رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد محمد مستجاب : كان أبي "سي السيد" وعرف قدر نفسه فعاش كما أراد

بوابة الوفد الإلكترونية

 


وصفه الكثيرون وأطنبوا في الحديث عن قلمه، عن مزجه الشائق بين الواقعية والسخرية، ليصير المنتج سحرا إبداعيا من نوع خاص ومتفرد ..محمد مستجاب، الأديب الأريب، الذي نبت في صعيد مصر، فاستمد من الصعيد صلابته وقدرته على تحدي الصعاب، ليستطيع رغم اقتصاره في التعليم على شهادة الثانوية العامة، أن يحلق بعيدا في آفاق الثقافة الرحبة ويصبح علما من أعلام الأدب العربي وحارسا للغة عليما ببواطنها وسحرها ، عازفا للإبداع في فنون القصة والرواية والمقال الأدبي .
إلا أننا مهما استفضنا وصفًا لموهبته وإبداعه فلن نستطيع أن نصفه كما وصف هو ذاته ، فهو القائل عن نفسه:
" مولانا مستجاب، والذي وهبه الله (القلم)، حيث القلم هبة إلهية، أداة الكتابة، وأقرب الأدوات جميعاً إلى قلب مولانا مستجاب، ومع صغر حجم قلم مولانا مستجاب بالنسبة للفأس والسيف والمدفع وكبشة الطبيخ، فإنه هو القادر على إضاءة المسافة بين السماء والأرض، يمتلك قلماً شرساً قوياً حزيناً ومراوغاً، يختصر تلك القدرة الهائلة للعقل والقلب والجلباب الذي يرتديه ليصنع به الأعاجيب، وكلما سافر وتجول ولعب وضحك وتعارك ونام وقرأ وشاهد انشحن القلم جيداً لكي تزيد رهافته وبصيرته وخطورته".
إنه محمد مستجاب، صاحب: "من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ" عام 1983 والتي حصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية عام 1984م، وترجمت إلى أكثر من لغة، والمجموعة القصصية "ديروط الشريف" 1984م، و "القصص الأخرى" 1995م و" قيام وانهيار آل مستجاب"1999م والتي طبعت ثلاث مرات ، و"الحزن يميل للممازحة" 1998م والتي طبعت كثيرا، و "بعض الونس" و"زهر الغول" و"أبو رجل مسلوخة" و"الحزينة تفرح"، ثم روايتا "إنه الرابع من آل مستجاب" 2002م و"نبش الغراب2،1" و"اللهو الخفي" إبريل 2005م .

أما ونحن في حضرة ذكراه الخامسة عشرة التي هلّت علينا منذ يومين" حيث غادر دنيانا في ٢٦ يونيو ٢٠٠٥ عن ٦٧ عاما" ، فقد أردنا أن نتجاوز الحديث عن موهبته التي صارت إحدى المسلمات، لننتقل إلى نقاط مختلفة عن حياته وعلاقته بابنه محمد محمد مستجاب، الذي ورث الإبداع وسحره من أبيه. باختصار ، أردنا أن نتطرق الى مستجاب الأب والإنسان..
ولأنه لا أحد يمكنه أن يروى شغف أسئلتنا كابنه، توجهنا إليه، إلى الكاتب الكبير والسيناريست والقاص محمد محمد مستجاب:
والى نص الحوار:

* ناقر ونقير:

بداية يحكي لنا محمد محمد مستجاب عن طبيعة علاقته بأبيه ، قائلا : رغم علاقتنا الوطيدة كأب وابنه، الا أنه كان بيننا صراع حضارات،" ناقر ونقير" طوال الوقت،فما كان يطلبه مني أرفضه أمامه ولكني أقوم بعمله وتنفيذه دون علمه، فكنت مؤمنا بصحة رأيه لكنه عناد الشباب.
حتى بزوغ الإبداع لدى كل منا تبدى فيه اختلافنا، فعلى العكس منه، طرقت أنا باب الكتابة عن طريق السيناريو قبل طرقي لباب القصة أو المقال أو الرواية.
وعن أسلوبه التربوي الذي اتبعه معه ومع اخوته يقول " مستجاب" : كان يتبع أسلوب المراقبة عن بعد ، حتى اذا حدث ما يستحق تدخله لجأنا إليه، وبذلك استطاع أن يجعلنا نعتمد على أنفسنا، حتى في تأسيسي كقاريء منذ الصغر، أصر على أن تكون لي مكتبتي الخاصة،
فعندما بدأ مشروع مكتبة الاسرة عام ١٩٩٤، كنت أقتني من كل كتاب نسختين ؛ نسخة لي وأخرى له.
مضيفا أنه كان ذا شخصية قوية ، فيمكننا أن نطلق عليه " سي السيد"، فكل شيء يطلبه ينفذ والحياة لديه بمواعيد ثابتة، ورغم كل ذلك كان أبا حنونا يحكي عن كل شيء ويمكنه أن يكتب عن أي شيء ، من وجهة نظره الخاصة جدا والحرة جدا.

* طرائف تطابق الاسم:

تطابق الاسم نجم عنه الكثير من الطرائف وربما المشكلات، عن ذلك يحكي لنا " مستجاب" قائلا:
لأن اسمنا واحد فكنت أذهب لتسليم مقالاته وقصصه للمجلات والجرائد وأتسلم النقود نيابة عنه ، بل وكأنني هو .
واستطرد: أول مرة ينشر فيها اسمي في جريدة كُتب على " البروفة الجنرال" "خاص لمحمد الصغير" ،الا أنه تضايق وقال لي: روح غير اسمك، خاصة أن الناس صارت تسأله عن اشياء تخصني وكأنها تخصه .
على سبيل المثال: كانت الرقابة تقرأ سيناريو مسلسل لي وصدر خبر وقتها أن الرقابة تقرأ مسلسل لمستجاب فاتصل الناس به يباركون له، ولم يكن يعرف بأمر ذلك المسلسل مما سبب له حرجا ولامني.

* عاش حياته كما أراد:

وفي رده عن مدى إحساسه بأن الكتابة والابداع ربما أبعداه عنهم كأب ، أجاب مستجاب نافيا الأمر بشدة، مؤكدا : الوحيد الذي لم أشعر

بأنه في عزلة كان ابي، كان يكتب مثلما ومتى وأين يعن له،ورغم ذلك لم نشعر باننا نعيش مع شخص مميز أو مختلف أو منعزل، بل كان يقوم بكافة أدواره في الحياة على أكمل وجه دون أن يجور أحدها على الاخر ، وربما يرجع سبب ذلك الى كونه مؤمنا بذاته ومدركا لقدرها أيما إدراك، ولم يكن مدينا لأحد معنويا أو ماديا، لذا فقد عاش حياته مثلما أراد، فكان حرا قولا وفعلا وابداعا ومبدأً.

* ديمقراطية الحوار:

وعن علاقته بما يبدع ومدى تقبله لابدائه رأيه فيما يكتب ، يقول " مستجاب" :
اعتدت معه على أن أقرأ أي مقال له كنت أقرأ قبل تسليمه للجريدة ، وكنت أناقشه إذا استوقفني شيء، فيشرح لي وجهة نظره حتى أقتنع أو نظل مختلفين.
مضيفا: أما إبداعه الأدبي من قصة او رواية فكان يسافر الى بلدته ديروط بأسيوط يقضي أياما حتى ينتهي منها ويعود.
الا أن معظم المسودات الابداعية قرأتها قبل أن أنسخها له ، وقبل طبعها،بل إن هناك كتبا ككتب المقالات قمنا بتجهيزها اولا، فكنا نقوم بقص المقال من جريدة ونرتبه ونلصقه.

* مازلت أفتقده:

وأخيرا بعد مرور خمسة عشر عاما على وفاته ، يشعر محمد مستجاب الابن بشعور الفقد لأب عاش قريبا من أبنائه حارسا أمينا ومقدرا لهم ، يقول مستجاب عن ذلك:

بداخلي الكثير والكثير لأقوله له ، أفتقده بشدة، لكنني مؤمن بأنه يحيا بيننا، لدي قناعة بأنه يتابع أحوالنا ، حتى أنني كلما ضاقت بي الحياة أسرعت إليه أفضي بما يسكنني، حتى ابنتي عودتها على أنه يحيا بيننا وأن تحادثه بما تشكو منه وكأنه مازال هنا، لأنه بالفعل مازال هاهنا لم يغادرنا لحظة.

* وفي الأفق إصدار جديد :

صمت مستجاب الابن ، لكن مازال صوت يصدح في أذني : من أبدع لا يموت .
لذا وجدتني أسأله عن آخر ما صدر من إبداع مستجاب الأب؛ ففاجأني بصدور الجزء الثالث من أعماله الكاملة عن دار الكرمة،وهي مقالات مجلة العربي ، حيث صدرت في ثلاثة أجزاء،يخرج الجزء الثالث منها الى النور في معرض الكتاب المقبل باذن الله.
مضيفا أنه الان يعمل في تجهيز الجزء الرابع له،وسوف يصدر من دار الشروق تحت عنوان "في مديح الكتابة"،وهي عبارة عن مقالات عن الكتابة واجوائها بعيدا عن الكتابة المترجمة في هذا المجال، فهي مقالات ساخرة وليست خاصة بالكتابة - بالمعني الذي أصبح متداولا في السنوات الاخيرة،لكنها مقالات عن كل ما يخص الكتابة؛ مشكلاتها والعائلة؛ حتى دخان السجائر وحتى نظرات النقاد، وهي كتابة رفيعة جدا ورائقة جدا، وهو مشروع قائم بذاته من أعمال مستجاب، تخطى عدد المقالات به 200 مقال.
انتهى الحوار، لكن مازال الإبداع قائما ، ومازال هناك مشوار لمبدع رحل عنا، لكنه ترك تراثا أدبيا حرا لم يخضع ، كما ترك جزءا منه ؛ ابنا يتنفس إبداعا ، يأبى إلا أن يكمل مشاريع أدبية لأبيه لم تكتمل في حياته.