رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معاداة العرب فى الأدب الفارسى سياسية وليست ثقافية

كليلة ودمنة إبداعات
كليلة ودمنة إبداعات فى وجدان المصريين

وسط مشهد الخلافات السياسية واختلاف المذاهب بين مصر وايران يخرج علينا صوت ام كلثوم وهى تشدو بكلمات رباعيات الخيام «سمــعت صـوتا هاتــفا فى السحـــر نادى من الغــــيب غفاة البشر.. هب واملأوا كــأس المــــنى قبل أن تملأ كأس العـــمر كف القدر» للشاعر والعالم الايرانى عمر الخيام، بينما جلس مثقف على هامش المشهد يقرأ رواية كليلة ودمنة المترجمة عن الفارسية البهلوية لتظل الثقافة وما تحويه من أدب فى صورة شعر أو رواية هى رسول السلام الذى يؤلف القلوب، والعمل الصالح الذى يبدل ذنوب السياسة وخطاياها حسنات.

فى ظل التغيرات التى احدثتها ثورة يناير فى العلاقات المصرية الايرانية خاصة بعد وصول الاخوان المسلمين للحكم وما يدور من حديث حول توطيد هذه العلاقات بعد زيارة الرئيس مرسى الأخيرة تظل فكرة حوار الحضارات والدعوة للتواصل والتقارب لا القطيعة والتنافر هى الأهم من الناحية الانسانية بعيدا عن الأهواء والمصالح والأطماع الدنيوية الزائلة، ومن هنا كان الحديث عن الثقافة الايرانية وآدابها هو الأهم.
ومما لا شك فيه أن الترجمة بين اللغات المختلفة أهم وسيلة للمثاقفة بين الأمم والشعوب والتى أصبحت من القضايا التي تشغل بال الكثير من المهتمين بالترجمة لدورها في المثاقفة وتلاقح الأفكار والتلاقي مع الأمم والشعوب الأخرى،كما انها تكشف صورة العرب في الأدب الفارسي المعاصر،وهي قضية جديرة بالبحث والدراسة والتحليل؛ولعل كتاب « معاداة العرب في الأدب الإيراني المعاصر» للباحثة والمستشرقة الأمريكية «جويا بلوندل» نموذجاً جديرا بالمناقشة لأنه أحدث حراكاً ثقافياً في لغات ثلاث هي الانجليزية والفارسية والعربية.
والواقع ان المثاقفة العربية الفارسية ليست مسألة جديدة، بل إنها قديمة وجذورها ضاربة في أعماق التاريخ، والدليل على ذلك الكلمات الفارسية التي تسربت إلى اللغة العربية في هذه المرحلة والتي ورد بعضها في القرآن الكريم؛ بيد أن المثاقفة العربية الفارسية برزت بشكل واضح في مرحلة ما بعد الإسلام، وتجلت في مسائل كثيرة منها الثقافية واللغوية والاجتماعية والدينية وغيرها.
وقد استبدلت الفارسية الحديثة أبجديتها القديمة وأصبحت تستعمل الحروف العربية، ومن هنا أحدثت العربية ثورة في اللغة الفارسية عزّ مثيلها في اللغات الأخرى، ولذلك يمكننا القول إن المثاقفة العربية الفارسية لا مثيل لها في اللغات الأخرى، فقد وصل هذا التثاقف إلى درجة أن الكلمات العربية التي دخلت إلى الفارسية أصبحت تشكل 60% من مفردات اللغة الفارسية، ولا نعرف لغة أخرى استعارت هذا الكم الكبير من الكلمات والمفردات من لغة أخرى مثل اللغة الفارسية التي تأثرت باللغة العربية وآدابها بشكل عميق، حتى أن الشعر الفارسي الذي يشكل كنزاً من كنوز الحضارة الفارسية وتراثاً حضارياً غنياً ولد تحت تأثير الشعر العربي وجاء متأثراً بقوالبه الشعرية ومضامينه وموضوعاته واصطلاحاته المختلفة، ولذلك فإن الشعر الفارسي مدين للشعر العربي باعتراف الأساتذة الإيرانيين والعرب، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة كذلك إلى البلاغة والعروض والقافية التي دخلت إلى اللغة الفارسية وأصبحت تستعمل في هذه اللغة بعد أن استعارتها من اللغة العربية.
و يمكننا القول إن التراث الفارسي وروائع الأدب الفارسي وكنوزه هي التي دونت وكتبت بالفارسية الحديثة أي بالأبجدية العربية في مرحلة ما بعد الإسلام، ولعلنا نذكر هنا أن «شاهنامة» الفردوسي وهي محط اعتزاز كل الإيرانيين وافتخارهم بماضيهم وتراثهم الحضاري وبطولاتهم، وهي التي تحتوي على التاريخ الإيراني
منذ فجر التاريخ وحتى سقوط الإمبراطورية الساسانية على يد العرب المسلمين جاءت ردة فعل على الفتح الإسلامي وكانت ثمرة من ثمار المثاقفة العربية الفارسية، وبعبارة أخرى لولا الفتح الإسلامي لما عمل الفردوسي على نظم شاهنامته، ولما وجدنا اليوم شيئاً باسم الشاهنامة التي تحتوي على ما يزيد على خمسين ألف بيت، على أي حال إن الأدب الفارسي بشقيه الشعر والنثر كان ثمرة من ثمار التفاعل والتثاقف العربي الفارسي.
ولا يفوتنا ان نؤكد أن المثاقفة العربية الفارسية لم تكن من طرف واحد، فقد ساهم الفرس في هذه المثاقفة بدورهم أيضاً، ولقد تجلت هذه المثاقفة المتبادلة بين العربية والفارسية في ميادين كثيرة؛ فقد ظهرت آثارها جلية واضحة منذ عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما استعار المسلمون نظام الديوان من الفرس لتنظيم أمور الدولة، كما كانت اللغة الفارسية في القرن الثاني للهجرة مستعملة في البصرة والكوفة، ومتداولة على الألسنة كما تشهد بذلك الروايات المختلفة وبالإضافة إلى ذلك دخلت بعض المفردات الفارسية

إلى العربية، وألفت كتب في الكلمات الفارسية التى دخلت العربية.
إن عملية المثاقفة هذه التي بدأت مع الفتح الإسلامي لإيران واستمرت عبر العصور بأشكال مختلفة وصور متنوعة كان من أبرزها حركة الترجمة، التي بدأها عبد الله بن المقفع بترجمة كتاب «كليلة ودمنة» إلى اللغة العربية عن اللغة الفارسية البهلوية، وما زالت الترجمة بين العربية والفارسية منذ ذلك اليوم وحتى أيامنا هذه مستمرة ولم تنقطع في عصر من العصور، ولذلك فإن هنالك مئات بل آلاف الكتب التي ترجمت من الفارسية إلى العربية وبالعكس، ومن هنا فإننا ندرك الدور الكبير والمهمة العظيمة التي تقوم بها الترجمة في عملية المثاقفة العربية الفارسية أو في أي لغة أخرى، ومن أجل التأكيد على أصالة الثقافة والتراث الحضاري الفارسي ودور الفرس في الحضارة الإسلامية. وهو ما اشارت اليه دراسة للدكتور بسام ربابعة وهو باحث وأكاديمي أردني يحمل درجة دكتوراة الدولة في اللغة الفارسية.
وإذا كنا نتحدث عن ظاهرة معاداة العرب في الأدب الفارسي المعاصر فيجب علينا أن نضع هذه القضية في إطارها التاريخي؛ فقد بلغت النزعة القومية الإيرانية أوجها فى زمن الشاه محمد رضا بهلوي عندما تعاظم الشعور بالنزعة القومية التي وقعت تحت تأثير النزعة القومية الغربية ولا سيما النازية الألمانية؛ إذ عمل شاه إيران على تغذية الحركة القومية الإيرانية ودعمها بكل أشكال الدعم المادية والمعنوية، ولذلك كانت النزعة القومية التي روج لها النظام الحاكم إحدى الركائز التي انتهجها شاه إيران في استراتيجيات حكمه، ومما يؤسف له حقاً أن بعض الأدباء والمثقفين الإيرانيين قد أغرتهم سياسة الشاه والأموال التي كان يغدقها على من يصغي لأوامره ويبث أفكاره المسمومة، فوقعوا تحت تأثير أفكار الشاه ودعواته إلى تمتين النزعة القومية الإيرانية وتغليب العرق الفارسي على غيره من العرقيات والأقليات الأخرى، لكل هذا عمل هؤلاء الأدباء والمثقفين – تلبية لسياسية الشاه ورغباته- على كتابة آثار أدبية مثلت هذا الاتجاه القومي القائم على مدح العرق الآري الفارسي والطعن في العرق السامي العربي، وكان من ضمن هذه الآثار الرواية والقصة والمسرحية والأشعار الكلاسيكية والحديثة، بالإضافة إلى بعض المقالات والدراسات والكتب الأخرى التي عمدت إلى بث سمومها وتصوير العرب بأبشع الصور وأكثرها تعسفاً واشمئزازاً واستفزازاً، وبناء على هذا فإن النتيجة الواضحة التي يمكن أن يستخلصها المتعمق في هذه المسألة كما يشير «بأربعة» هي أن جذور ظاهرة معاداة العرب في الأدب الفارسي المعاصر كانت قضية سياسية قبل أن تكون قضية ثقافية وتنعكس بهذه الصورة في الأدب الفارسي المعاصر.
أن الأجمل لنا الآن أن نحاول نحن العرب بصفة عامة والمصريين بصفة خاصة - أعني النخبة الثقافية - المشاركة في هذه الظاهرة من حيث دراستها وتحليلها والرد عليها حتى نفند ونبدد الصورة المشوهة التي تكونت في أذهان الآخرين عنا، ولاسيما في أذهان القارئ الإيراني والناطقين بالفارسية.