رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الغمرى": "الوفد" فتحت لى صفحاتها للكتابة بعد منعى من النشر فى زمن الإخوان

«الإرهابية» تجاهلت «سد النهضة» حتى اندلعت الأزمة فى زمن الإخوان

أكد الكاتب الصحفى الكبير عاطف الغمرى فى الجزء الثانى من كتابه «فى كواليس الصحافة والسياسة» «تحت الطبع» أن جريدة الوفد فتحت صفحاتها لكى يكتب فيها بعد منعه من الكتابة فى الصحف الأخرى خلال العام الأسود لحكم جماعة الإخوان الإرهابية.

وخصص الكاتب الكبير فصلا من الجزء الثانى فى كتابه «فى كواليس الصحافة والسياسة» للحديث عن هذه الواقعة، وألحق بها مقالا نشرته له «الوفد» يوم 26 يونية 2013، قبل أيام قليلة من ثورة 30 يونية التى أنقذت مصر من حكم الجماعة الغاشمة.

فى هذا الفصل من كتابى «فى كواليس الصحافة والسياسة»، الجزء الثانى - تحت الطبع - أجد أن جريدة الوفد تستحق منى كلمة حق، فقد وجدت منها تصرفا يلتزم بأصول المهنية، والوعى بالدور التنويرى للصحافة، خاصة فى الظروف التى تتحدد فيها المواقف إزاء أوضاع تمس الوطن، وفى ظروف حصار لخنق كل صاحب رأى.

وهنا أشير إلى دور رئيس تحريرها الأستاذ وجدى زين الدين، والكاتب الصحفى الدكتور إبراهيم عبدالمعطى، الذين فتحا أمامى صفحات الجريدة، لأكشف عن خطايا حكم الإخوان، أثناء وجودهم فى السلطة من 2012 - 2013.

أقول هذا بعد أن كنت قد عرضت فى نفس التوقيت على إحدى الصحف المستقلة فى مصر نشر آرائى، لكنهم اعتذروا.

كان ذلك عقب إصدار رجالهم الذين نصبوهم على أعلى المواقع فى الأهرام، خصوصًا رئيس مجلس الإدارة الإخوانى، قرارا وصلنى فى مذكرة مكتوبة بتاريخ 23 أكتوبر 2012، يبلغنى أننى ممنوع نهائيا من نشر مقالى الأسبوعى فى صفحات الرأى، والذى ينشر بانتظام على مدى أكثر من ثلاثين عاما.

لم تكن مقالاتى تلك حالة استثنائية مما أكتبه، ملتزما باستقلالية الرأى. ففى عهد مبارك انتقدت بعض التوجيهات السياسية للحكومات. بل أننى أصدرت كتابين ينتقدان الكثير من أوضاع السياسة الداخلية، هما «أزمة الديمقراطية، فى عام 2005، والإصلاح السياسى من أين يبدأ»، ولم يكن ذلك من باب العداء أو ادعاء المعارضة. لكن لأن ذلك هو دور الصحافة.

لا أنكر احساسى بالصدمة لمحاولة قصف قلمى - ضمن آخرين من الزملاء - وفى الحال بدأت تباعا نشر مقالات فى الوفد، واخترت هذا المقال المنشور فى الوفد بتاريخ 26 يونية 2013، نموذجا لما كنت أكتبه.

اشتعلت أزمة «سد النهضة» الإثيوبى، وكأنها حريق أشعلت شرارته رياحا، لم تكن قد رصدتها مراكز الارصاد الجوية المختصة.. فهل كانت كذلك؟

الأزمة فى حقيقتها لم تكن مفاجأة، فقد سبقتها تحذيرات بناء على دراسات علمية، تنبئ بأنها ليست مستبعدة الحدوث.

ثم فوجئنا، نحن المصريين، بالوزير المختص بمياه النيل، يقول فى حوار تليفزيونى، إننى فوجئت عن طريق الإعلام، بأن إثيوبيا بدأت بناء سد النهضة، لتحويل مجرى النيل الأزرق الذى يعد المورد الرئيس لوصول مياه النيل إلى مصر.

وسبق هذا التصريح بنحو ستة شهور معلومات منشورة تقول إن ما يخص هذا المشروع قد نقل إلى مجلس الوزراء، والوزراء المعنيين، وإلى الرئاسة.. فأين المفاجأة إذًا؟

وطوال عامى 2009 و،2010 عقدت فى مصر ندوات ومؤتمرات عديدة، شارك فيها كبار الخبراء المختصين بهذا الموضوع، منها مؤتمر عقده المجلس المصرى للشؤون الخارجية، ومؤتمر آخر كان السد فى جدول أعماله وشارك فيه خبراء فى مياه النيل، ومفكرون سياسيون، ومركز الدراسات المستقبلية بجامعة أسيوط، وكنت أحد المشاركين فى المناسبتين.

بل إن الموضوع يعود إلى سنوات طويلة مضت، ترجع إلى الستينيات منذ أيام الإمبراطور هيلاسلاسى حين خرج المشروع كفكرة، تضيف موارد إلى دولة تفتقر إلى كثير من الموارد.

لكن تحويل الفكرة إلى واقع على الأرض، لم يبدأ وبصورة معلنة، إلا العام،2010 حين راحت إثيوبيا تؤكد عزمها بناء هذا السد، فأين المفاجأة؟

وعندما بدأت الدولة فى مصر تتعامل مع الأزمة، جاءت خطواتها بطيئة، تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة ومحددة وعاجلة، للتعامل مع مشكلة بهذه الخطورة.

ومن المعروف فى إدارة شؤون الحكم، أنه عندما تتولى السلطة حكومة جديدة، فإنها تبادر فى الحال، إلى فتح الملفات العاجلة التى يمكن أن تحمل تهديداً للأمن القومى، وعلى رأسها بالطبع مشروعات تحويل مجرى النيل.

ويبادر الوزراء إلى دراستها فى الحال، ثم عرض النتائج فى اجتماعات مجلس الوزراء للمناقشة، واتخاذ القرارات اللازمة، والاستعانة بالخبراء المختصين بجميع جوانب المشكلة، وبعلماء فى مجالات المياه والنيل، والتخطيط، والقانون الدولى، والعلاقات الدولية. وبناء على رؤيتهم، توضع استراتيجية متعددة الأبعاد، للتعامل مع الأزمة.

وتحرص دول كثيرة على تنظيم مؤتمرات وورش عمل للمختصين بإدارة الأزمات، لتجديد معلوماتهم، وتطوير آليات عملهم. ولا تكتفى الحكومات بالاعتماد على وزرائها ومسؤوليها فقط، بل تلجأ إلى المختصين من خارج الدائرة الرسمية.

وطوال السنوات العشر الماضية، اهتمت معظم دول العالم، ببرامج إدارة الأزمات، بدءاً من الكوارث الطبيعية، إلى الزلازل، والحوادث الصناعية، والحرائق، والأوبئة، والإرهاب، ثم أضيفت إليها قضية ندرة المياه، واحتمال أن يعرف العالم حروب المياه. وكانت هذه البرامج تركز على وضع إجراءات مسبقة تمنع الأزمة قبل وقوعها. وضمن هذه النماذج - على سبيل المثال - برنامج أعدته جامعة هارفارد للمختصين بإدارة الأزمات، يتصور احتمال حدوث زلزال تتعرض له مدينة سان فرانسيسكو خلال 30 عاماً من الآن. وأرسلوا بالفعل خبراء ودارسين إلى هناك، لعمل دراسات ميدانية للموقع المحتمل أن يقع فيه الزلزال، وإجراء دراسات شاملة حتى يمكن أن تأتى الإجراءات المطلوب تجهيزيها مبكرا، مستندة إلى أسس واقعية وليست نظرية تماما، وبهدف الخروج من تبعات الأزمة بسرعة، حال وقوعها.

إن إدارة الأزمات السياسية بين دولة وأخرى، لا تتوقف على عنصر توازن القوي وحده، بل يمكن إدارتها حتى لو كانت الدولة الحاضرة بالأزمة، فى موقف توازن ضعف نسبى، طالما أنها تستطيع عن طريق الإرادة الوطنية لقيادتها السياسية، أن تنجح فى استثمار عنصر آخر تنفرد به الدولة وشعبها. مثال على ذلك، ما كان هنرى كيسنجر قد شرحه فى كتابه عن الدبلوماسية، من أن أى رئيس دولة عاقل فى مصر، لم يكن ليفكر فى الدخول فى حرب مع «إسرائيل»، كما حدث فى أكتوبر،1973 بسبب التفوق النوعى لـ«إسرائيل» فى التسلح.

وأضاف كيسنجر «لكن مصر كانت تملك سلاحاً آخر حقق لها توازن القوة مع «إسرائيل»، وهو إرادة المصريين القوية لتحرير أرضهم من احتلال أجنبى، والتى ظهرت بقوة وهم يعبرون قناة السويس».

إن ما أشار إليه كيسنجر، يظهر لنا، عنصرا جوهريا وحيويا فى إدارة الأزمات، وهو أن نجاح عنصر الإرادة الوطنية كسلاح لتحقيق التوازن، يتطلب وضوحا تاما فى موقف القيادة السياسية، واقتناع الرأى العام، بأنها تملك رؤية، تتيح لها التصرف وفق خطة قائمة على أسس علمية، وهو ما يؤدى إلى خلق حشد شعبى عام داعم للقرار السياسى للقيادة السياسية. وليس المقصود هنا الحرب، لكنه حشد جميع عناصر الضغط والتأثير الدبلوماسى محليا وإقليميا ودوليا.

ولا تقوم إدارة الأزمات على صناعة القرار السياسى، فى مواجهة الأزمة عندما تظهر ملامحها، بل إن ذلك لا يتم إلا من خلال امتلاك الدولة استراتيجية للسياسة الخارجية، تتبصر كل ما يشكل تهديدا للأمن القومى على المدى البعيد، والإعداد للتعامل مع مثل هذه التهديدات ببدائل متعددة، ولو كانت بعض هذه التهديدات مستبعدة، لكن السياسة الخارجية لا تدار إلا على هذا النحو الذى يضع الدولة فى مركز قوة، واستعداد، فى حالة ما إذا وجدت نفسها أمام تهديد فعلى لأمنها القومى، وسلامة شعبها.