رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سيد النقشبندي.. صوت التحدي

سيد النقشبندي
سيد النقشبندي

بقلم- معتز محسن عزت
في العاشر من رمضان تتجلى لأذهاننا ذكرى أعظم اللحظات في تاريخنا الحديث و هي حرب العاشر من رمضان في العام 1393 ه ، الموافق السادس من أكتوبر في العام 1973 م و التي تزامنت مع هذا الشهر المبارك عنوان اللحظات الفاصلة في تاريخ الأمة عبر الجمع بين العلم و الإيمان بالأخذ بالأسباب للوصول للهدف المنشود.


من نفحات هذا الشهر الفضيل و أوقات الحنين مع تلك اللحظة الفارقة صوت من الأصوات الراسخة كجدار شامخ في سجلات الخلود حيث النورانية و القوة المعلنة عن التحدي مهمًا كانت الظروف و الصعاب ما دامت القلوب عامرة بالإيمان لإستعادة التوازن المفقود .. إنه صوت الأرغول الملائكي سيد النقشبندي أمير الإنشاد و التواشيح الدينية.


كلما توقفنا أمام تلك الظاهرة الصوتية زادت حيرتنا في استكشاف ملامح النبرة الفولاذية التي لازالت تحلق في الأفق حتى و هو جسد مسجى يذكرنا على مدار العام برمضان من خلال إبتهالاته التي رسخت لهذا الفن في فترة كاد أن ينقرض في الستينات و السبعينات وقت وفاة الشيخ كامل يوسف البهتيمي و الشيخ طه الفشني إلا أن من يملك هذا الصوت الثائر لابد له من البزوغ كفجر لا ينقشع أبدًا لنورانية إيمانه المنبعث من حنجرته الذهبية.


جاور الشيخ النقشبندي مسجد السيد الأحمد البدوي بطنطا مستعينًا بنفحات ذلك المكان العامر بفيوضات سبوحية ترسخ القلب على الإيمان العامر وقت إستقراره هناك في العام 1955 مجسدًا روحانية طنطا بشدوه الجاري كالنهر الخالد.


يطير الصوت كالطير السابح في السماوات بحثًا عن ركن يزيد من نورانية الحياة بإستقراره بجوار مسجد سيدنا الحسين بالقاهرة العامرة ليكون لذلك المكان نقطة تحول كبرى في نقله من بوتقة الهواة إلى بوتقة المخضرمين بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شدوًا و ترنمًا ، ليكون على موعد مع المجد بلقائه بالإعلامي الكبير أحمد فراج الكشاف المنير للقامات الروحانية حيث إكتشاف إمام الدعاة الشيخ الشعراوي و أمير الإنشاد النقشبندي.


عانق الناس بأذانهم صوت النقشبندي عبر برنامج (في رحاب الله) و عبر برنامج (دعاء) عقب صلاة المغرب يوميًا كنوع من التنقية للأسماع من شوائب الدنيا كي تستعيد نقاءها المفقود من تلاحمات الأيام المتناقضة و كأنه يستعد حسب تدابير الأيام للحدث الأكبر كنقطة إعتراض على تقبل الأحزان و الإنكسارات.


في يوم الخامس من يونيه من العام 1967 كانت الحسرة الدامية التي أصابت القلوب بتلقي نبأ الهزيمة الغير متوقعة في حرب الأيام الست و التي غيرت من خارطة الحياة المصرية شيئًا ما لتعلق الجميع بالنصر المؤكد الذي تحول في لحظة فورية إلى ملحمة دامية من البكاء و السواد وقت لحظة التنحي لقائد الأمة في يوم التاسع من يونيه ليكون القرار حتميًا من الشعب ببقاءه للخروج من الأزمة.


جاء الدور على التاريخ بإختيار الشيخ النقسبندي ترسًا فعالاً من تروس الرفض للنكبة عبر صوته الشجي الصافي الذي تحول في لحظات الحسرة إلى حنجرة متمردة تطالب بالتحدي و المقاومة لكي تتحول الدموع إلى صيحات صامدة قائلاً بملء صوته:


مصر الكنانة ما هانت على أحد الله يحرسها عطفًا ويرعاها
ندعوك يارب أن تحمي مرابعها فالشمس عين لها والليل نجواها
والسنبلات تصلي فى مزارعها والعطر تسبيحها والقلب مرعاها


تزامن هذا الابتهال مع تحفتي عمالقة الغناء و الطرب أم كلثوم بقصيدة (إبق فأنت حبيب الشعب دم للشعب) من كلمات صالح جودت و لحن السنباطي ، و

محمد عبد الوهاب برائعته (حي على الفلاح) كلمات و توزيع الرحبانية و كأنهم صك الرفض الوطني للهزيمة عبر تلاحم الفن بجناحي الطرب و التسابيح النورانية دون وجود أي غضاضة في الجمع بينهما لمناشدة الفن الصادق للقيم الإنسانية و الوطنية و الروحية.


هنا يرتبط اسم النقشبندي بلحظات التحدي وقت حروب الإستنزاف المكون الرئيسي و محطة الإعداد لحرب أكتوبر حيث تابع الجميع تلك اللحظات وقت الإنتظار ما بين اليأس و الرجاء ليكون الشيخ مشاطرًا لتلك اللحظات مترنمًا بإبتهالات رائعة أرادت أن تبشر الجميع باقتراب اللحظة الحاسمة حتى و هي في مراحل المخاض العسير وقت إجتماعه باللحن الشجي بليغ حمدي في أجمل إبتهالات لازلنا نرددها حتى الآن لذكاء إستيعاب الموسيقار الكبير للحنجرة الإستثنائية وقت إنتظار الأمل.


جاء اللقاء الهرمي بين القمتين عبر الرئيس السادات بعد إلحاح لإنشاد النقشبندي بألحان بليغ وقت تخوفه من الإنشاد بفرقة موسيقية ليكسر بليغ هذا التخوف بنغمات تلامس نورانية الصوت البديع بإبتهال (مولاي) و كأنهما يبتهلان بصدق و خشوع لعبور المشكلة و الألم.


توالت الأعمال بين القمتين في لحظات الترقب المعلقة بين حدوث الحرب أو عكس ذلك لتتناثر حبات السبحة الإنشادية بروائع تطالب الجميع بالصبر و الجلد للوصول للنصر المنتظر باستعادة لحظات الإسلام الفارقة في تاريخه المجيد بلوحات إنشادية تُجري الدماء في العروق و هي:
أخوة الحق – يا ليلة في الدهر – ربنا ربنا – أقول أمتي – أشرق المعصوم – يا دار الأرقم – أي سلوى و عزاء – حمدًا لك اللهم حمدًا – ما أعظم الذكرى – أيها الساهر – عليك سلام الله.


اجتمعت نبرة التحدي صوتًا و لحنًا كتهيئة كبرى للنصر المنتظر مخففين عن القلوب مرارة الأحزان و أوقات الإنكسارات إلى أن جاء النصر الذي بشر بتلابيبه ليكون الملهم الرئيسي لبليغ بنشيده الخالد وقت الحسم (بسم الله الله أكبر) مستلهمًا من المعبن النقشبندي ما يخدم السليقة اللحنية في الإحتفال بهذا الحدث العظيم عبر التحدي و الإصرار بالرفض العملي للهزيمة النكراء.


أكد النقشبندي بتلك الرحلة الصافية مدى تمرد صوته للهزيمة ليكون مُلهمًا و مصدرًا لرفض اليأس و القنوط و الذي تأكد عبر كلمات د/ مصطفى محمود: إنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد.