثقيلة تحتاج الى تعاون وحوار وعمل مشترك ولا يمكن معالجتها باتباع نفس سياسات تفاقم الازمة وتحدث حالة من الانقسام الشديد وهو ما يحتاج الى بناء ثقة وتوافق فبدلا من ان نسير في هذا الاتجاه أدارو ظهورهم لكل هذا وبدلا من أن يكون مشروع الدستور عاملا من عوامل بناء الثقة بين جميع الاطراف يصير عاملا لتخزين العداء والانقسام، ثم نخترع اختراعات عجيبة كتصحيح هذا الدستور بعد اصداره أي انه اعتراف بان به

عيوب وهذا اختراع لا سابق له في تاريخ البشرية منذ ان وجد الستور الذي ينظم الحقوق والحريات.
لم يحدث أن قوما في أي مكان في العالم يتصرفون على نحو لا يمكن أن يساعد على مواجهة تركة ثقيلة لان ذلك يدمر ما بقى من عوامل الثقة بين الاطراف المختلفة ويوؤدي الى تبديد الامل في المستقبل
وطرح د. عبد المجيد الحل كما يراه قائلا: مفتاح الحل لأي أمة في كلمة الامل، عندما يشعر الناس بوجود هذا الأمل يساهمون ويشاركون ويكونون عاملا من عوامل البناء .. وجود الأمل هو فاصل بين حالتين اما النظر الى المستقبل او اليأس.
وضرب عبد المجيد مثالا على قيمة الأمل في حياة الشعوب بعقد مقارنة بين  حالة مصر والهند التى دخلت نادى الكبار وشهدت في الـ10 سنوات الاخيرة نقلة كبيرة مع أن مستوى معيشة الفرد في الهند هي نصف مستوى المعيشة في مصر ومع ذلك الناس في الهند يعملون وينتجون والفرق أنهم يشعرون بالأمل يوميا.. فالشعور بالأمل يدفع لوجود روح مغايرة في حالة غياب الأمل، والروح التي قامت بها الثورة ان يشعر المصريين بالتغيير لكن الشعور العام أن من تغير هو الحاكم ومن معه.. فالمصريون لا يشعرون ان تغييرا حدثا وانهم شركاء.. فى حين أن مفهوم الأمل في مصر مرتبط بمفهوم الشراكة الوطنية وهذا ليس كلاما إنشائيا أو خطابيا ولكن واقع لابد ان يشعر به الناس.
ويذكر الدكتور وحيد  بداية الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بعد أن صار مرسي في مواجهة شفيق ودعي مرشح الإخوان الى لقاء مع عدد من السياسيين والمفكرين وهو أول لقاء بعد الجولة الاولى ليستمع الى نصائح المعركة الانتخابية وتحدث عن الشراكة الوطنية وتحقيق اهداف الثورة، وقال: من بين ما اقترحته عليه أن الشراكة الوطنية لا تتحقق بالكلام والخطب وتحقيق اهداف الثورة لا يتحقق بالامنيات ولو كانت طيبة وأنه لا بد من إجراءات تتمثل في اختيار مجموعة عمل تعكف على وضع مشروع لبرنامج الحكومة القادمة وان يكون البرنامج مستمدا من برامج كل مرشحي الثورة ممن لم يوفقوا.. برنامج قصير الأمد يضع الاساس لإعادة البناء، ويتم اختيار الحكومة ومستشاري الرئيس وفقا لهذا البرنامج التوافقي الذي يعبر عن اهداف الثورة ويرسل رسالة رمزية أن هناك شراكة وطنية ولم يتم الالتفات الى هذا الاقتراح أوغيره.
كما حدث اتفاق بين الدكتور مرسي وعدد من القوى الوطنية فيما بعد على أمر مماثل ولكن بدون تحديد أو تفاصيل وهو أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية ودستور جديد وغير ذلك.
ويأسف عبد المجيد  لما تم من إجراءات بعد الاشهر التالية حيث كل ما تم الاتفاق عليه تم نقضه وكل ما تم الالتزام به  تم التراجع عنه وكأن هناك خطة للإيحاء بأن هناك شركة وطنية إلى أن تأتي الفرصة للهيمنة على البلاد، لكن الهيمنة لم تعد ممكنة ولا يستطيع أحد أن يسيطر على الوطن لمرة اخرى انتهى عصر اخضاع الشعوب بالقوة وانتهى ذلك في ثورة يناير والنتيجة لو استمر ذلك أن الوطن سيظل ينزف ويستمر النزيف الى ان يقتنع من يتصور ان مصر في سبيلها لأن تخضع له أن ذلك لم يعد ممكنا.
واستكمل عبد المجيد حديثه قائلاً :في مصر اجيال جديدة لن تقبل أن تخنقها أي سلطة ولن تسلم أمرها لأحد وستقاوم اي سلطة تحاول أن تفرض رأيها عليها وهي ليست ضد سلطة بعينها ولكن ضد الهيمنة.. فمن تنفسوا هواء الحرية من الصعب إعادتهم إلى عشش الدجاج، وحتى هذه الطريقة لم تعد متاحة، لأن الناس لن يأكلوا ويشربوا إلا إذا تعاون الجميع والأزمة الاقتصادية أكبر من أن تحل منفردة، ومرت علينا أوقات كانت فيها السلطات الحاكمة تخير الشعب بين حريته وغذاءه وشرابه، وفي هذا العصر لن يستطيع احد فعل ذلك، لابد من انتهاج سياسات من شأنها إعادة الأمل وذلك يكون بالمشاركة التي لا تتحقق إلا في ظل الحرية وقتها نتخلص من الأزمة الاقصادية والاجتماعية أيضا.
وطالب د. عبد المجيد فى نهاية الندوة بحوار وطني جاد بعيدا عن المراوغات والمزايدات. وقال إن الحوار يبدأ بتحديد اطرافه وجدول اعماله والتزام أمام الشعب ولكن اطلاق الحوار على مسائل  ليس لها من هذا الاسم نصيب لا يؤدي الا لتضييع للوقت.
وناشد عبد المجيد بعدم التفريط في طاقة الشباب الجبارة التى تستطيع أن تصنع معجزة اقتصادية دون ان نمد أيدينا لأحد بشرط وجود قيادة تثق في الشراكة.
وختم عبد المجيد حديثه قائلاً : الحوار الجاد حتما سينهى الاستقطاب والانقسام، الحوار يضمن نزاهة الانتخابات، وكان من المفترض ان يحدث بالأمس وليس اليوم.. ولو تحقق الحد الأدنى من الالتزام في اتفاقات الأمس لما كنا وصلنا الى هذه الدماء والانسداد، نحن الان في لحظة سيحاسبنا التاريخ عليها ربما يكون لدينا فرصة اخيرة لحوار وطنى جاد بشرط أن يتم تغليب المصلحة الوطنية على شبق السلطة وعلينا ان نتحرك سريعا للسيطرة على الامر قبل ان يصبح تداركه صعب.. فإما طريق الحوار أو سكة الندامة.