عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"أشباح بروكسل" تكشف خطايا العرب في أوروبا

محمد بركة
محمد بركة

نستعرض معا في السطور التالية دراسة د.رأفت الخولي، الناقد الأدبي، حول رواية "أشباح بروكسل" للكاتب محمد بركة، والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠١٩، وجاءت دراسة د. رأفت الخولي، تحت عنوان "أشباح بروكسل" تكشف خطايا العرب في أوروبا"، فإلى نص الدراسة: 
 
تنهض رواية "أشباح بروكسل" للكاتب محمد بركة, على علاقة مراسل صحفي مصري موفد إلى  بروكسل, بمصورة صحفية إيطالية, وكيف استغل الراوى تلك الرحلة الطويلة وهذه العلاقة الحميمة, ليعرض لنا فى أناة وصبر طبيعة حياة مملكة البلجيك مقارنة بمصر ودول الشرق الأوسط؛ كيف هم يقدسون الإنسانية, ويمنحون المواطن  حتى لو لم يكن من أهل البلد ، سواء أكان لاجئاً سياسياً أو مهاجراً ، كل وسائل الراحة, ويتابعون ذلك من خلال متخصصين يراجعون كل شيئ أولاً بأول, فيما نحن هنا نترك الإنسانية على حافة الحياة, تعانى شظف العيش وتدهور سبل المعيشة المتخلفة اقتصادياً واجتماعيا وثقافيا.

 

لا ينسي الكاتب فى هذا الخضم الهائج من الحكى اللاهث, أن يُطلعنا على ثقافة الغرب فى كل المناحي, وذلك فى زخم معلوماتى متدفق, يستخلصه من حوار أو مؤتمر أو لقاء للجان حقوق الإنسان, أو حتى فى لقاء ساخن وقوى بينه وبين محبوبته كارلا, ثم ينحو إلى الحديث عن فكرة الإرهاب وفهم الغرب له, وكون الإسلام والإسلاميين متورطين حتى الحلقوم, فيما يسمى بمجموعات قطع الرؤوس فى كل مكان من العالم, من أجل الانتصار لفكرة أن فرض المعتقدات الدينية على الآخرين .

 

وغير ناسٍ أيضا لمنطق صراع الحضارات والأديان, ويتضح ذلك جليا فى استرجاعه بين الحين والآخر طقوساً دينية يمارسها البعض فى الريف المصري لا تتفق مع روح التسامح المعروفة بها المصريون تاريخيا , فيما العالم يتقدم من حولنا بانفتاح جميل, على كل الحضارات والأديان السماوية منها وغير السماوية, ونحن رازحون تحت نير فكر عقيم, يقوم على نبذ الآخر بل وإحراقه إذا لزم الأمر!  كل ذلك الطرح الذى يبدو فى ظاهره معقدا , لكن التناول الهادئ يجعله جزءا أصيلا من بينة النص و ليس مقحما عليها.


يمضى الراوي على مدار صفحات الرواية محللاً لشخصية البطلة  كارلا تحليلاً دقيقاً ومرتباً, شاء بحرفية ألا يكدسه فى موضع واحد, ولكن فرَّقه بإتقان بين صفحات الرواية, فتارة يصفها من الخارج وصفاً تفصيليا لجمال وجهها وعينيعا وباقى تفاصيلها, وتارة يصفها من الداخل كأنه يفصصها. الأمر الذى يشير إلى مدى حبه لها وارتباطه بها ارتباطا قلبيا وعقليا وروحياً, لم تكن العلاقة الجنسية  سوى  الخيط الذي يمتد لربط ما بينهما. 

 

كان الجنس بمثابة  الروح, لذا فهى لم تنس حين عادت إليه, أن تعلن عدم قدرتها على استكمال الحياة بدونه, وهو الذى خلصها من فكرة إدمان نفس الجنس, ونقلها ، ربما دون أن يقصد ، إلى سلوك المُحبة الفطرى فى علاقة حميمة ودافئة  بين رجل وامرأة.  ولا ينس الكاتب أن يؤكد على أنها قد أحبت تلك العلاقة الفطرية السليمة, حتى أصبحت بالنسبة لها كل شيئ, وأنها قد هددته بأنه فى حالة تركه لها, سوف تعود إلى إدمان السحاق كوسيلة لمنعه من البعد عنها.

 
ونشير هنا إلى هذا  الكم الكبير من المعلوماتية حول طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في للمهاجرين العرب ببروكسيل, مع السياحة في المكان وفى قلوب السكان. ومثال ذلك إدانة سلوكيات التحايل على القانون من جانب بعض الجاليات العربية : يُخرج الوالدان العربيان  ابنهما الشاب من حياتهما لمسكن جديد, حتى يتمكن من الحصول على إعانة بطالة, مُبلغاً عن عنوان شقته الجديدة, ثم يعود للأسرة الأصلية التى زاد دخلها بفعل هذا التصرف, وهى بدورها تؤجر المسكن لشخص آخر على ألا يطلب إعانة بطالة لنفسه من خلال العنوان, مقابل أن يكون الإيجار أقل ـ

 

ومثال آخر: يتطلق الزوجان صورياً ليحصل كل منهما على الإعانة, ثم يعودان

إلى حياتهما مع الاحتفاظ بالشكل الصورى للطلاق أمام الحكومة, من أجل الاحتفاظ بالإعانة ـ مع أن الحكومة ليست غافلة إلا أن  الموظفين البيروقراطيين لا يعنيهم شيئ إلا أن تكون المستندات سليمة.


وينبغي الإشارة إلى رشاقة الأسلوب وجمال التشبيهات, الذَين يضيفان إلى البنية اللغوية للرواية روعة تجذب المتلقي .  يقول المؤلف . "إن عشرات النساء بمقدورهن أن يلفتن ـ بدرجة أو بأخرى ـ  انتباهنا يومياً، لكنها مرة واحدة بالعمر، تلك التي نقابل فيها أنثى نتمنى بحرقة أن تكون لنا لليلة أو لساعة أو للحظات، ليس اشتهاءً ضارياً أو سقوطاً من النظرة الأولى في بحر العسل، بل امتثالاً لسطوة هاتف يخبرنا أنه إذا لم يحدث هذا الآن، فلن تروينا أنوثة الدنيا بعد ذلك".


ويقول أيضا :  "...والسماء قبة رمادية تشعرك أنك نبات في صوبة زراعية سقطت سهواً من ذاكرة الشمس . لا هطول سريع ، بل رذاذ متقطع طويل لا يريد أن ينتهي. قطرات صغيرة تلتهم ملابسك وكأنها طفيليات غير مرئية وخربشات تعلق بعدسات نظارتك فتمنع عنها القدرة على كشف الأشياء بوضوح" .


لا يترك الكاتب موقفاً أو حواراً دون أن يستدعى من الذاكرة موقفاً مشابهاً أو قريب الشبه به يحدث فى مصر, مع ترك القارئ ليستنتج الفارق, ومثال ذلك موقفه من الضابطة التى حضرت إلى مسكنه لتطمئن عليه, حيث جرت فى ذهنه بعد الحوار معها وأثناءه عملية فلاش باك لموقف مشابه يحدث فى مصر لطلبة الثانوية العامة, الذين فشلوا فى الالتحاق بكلية الشرطة فتقدموا لمعهد الأمناء الذى لا تزيد فيه الدراسة عن عامين, بدعوى إن لم تتمكن من أن تكون ضابطا فلا أقل من أن تكون مساعد ضابط.


وتنتهى الرواية بحبكة ولا أروع, يطرح فيها الكاتب فكرة أن المرأة هى المرأة فى أى مكان من العالم, حتى وإن كانت فرنسية أو بلجيكية من أصول مغربية, فالغيرة هى هى والصراع بينها وبين امرأة أخرى من أجل رجل, قد يودى بالتى فشلت فى النهاية إلى تدمير كل شيئ, حتى وإن كان الرجل المعشوق نفسه موضع الغيرة والصراع, فإنه هالك لا محال.

 

وفى المجمل أرى أن الرواية شيقة وبديعة, تتعرض لسلسلة من القضايا مثل الفروق بين الشرق والغرب على المستوى الإنسانى, مفهوم الإرهاب من منظور الغربيين, حقوق الإنسان ومدى تفعيل دور مسئوليه, قضايا اللجوء السياسيى وأسبابها وطريقة التعامل معها, السلوكيات الجنسية غير السوية عند النساء, وكيف يكون الحب علاجا تقويمياً لها, وكثير من الأمور التى لا يتسع لها المقام هنا.