رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ربع قرن على رحيل "الحكيم"

بوابة الوفد الإلكترونية

قال حماره «من مصلحة الدولة أن تبقى المعارضة قوية.. وهذا هو التوازن.. أن بلداً من غير معارضة قوية هو بلد يحكمه الطغيان».
وقال هو «إن هذا الشعب الذى تحسبه جاهلاً ليعلم أشياء كثيرة، لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله» وقال أيضاً «مصر هى مصر دائما.. قد يحسبها البعض أنها قد نامت.. ولكن روح مصر لا تنام».

هو راهب فى محراب الفكر، هو صاحب بصيرة قادته ليتنبأ بثورة الشباب منذ أكثر من 60 عاماً، هو من رحل منذ ربع قرن ومازال بيننا بكتاباته، هو سلطان الأدب الحائر، هو من عاد إليه الوعى وأعاد الى مصر روحها فنفضت عن نفسها غبار الذل والعبودية وتحررت من الاحتلال بثورة كانت روحه وقودها، هو الأديب العظيم توفيق الحكيم.
لا يحتاج توفيق الحكيم ونحن نحتفل بذكراه الى الحديث عن أعماله أو سرد سيرته الذاتية أو ما حصل عليه من نياشين لأنها محفورة فى ذاكرة التاريخ، ولكن هو يحتاج لكشف المزيد من أسرار ما كتب، وكيف أنه قرأ التاريخ الانسانى جيداً واستوعب دروسه، هو يحتاج لإلقاء الضوء على مقولاته التى جاءت على لسان أبطال رواياته، لكى نحقق له ما كان يقوله عن نفسه «إنه يكتب لكى تعاود الأجيال قراءته فى كل زمان».


ربما لا يعلم كثيرون أن من ضمن مؤلفات توفيق الحكيم كتابا بعنوان «ثورة الشباب» وكأن الحكيم كان يتنبأ فيه بأن شرارة الثورة ستخرج من الشباب، ويقول توفيق الحكيم فى مقدمة هذا الكتاب «كل ثورة دليل حيوية، والشباب هو الجزء الحيوى من الجسم، فلا عجب أن يقوم بالثورة الشباب، والثورة مادامت متصلة بالحيوية فلابد أن تكون منشطة لهذه الحيوية ومجددة لها، وإلا اتخذت اسماً آخر وهو «الهوجة» والفرق بين الثورة والهوجة هو أن الهوجة تقتلع الصالح والطالح معاً، أما الثورة فهى تبقى النافع وتستمد منه القوة، وتقضى فقط على البالى المتهافت المعوق للحيوية، الواقف فى طريق التجديد والتطور».
«لكن الثورة والهوجة تختلطان أحياناً، فالثورة كى تؤكد ذاتها وتثبت أقدامها تلجأ إلى عنف الهوجة لاقتلاع كل ما كان قبلها، وتجعل بداية كل خير بدايتها، وتاريخ كل شىء تاريخها، ولا يتغير هذا الحال إلا عندما تشعر الثورة بصلابة عودها وتوقن أنه قد أصبح لها وجه واضح وشخصية متميزة، عندئذ تنبذ عنها عنصر الهوجة وتعود بكل اطمئنان الى تاريخ الأمة العام لتضع كل قيمة فى مكانها الصحيح، وتضع نفسها فى الحجم المعقول داخل اطار التسلسل الطبيعى لتطور أمة ناهضة».


هكذا تنبأ الحكيم بثورة يناير التى قام بها الشباب، ولكن الأغرب أنه روى تفاصيل مقدمات ثورة يناير وأسبابها وكأنه يتحدث عن نظام مبارك فى رواية «براكسا» فقال الحكيم «ألم تسألوا أنفسكم.. لماذا تثرى هذه العصبة كل هذا الثراء والكثيرون منكم فقراء؟ ألم تسألوا أنفسكم من أين خرجت هذه الأموال الهائلة التى اكتنزها الملك «بلبروس» وحاشيته فى هذا الزمن القصير؟ ألم تفطنوا إلى أنها من دمكم أنتم دون أن تشعروا، لأنهم كانوا مهرة فلم يصخبوا أو يعنفوا، بل وخزوا جلودكم بإبرة ثم جعلوا يمتصون دماءكم فى صمت، الى أن خدروكم ورشوا زعماءكم، وغمروكم فى هذا الخمول الذى تعيشون فيه الآن.. فهل أنتم راضون»
بهذه الكلمات يرسم توفيق الحكيم مشهد المحاكمة لنظام أغرق البلاد فى حياة سياسية راكدة ويتركنا مذهولين أمام تشابه قصته مع ما رأيناه فى شوارع القاهرة فى أيام ثورة يناير، وبالرغم من أن أحداث «براكسا» تدور فى أثينا، حيث استوحى الحكيم فكرتها من النص اليونانى الشهير «مجلس النساء»، الا أن الفصول الأولى تكاد تعكس سخريته من التجربة الليبرالية قبل ثورة يوليو، وضعها الحكيم أمام الرأى العام، ثم قدم رؤية مستقبلية لنظام شمولى جاء بعد الحكم الليبرالي، ثم تلاه نظام ديكتاتورى فاسد لا يتطلع الا الى السلب والنهب، ولا عجب من تشابه قراءته المستقبلية مع كل الأحداث التى توالت بعد نشر تلك المسرحية، فالحكيم قرأ التاريخ الإنسانى بعمق واستوعب دروسه.


وفى روايته الشهيرة «عودة الروح» كتب الحكيم حواراً على لسان أبطال القصة يقال إنه كان سبباً فى قيام ثورة يوليو، وأن عبد الناصر قرأ هذه الرواية جيداً ووضعها نصب عينيه طوال حكمه، وكان الحوار بين مفتش الرى الانجليزى وبين عالم الآثار الفرنسى بعد وليمة طعام التهماها لدى والد «محسن» بطل الرواية وأحد أثرياء الريف المصرى وقتها، وبعد انتهاء الوليمة دار بينهما حوار عن الفلاح المصرى البائس الذى يرونه

أمام أعينهما يتحرك فى حياة بائسة وبدائية شديدة الفقر فماذا قالا:
- يسأل «الفرنسي» الإنجليزى الذى هب للدخول الى الحجرة لينام: إلى أين؟ ألا يؤثر فيك هذا النسيم الرقيق يا «مستر بلاك»؟.. فالتفت إليه الانجليزي، ثم التفت الى النافذة، كأنما يبحث عن هذا النسيم يريد أن يراه بعينيه، وكان الفلاحون عندئذ قد بدأوا ينهضون زرافات ووحداناً، كل يحمل فأسه أو منجله، كى يستأنفوا أعمالهم بالحقول!.. فقال الانجليزى لرفيقه: لا أرى إلا أسراباً من ذوى الجلاليب الزرقاء!.. فنظر الفرنسى الى الفلاحين ثم قال معجباً: ما أجمل ذوقهم.. لون لباسهم كلون سمائهم.. فارتسمت على فم الانجليزى ابتسامة تهكم، وقال: إنك تبالغ إذا تحسب لهؤلاء الجهلاء ذوقاً! فأجاب الأثرى الفرنسى بإيمان وقوة: جهلاء.. إن هؤلاء الجهلاء يا «مستر بلاك» أعلم منا!..
فضحك الانجليزى وقال أيضاً فى تهكم: لأنهم ينامون مع البهائم فى حجرة واحدة!
فأجاب الفرنسى بجد: نعم وبالأخص، لأنهم ينامون مع البهائم فى قاعة واحدة، فالتفت إليه «مستر بلاك» محدقاً مبتسماً: «إنها نكتة ظريفة يا مسيو فوكيه»!
فأجاب الفرنسي: بل حقيقة تجهلها أوروبا للأسف.. نعم إن هذا الشعب الذى تحسبه جاهلاً ليعلم أشياء كثيرة، لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله! إن الحكمة العليا فى دمه ولا يعلم!.. والقوة فى نفسه ولا يعلم!.. هذا شعب قديم: جىء بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة، من تجارب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لا يدري!!
- نعم هو يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة، تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجارب، فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته، هذا ما يفسر لنا - نحن الأوروبيين - تلك اللحظات من التاريخ، التى نرى فيها مصر تطفر طفرة مدهشة فى قليل من الوقت!. وتأتى بأعمال عجاب فى طرفة عين!.. «تأملوا هذا الكلام منذ العشرينيات والثلاثينيات.. قاله توفيق الحكيم على لسان مستشرق فرنسى داخل روايته الخالدة عودة الروح.. قاله وكأنه يعيش لحظة ثورة يناير 2011 ثورة الشعب الذى يختزن تاريخه وحضارته فى قلبه!!
ولنختتم حديثنا عن هذا الحكيم بجوار دار بينه وبين جاره الفصيح حيث قال حمار الحكيم يوماً: متى ينصفنى الزمان فأركب.. فأنا جاهل بسيط أما صاحبى فجاهل مركب.
قال له الحكيم: وما الفرق بين الجاهل البسيط والجاهل المركب؟!
قال الحمار: الجاهل البسيط من يعلم أنه جاهل، أما الجاهل المركب فهو يجهل أنه جاهل!

من أقوال الحكيم:
< ليس="" للنساء="" عمل="" فى="" الحياة="" سوى="" الحب،="" أما="" حياة="" الرجل="" فهى="" حب="" العمل،="" ومن="" هنا="" بدأ="" سوء="">
< لا="" شىء="" يجعلنا="" عظماء="" غير="" ألم="">
< الإنسان="" كائن="" متعادل="" مادياً="" وروحياً،="" وهذا="" سر="">
< إن="" عقل="" المرأة="" إذا="" ذبل="" ومات="" فقد="" ذبل="" عقل="" الأمة="" كلها="">
< الجمال="" هو="" العذر="" الوحيد="" الذى="" يغفر="" للمرأة="" كل="" تفاهتها="">
< الفرق="" بين="" الثورة="" والهوجة="" هو="" أن="" الهوجة="" تقتلع="" الصالح="" والطالح="">
< المصلحة="" الشخصية="" هى="" دائما="" الصخرة="" التى="" تتحطم="" عليها="" أقوى="">