المثقفون: بعد ثقافة الفساد هل نبدأ ثقافة التخوين؟
اندلعت ثورتنا المجيدة لتحقيق وطن ديمقراطي ينعم بالحرية ولتأسيس الحرية في مجتمعنا العزيز
فيجب أن تسود أولاً حرية الاختلاف أو حق الاختلاف في الفكر أولاً وفي الرأي عامة وفي الاعتقاد بل وفي العمل، ولكي ننجز حق الاختلاف يجب علينا ألا نخون بعضنا البعض وهو ما نسميه ثقافة التخوين والتي تجنح بالمجتمع نحو هاوية الصدام وربما العنف ففي المجتمعات النبيلة لا توجد ثقافة التخوين بل تسود أخلاقيات الصراحة والشقافية وحق الآخر في قول لا طالما لنا الحق في قول نعم يجب علينا أن نحمي مجتمعنا من ثقافة التخوين بدوائها وهي الحقيقة والحرية والعدالة والمساواة.. ولأسباب نشر ثقافة التخوين وعلاجها كان لنا هذا التحقيق مع نخبة من المثقفين والأدباء.
يقول د. سامي سليمان، أستاذ النقد العربي بجامعة القاهرة، إن ثقافة التخوين تنتشر نتيجة لعدد من العوامل منها.. 1 ـ إن وجود ديمقراطية زائفة والنظام الذي يحكم نظام استبدادي مما يجعل أفراد الشعب والمؤسسات المختلفة غير قادرين علي إعلان آرائهم بصراحة، 2 ـ انعدام الشفافية التي تؤدي لانتشار الشائعات غير الصحيحة، 3 ـ ضعف فاعلية المؤسسات الرقابية وعجزها عن القيام بدورها الصحيح، 4 ـ الإحساس العام بضعف دور المؤسسات القضائية وعدم قدرتها علي إلزام السلطة التنفيذية باحترام أحكامها.
أما عن تعريف »ثقافة التخوين« فهي عموماً نوع من التعويض النفسي الشعوري ولا الشعوري من الرغبة في أن ينال كل إنسان ما يستحقه من ثواب أو عقاب أو هي تفريغ شحنات الغضب نتيجة الاستبداد أو الرغبة في تصفية الحسابات.
وعن العلاج يقول سامي سليمان يجب أولاً تنمية القيم الأخلاقية القومية للمواطن حتي نجعله يشعر بقيم »الأمانة« أمانة الكلمة والسلوك والتصرفات.
ثانياً: أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية حاكمة لسلوك المؤسسات وعلاقتها بالشعب.
ثانياً: »شفافية« بحيث تجعل أي مؤسسة في الدولة مجبرة أن تعلن للرأي العام كل تصرفاتها ولاسيما التصرفات المالية.
ثالثاً: أجهزة رقابية تمارس دورها في المتابعة وفي الكشف عن أوجه القصور والانحراف.
رابعاً: سلطة قضائية تفصل في القضايا بمصداقية عالية.
وفي الموضوع ذاته تقول الكاتبة والأديبة أمينة زيدان: لا أحد ينكر بأن الظروف التي أحاطت بثورة 25 يناير قد كانت مليئة بالغموض مما دفع البعض للتشكيك في أفكارهم ومن يقودهم وهذا طبيعي في ثورة أصبح النظام السابق عليها عاجزاً عن اتخاذ أي قرار ومن هنا فإن ثقافة التخوين تنتشر في ظروف تحيطها الغموض والريبة والشك ومنذ سنوات ماضية، بل وحتي هذه اللحظة لا توجد مصارحة حقيقية فالمواطن أصبح يدور في حلقات ليس لها نهاية، بل انتشرت ثقافة التخوين بيننا بالقدر الذي انتشر من خلالها قائمة سوداء مما يقال عنهم بأنهم عملاء للنظام السابق، وأتصور أن في كل الروايات التي ترصد الواقع يكون البطل الثائر الذي ينهض في مجتمعه من أجل التغيير نحو الأفضل عندما يحدث انحراف فإنه عندما يحقق أهدافه فإنه يتوقف ويتجه للإنتاج، ولكن كما تقول أمينة ففي مجتمعنا الذي لم يتدرب علي الديمقراطية صال وجال فيه البعض ونشروا ما يسمي بثقافة التخوين، لكل صاحب رأي أو فكر أو مذهب أو عقيدة مخالفة لمن يقوم بالتخوين فلا يعقل انتشار هذه الثقافة بيننا وخاصة بين السياسيين والمثقفين بالقدر الذي طالب البعض بعدم التعامل مع هؤلاء المثقفين، خاصة ورجال السياسة عامة ممن تعاملوا مع نظام مصر القديم، وطالبت أمينة بالصبر علي السياسي أو المثقف الذي يقود التغيير وبدلاً من تخوينه فعلينا تدعيمه حتي تنير بلادنا بالديمقراطية والحرية.
ويقول د. مجدي عبدالحافظ، أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان: بداية أرفض استخدام مصطلح ثقافة التخوين وذلك لأن في ظل مجتمع يشهد تحولات جذرية مما يؤدي إلي نشر المزيد من الريبة والشك فثقافة التخوين هي في معناه الأولي موقف مضاد ضد مجموعة من الأشخاص أو المبادئ الأساسية فهذه الثقافة ضد مرحلة التطهير
ويقول د. شوقي جلال، المفكر الوطني إن ثقافة التخوين انتشرت لعدم وجود تفكير فعال واضح واقترنت بثقافة التكفير، ففي المجتمعات التي توجد بها مؤسسات وقوانين تحكم عملها آلية واضحة تسمح بالتفاعل والتفكير فيما بين الأفراد وتسمح بالحركة ووجود المتناقضات وحق الاختلاف هناك توجدثقافة التخوين ففي أوروبا في عصورها الوسطي اقترن الرأي بالتكفير والتخوين وكانت أوروبا في عصرها المظلم وسيادة الجهل ومن هنا فالتخوين ينتشر لمصالح خاصة بعيداً عن مصالح المجتمع، وكما كانت في أوروبا قديماً يوجد في عالمنا العربي منذ قرون شيوع ثقافة القبلية فإذا اختلف أحد مع شيخ القبيلة يعتبر هذا خيانة وكفراً وإذا اختلف أحد مع الآخر قطع علاقاته معه واعتبرها علاقة آثمة ومصر جزء من العرب وينتشر بها ثقافة القبيلة فأما الآخر صديق أو عدو، أسود أو أبيض، وهذا ينتشر في سياستنا المصرية بوجه عام، وبالتالي انتشر التخوين وهي الرفض والقطيعة مع الآخر المختلف معي.
ويضيف فالتخوين دواؤه الصراحة في كل شيء والوضوح والمصداقية والشفافية وطالب شوقي بالحوار والتفاوض علي أساس علمي مع وجود رغبة في المجتمع لعزل المخطئ وتقدير المعيب وهذا هو جوهر المجتمع السعيد.