عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعد تدوينة عمر طاهر الآخيرة: أزمة القارئ والكتاب المزور تطفو على السطح من جديد

 أزمة القارئ والكتاب
أزمة القارئ والكتاب المزور تطفو على السطح من جديد

الحق يقال بأن مرحلة جديدة وغير عادية يعيشها الأن سوق تزوير الكتب، وأن الكتاب المزور أصبح يمثل أساساً لبيع الكتاب بعدما كان مجرد هامش للبيع بجانب الكتاب الأصلى، بعدما أصبحت النسخ الأصلية تعود لدور النشر لأن لا شارى لها.

فمنذ سنوات؛ تجاوز  الأمر فكرة تزوير الكتاب بعد صدروه ونجاحه وبيع عدة طبعات منه، بل أصبح المزورون بخبرة من التزوير تجعلهم يقدمون على تزوير الكتاب وطرحه قبل وصول الكتاب الأصلى إلى يد القارئ، وهو ما حدث مثلا منذ  ما يقرب من ثلاث سنوات؛ عندما فوجئ قراء الكاتب الشاب أحمد مراد بطرح النسخ المزورة لروايته "أرض الإله" قبل حتى أن يقيم الكاتب لها حفل توقيعه الأول، وكتب "مراد" وقتها على حسابه الخاص على "الفيسبوك" جملة يقول فيها: "إن القارئ الحقيقى لا يسرق"، وهو ما كتبتُ عنه وقتها تحقيقاً تحت عنوان"تزوير فائق السرعة".

وقضية الكتاب الأصلى والكتاب المزور قضية لم ينته الحديث عنها فى مصر منذ ما يقرب من عشرة أعوام، فى ظل تغيير خارطة الأسعار للأسباب الاقتصادية التى الجميع على علم بها، لكن حالة الجدل حولها هى التى تشتد حيناً وتهدأ آخر، وهى من الشدة الأن ما جعلها حديث الوسط الثقافى كاملاً تقريباً، بما فى ذلك القراء الذين يمثلون الطرف الأهم فى الأزمة؛ الطرف الذى يريد أن يقرأ لكنه محاصر؛ أولاً بأولويات الحياة وارتفاع الأسعار، وثانياُ برغبة ملحة فى القراءة وبأى شكل، ولا ننكر أنها نفس الضغوط التى قد يتعرض لها الكاتب، الذى يريد أن يتكسب من قلمه حتى لا يضطر للبحث عن عمل آخر.

 ولقد بدأ الجدل هذه المرة بعد تدوينة من الكاتب والروائي عمر طاهر، كتبها على صفحته قال فيها:" أرجوك لو أنت خلاص مش قادر تقاوم الكتب المزورة و زبون ثابت و مافيش فايدة .. لما تيجى تبرر ده اختار أى حجة غير إن الكتب الأصلية غالية .. شوف حجة تحافظ على برستيجك، بعيد عن منطق نشالين الاتوبيسات، قول مثلا : أصل الكتب الأصلية مابتوصلش عندنا فى البلد ؟ أصل انا ماعرفش الفرق بين المزور و الأصلى. انا ماعرفش أن المكتبة دى شغالة فى المزور .. نقى حججك مايبقاش خراب ديار و مخ مافرقتش فيه القراية بربع جنيه .. و هتفرق فيه ازاى أصلا صحيح وهى قراية حرام؟.

قوبلت تدوينة" عمر" بسيل من الانتقادات من القراء الذين يعتمدون فى قراءاتهم على النسخ المزورة وصلت للطعن فى منتجه الأدبى، وكذلك واجه "عمر" رأياً مخالفاً لرأيه من عدد من الكتّاب الذين أكدوا  أن كل ما يهمهم فى الأمر هو وصول الكتاب ليد القارئ بأى طريقة، واعتبروا أن ما أطلقه"عمر" يمثل إهانة للفقراء من القراء، وأنه لا يمكن قصر القراءة على مجموعة بعينها تستطيع دفع مبالغ مُبالغ فيها من قبل دور النشر،  وإنه لا يمكن أبدأ بأى حال فصل شراء الكتاب عن الحالة الاقتصادية للقارئ التى نحن جميعاً على دراية بها.

و التدوينة التى جلبت على عمر طاهر كماً غير عادى من الانتقادات، كانت هى ذاتها محل تأييد من آخرين معتبرين أن الكتب المزورة  تمثل ضربة كبيرة للاقتصاد الثقافي وتمنع دور النشر من إنتاج المزيد من الكتب بسبب الخسائر التي تلحق بها جراء النسخ المزورة، وخلق

سوق غير شرعية موازية للسوق الأصلية لصناعة الكتب.

والحقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يغمض عينيه عن الخطر الذى بات يهدد صناعة النشر فى مصر، والتى أصبحت محاصرة بين تزوير الكتب الورقية والقرصنة الإلكترونية، واضطرار بعض دور النشر لغلق أبوابها، والأمر هنا لايقتصر على خراب بيت صاحب الدار، بل على صناعة كاملة، بكل ما تحمله هذه الصناعة الكبيرة من صناعات صغيرة تدخل تحت عباءتها، مثل عمال الطباعة مثلاً.

وبالطبع الأمر يخص بشكل الأكبر دور النشر الكبرى وأسماء الكتاب "البيست سيلر"، فالمزور يختار أهم وأشهر الكتب الحديثة وأكثرها مبيعًا، متخففاً من جميع الأعباء التى تقع على الناشر مثل الضرائب والعمالة وحقوق المؤلف وتصميم الغلاف ونوعية أوراق الطباعة وما إلى ذلك.

ونتيجة لمغالاة بعض الناشرين فى أسعار الكتب، فالمزور يجد سوقا رائجا لدى قراء لا يجدون ثمن شراء الإصدارات الحديثة التى عادة ما تكون أسعارها فلكية مقارنة بالكتب المزورة التى تكون أقل جودة ولكن من خلالها يستطيع القارئ أن يطالع ما يريد دون أن يتكلف مزيدا من الأعباء المالية، فالمزور لا يختار إلا الكتب التى تشهد إقبالا من الجمهور لكتّاب مميزين، وهذه النوعية من الكتب بطبيعتها تكون مكلفة بشكل مغالى فيه نظرًا لأن المؤلف يتقاضى مقابلا مرتفعا للموافقة على نشر كتبه، ويشترط على الناشر تصميم غلافه بشكل مميز، وكذلك يشترط إسناد ذلك إلى مصمم محترف، وطباعته على ورق فاخر، ويختار مخرجًا خاصًا يتناسب مع قيمته الأدبية ويضع لمساته على كتبه بشكل خاص. ولكن كل هذا لا يتعارض مع أن التزوير يظل يمثل ضررا  للكاتب مثل الناشر تماماً، لأنه يتقاضى جزءا من الأرباح يُحرم منها إذا تم تزوير الكتاب، هذه النوعية من الكتب عادة ما تبيع بنسبة توازى أربع طبعات فما فوق، وبالتالى فإن دار النشر الأصلية تبيع الطبعة الأولى بالكاد، وهذه هى الأزمة الحقيقية لأن المزور يجنى أكثر من نصف الأرباح التى يجب أن يتقاضاها الناشر.

ولا أنتظر حلاً للأزمة لا فى وقت قريب ولا بعيد، لأنه ببساطة القارئ يريد أن يقرأ وهذا حقه، والكاتب يريد أن يتكسب من إبداعه وهذا حقه. والمستفيد الوحيد من الكارثة هو المزور نفسه.