عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صور.. روائيون وصحفيون وقراء يروون كواليس القراءة الأولى

حكايات بائع الكتب
حكايات بائع الكتب

مئات من الحكايات دوَّنها أصحابها فى أقل من يومين، وربما لو انتظرنا يومين آخرين صارت حكاويهم آلافاً، لأن عددهم يتجاوز الستة عشر ألفاً. نادٍ للقراء الاحترافيين على إحدى صفحات التواصل الاجتماعى، يديره الصحفى الشاب إسلام وهبان، والذى أطلق عليه دعوة للحكى؛ دعا فيها الأعضاء إلى تدوين حكاياتهم مع بائعى الكتب الأبرز فى حياتهم. قوبلت الدعوة بضجة فرح من القراء، لا توصف ولا تعرف حجمها إلا عندما تقرأ حكاياتهم التى دونوها. والجميل فى الدعوة  أن عدداً من الروائيين والصحافيين وبائعى الكتب أنفسهم، انضموا لهذه الكتيبة من الحكى الجميل؛ ليرووا لنا أيضاً حكاواهم مع بائعى الكتب.

كان من الطبيعى أن يبدأ هذا التحقيق بحكاية كاتبته مع بائع الكتب، الذى ربما كان متواجداً فى كشك أمام مدرستها أو ملاصقاً لسور الجامعة التى تخرجتْ فيها. لكن الحقيقة تقول أننى ليس لدى أى حكايات مع بائع الكتب، وأن الصدفة التى تحدّث عنها الجميع لم تحدث معى يوماً، وأن القدر لم يرسل لى منْ ينظم لى مشروع قراءتى لا الأول ولا الذى يليه؛ لذلك لم أبدأ القراءة بسلاسل الجيب أو رجال المستحيل، ولا أعرف من أخبار "عبير" شيئاً.

ولا أستطيع أن أتوقع إن كان عادياً أو غريباً أن أخبركم بأن حكاية القراءة بدأت معى بملف مذابح البوسنة والهرسك!! في الحقيقة هذا هو ما حدث معى بالضبط، فقد بدأ شغفى بالقراءة فى اليوم الذى وقعت فيه عيناى على مانشيت "مذاح  المسلمين في البوسنة والهرسك" فى جريدة الأهرام، صدمتنى الكارثة، وبدأت أتابعها باهتمام يوماً بيوم من خلال جميع الإصدارات اليومية، والتى كان والدى بحكم عمله معتاداً أن يأتى لنا بها كل يوم. وكانت هوايتى فى القراءة قبل ذلك الوقت تتجه نحو قراءة الصحف القديمة جدًّا، وكانت فكرة قراءة الحدث بعد انتهائه بوقت طويل، ومعرفة كل ردود الفعل التى حدثت بعده، تروق لى بل وتسعدنى، وتشعرنى بأننى أرى حلقات مسلسل تلفزيونى شيقاً مجمعاً دفعة واحدة.

ربما عدم وجود أحد بائعى الكتب فى ذاكرتى هو ما جعلنى أهتم بهذه الدعوة، وأتقفى أثر أصحابها فيما يكتبون عن باعة الكتب، وفى الحقيقة كان الأمر ممتعاً جداً بالنسبة لى، و الحكايات كثيرة وأغلبها جميل، لكن أصغر وألطف الحكايات عن بائع الكتب جاءت فى جملة واحدة، كتبتها إحدى الشابات قائلة:"لقد تزوجته بعدما اختلفنا على خمسة جنيهات".

الشاعر والروائى مختار شحاتة المقيم فى البرازيل، والذى صدرت له عدة إصدارت ما بين الشعر والرواية من بينها" تغريبة بنى صابر" و "عصافرة قبلى"،  تحمس للدعوة و رسم مشهداً سيظل طويلاً فى ذهن كل منْ يقرأه عن حكايته مع بائع الكتب قال فيه:"لا ينس الطفل ذو السنوات الست يد أبيه القابضة على كفه عبر زحمة نهر شارع النبي دانيال، المنحدر مثل النيل من الجنوب إلى الشمال، ودومًا قريبًا من تقاطع الشارع مع آخر -شارع فؤاد- يقف الأب يشتري صحيفة أو جريدة، وقبل أن يرحلا يكون الطفل قد تشبعت رئتاه بتلك الرائحة العجيبة، قبل أن تتحول إلى إدمان مطلق فيما بعد سنوات، يخطو بعيدًا عن ذلك الكشك المحدد، لكنه خطو ليس كسابقه، إذ يؤخر قدما قبل أن يقدم أخرى، فروحه هناك ظلت، ليتحول إلى شبح في يد والده، ينعطفان إلى شرق شارع فؤاد حيث عمل الوالد، يبقى طوال يومه ساهمًا عن كل الموجودات، ويعرف أنه عالق هناك، حيث رصدت وتكدست تلك الكتب، وعلقت برائحتها هذا المربع من الصاج، والمتشابه مع غيره من كل الأكشاك، والمتفرد عنهم بتلك الرائحة، رائحة الكتب وغبار الحروف؛ هكذا الوصف كما تعلمه من صاحب الكشك العجوز. ظل على حاله مرات ومرات قبل أن يستوقف الرجل الأب قبيل مغادرته المعتادة في واحدة من المرات التي صاحبه فيها، أستنى يا حاج سعد، عايز أدى الجدع ده حاجة"، يدنو الرجل بعد أن غطس حرفيًّا بين الكتب، وعاد حاملًا كتابًا صغيرًا، على غلافه اسم مميز "الأمير الصغير" ابتسم وقدمه نحوى وقال:"اقرأ دي، خلصها وأنا أديك واحدة تانية"، كيف جاء العيد على غير موعد؟! من أطلق بلالين الفرح في المكان؟، يا الله، هذا الكتاب لي؟ أنا كل مرة بأحس إنك مشيت مع باباك، بس خيالك هنا بيبص ع الكتب، ومشفتش حد عمري بيبص للكتب باللهفة دي، وتمر السنون، وأذكر "عم سمير" هكذا اسمه إن لم تخني الذاكرة- وكلما أمر بمكتبة، أراه بنفس محبته ونظارته شاخصًا في المكان، حتى أني أقسم أنني في "ريو دي جانيرو" وأمام مكتبة "ماشادو دي أسيس"، وخلف الزجاج كان نفسه يجلس أمام مكتبة قبل أن يبتسم، ويشير نحو ابن صديق رافقني بنفس الكتاب، فابتسمت قبل أن تتبدل الصورة وأكتشف أن عقلي الباطن ركبها على العجوز خلف الزجاج، لم ينته الأمر، إذ لاحظت في شارع "بوليستا" الأشهر في "ساو باولو"، وقريبًا من متحف الفن التشكيلي، وداخل واحد من تلك الأكشاك لمحت طفلا ينظر بنفس الشغف إلى نسخة معدة للأطفال بالبرتغالية للأمير الصغير، تقدمت نحوه، اشتريت النسخة، وكان في بالي أن أقدمها هدية لطفل صديقتي، خطوات قليلة خطوتها بعيدًا عن كشك الكتب، وبلا وعي، التفت للخلف، كان هو بشحمه ولحمه ونظارته يبتسم نفس ابتسامة شارع النبي دانيال. توقفت، أدرت وجهي، عدت إلى الكشك، واستأذنت أم الطفل في تقديم الكتاب هدية إليه، وقبل أن تتدارك الموقف بالرفض أو القبول، كنت أدلف نفق المترو، تملأ أنفي نفس الرائحة من كشك عم سمير، والذي رأيته آخر مرة بصدفة عجيبة في نفس المكان في ٢٠١٢، وعبثا حاولت إنعاش ذاكرته، لكنه نسى اسمي وأبي، ولم يذكر غير طفل منذ سنوات بعيدة كان ينظر بشغف نحو الكتب، لم يره من قبل، يمشي مع أبيه، لكن ظله يبقى طوال اليوم شاخصًا نحو الكتب، رحم الله "عم سمير" ، وأبقى لنا في الروح نفس اللهفة، ولا حرمنا من تلك الرائحة المميزة التي صارت إدماننا الأول" . أما الروائى أدهم العبودى فجاءت حكايته لتقول لنا أن هذا البلد مرت فيه أجيال كان عليها أن تتعلم وحدها كل شيء، فيكتب عن حكايته عن بائع كتبه الأول ويقول؛ "لمّا كنت في الإعدادية كان فيه كشك كتب على أول شارعنا، وكنت لسّه في مرحلة رجل المستحيل وملف المستقبل وما إلى ذلك، وكانت عندي عادة سيئة: بحب أقتني الكتب. مكنتش بكتفي بمجرد القراءة، الكتاب اللي يدخل مكتبتي ميطلعش، وبسبب ضيق الحال وظروف أبويا اللي على قدها، فكنت أحيانًا باستبيح كشك الراجل، باعتبار أن العالم هو الخسران لو أنا مجبتش كتب مش صاحب الكشك. طبعًا كنّا صغيّرين والمفاهيم ملتبسة علينا، وفِي يوم صاحب الكشك شافني بخبي كتاب تحت القميص، مكنتش فاهم الفرق بين السرقة والاستعباط، الراجل مسكني ووضبني، ولأنه كان عارف أبويا فاكتفى بكام صفعة لطيفة، ورغم كده، إداني الكتب اللي عاوزها، بس قالي جملة مقدرش أنساها: اللي بيحب يقرا ويتعلَّم لازم يتعب.. مينفعش تتعلّم سفلقة، وده كان أول درس حقيقي

اتعلمته في عمر القراءة، مينفعش نتعلم ونقرأ سفلقة. وعمومًا دي فرصة لطيفة إن هذه الدعوة أتاحت لي بعض التَطهُّر من آثام الماضي اللئيم".

الصحفي سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة سابقاً، تذكر سيرته الأولى مع بائع الكتب الأهم فى حياته، والذى تعرف عليه حينما كان طالباً فى الجامعة، فكتب؛ "حكايتى الأولى مع بائع الكتب هى حكايتى مع "الكابتن"؛ ذلك كشك في المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة، فبعد مشوار أو اتنين لكشك "الكابتن" بائع الكتب المجاور لمبنى رعاية الشباب، يحفظ الرجل وجهك وملامحك ونوعية الاختيارات التي تفضلها ولا يرهقك في الدفع أو الفصال لأن شعاره "أنت طالب وأهلك بيصرفوا عليك ومن حقك تقرا "أو أنت معيد ولما تقرا أكتر تبقي كويس"، الكابتن كان عنده كتب من دور نشر لبنانية؛ زي الفارابي والآداب وابن خلدون وكتب مهمة وعظيمة، ودايمًا عامل حسابي فيها وشايلها لي.

الدكتورة فاطمة الزهراء بخيت أخصائية تحاليل، وقارئة احترافية بامتياز، تروى حكايتها خفيفة الظل مع بائع الكتب وتقول فيه: "أحكى لكم عن أول بائع كتب فى حياتى وهى حكاية تجعلنى ابتسم رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا:أدين بفضل حبى للقراءة لبيت صحى ثقافيًّا،أم صعيدية حاصلة على الثانوية وأب أزهرى مثقف ترك لنا حرية نوعية القراءة ،فلم يعترض على أى كتاب نقرأه، ولكن لابد أن أعترف بعد كل هذه السنوات بالفضل فى تثقيفنا لأخى الأكبر رغم اختلافنا الشديد فى الأفكار فى الحياة، و"لعم السيد"، والحكاية أننا كنا فى بيت صعيدى، مهما بلغت ثقافته فحركة الفتاة فيه محدودة وغير مسموح لها بالخروج دون أسباب، وكان أخى يكبرنى بخمس سنوات وكان مسموحا له بالنزول طبعا كولد ـ ــ بالإضافة لسنى الصغير أنا وشقيقتى مقارنة بعمره الذى كان يكبرنا بخمس سنوات.المهم أن أخى كان يعرف عطاراً وبائعاً للكتب القديمة اسمه "عم السيد"، وكان عم السيد الكنز الذى اكتشفه أخى، فى البداية كان أخى يشترى من عم السيد مجلات ميكى وسمير وتان تان، فكان يقرأ المجلات ثم ماذا؟ ثم يبيعها لنا بسعر مضاعف عما اشتراه به بعد أن يكون قد فرغ من قراءتها، أما معرفتى بعم السيد فقد كانت عن طريق أنى تتبعته وهو ذاهب وسرت خلفه، وعرفت طريق الدكان وعند عودتى تهت وضعت فى الطريق، لولا أن وجدتنى صديقة لأمى فعادت بى إلى البيت، وطبعاً تعرضت لعقاب محترم، لكن بعدها بدأت أذهب بنفسى خلسة دون وجود"ديلر"بمصروفى الذى أجمعه طوال الأسبوع لعم السيد ليبيع لى الكتب والمجلات القديمة" .

أما القارئة الاحترافية سلمى حسنى فحكايتها هى حكاية رئيس تحرير فى السادسة من العمر وتقول فيها: " بمجرد ما فكرت أكتب عن حكاياتى مع بائعي الكتب والحكايات بتيجى فى دماغى ورجعتنى بالزمن لحد ما كان عندى 6 سنين، وأنا عندى ست سنين كان نفسى قوى، أطلع رئيس تحرير ..مش صحفية لأ.. رئيس تحرير على طول كده، وكان بابا بيجيب لى كتب فلاش وميكى وباسم وعلاء الدين علشان اتمرن على القراية، بس كنت فى الأجازة بجمع ولاد عمى واعملهم صحفيين،  ونفضل ننقى الحلو من هنا على الحلو من هنا، ونكتبه فى كراسة ونحولها كأنها مجلة، ومع الوقت بابا عجبته الفكرة وقرر يصور نسخ من المجلة دى اللى مكتوبة بخط اليد، ويوديها لكشك أم سمير "كشك الجرايد اللى جنب بيتنا " ويخليها توزعها للناس اللى بتيجى تشترى الجرنان ومعاها أطفال ... ودى كانت أول علاقة ليا مع بائعى الكتب".

 وإذا كانت هذه هى حكايات القارئ مع بائع الكتب، فماذا عن حكايات بائع الكتب مع أخيه بائع الكتب!! رفيق نعمان بائع الكتب يقول عن حكايته:"اشتغلت لأول مرة في مجال بيع الكتب من سنتين، كان شغلي أني أقعد اقرأ الكتب أي والله..قولت لبتاع الكتب اللى باشتري منه و اللى اتصاحبت عليه إني سيبت شغلي قالي:"خلاص تعالى اشتغل معايا"..روحت أول يوم شغل قالي "خد كتاب أقعد أقرا فيه" و آخر اليوم أخدت فلوس..تاني يوم نفس الكلام و تالت ورابع يوم..قعدت فترة كدا بعدها قولتله:"أنا عايز أحس إني باعمل حاجة مش باخد فلوس كدا!!" قالي:"خلاص الكتب اللى أنت قرأتها أكيد هاتعرف تتكلم عنها و تبيعها للناس"..ودلوقتي بقى عندي فرش كتب، عمري ما هانسى اللى الراجل دا عمله معايا، كل لما بقابل زبون حابب يقرأ ومش عارف أو مش قادر يأخذ كتب، و افتكر اللى حصل معايا من سنتين مش بتردد إني أسلفه الكتاب يقراه أو أديله الكتاب هدية، بائع الكتب دا بالذات مش بس موسوعة معرفية و على قدر عالٍ من الثقافة ، ده كمان غيّر حياتي كلها".