عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دموع الجيوكندا..مشاعر إنسانية ووطنية في رواية

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

لمست خلال سرد الاحداث صدقا فنيا وصدقا واقعيا ومشاعر انسانية تذيب القلب ، فقد أخرجت الكاتبة نادية شكري الرواية من ادب السجون المغرق في الواقعية والتفاصيل لتنقلنا إلى قصة حب تمس القلب ، اختلط فيها الحس الانساني مع المشاعر الوطنية ... تبدأ بسمة حكايتها في مكان حالم تسرح فيه بخيالها بينما الاخر نبيل يرقد بجوارها غير آبه بها ولا برغباتها ، تحاول معه مسايرة جوارحها فلا تجد أي استجابة ، لم يكن الخذلان الأول بعد سنوات وذكريات مع من احبته بعمق ، وتتداعي ذكري الحب والاخفاق أما مخيلتها وتنقلها إلينا ، كيف بات وكيف أصبحت منذ عام 1972 وحتى الآن وهي تطرح سؤالا عن طبيعة الحب وهل تتغير نظرة المحب مع الوقت فلا يرى في البداية إلا ما يريد أن يصدقه ويأمله فيمن يحب ، جمعتهم مظاهرات الطلبة حصار الأمن ثم تجربة سجن القناطر دون اتهام أو تحقيق وفي السجن  تسأل بسمة في دهشة : كيف لهؤلاء أن ينزعوا عن النزلاء أرواحهم ، كيف ينزعون عنهم أحلامهم فلا يبقي لهم إلا المهانة ! وتتبادل باسمة مع حبيبها الرسائل ، تنقل إليه أشواقها وتكتب له الأشعار ، وتتحقق لحظة اللقاء بعد العفو عن جميع الطلاب والمعتقلين السياسين، لكنها تفاجأ بغياب نبيل ، كل ما عرفته عنه انه عمل في مجلة وبعدها غادر البلاد بلا مقدمات لتقع في حيرة ، تساءلت عن الحب الذي كان والرسائل والشعر والشعراء ! وبعد ثلاث سنوات يعود نبيل مع سامح خال بسمة الذي يتزوج من امريكية وينشا مركزا لحقوق الانسان ، تتزوج بسمة من نبيل وتحمل منه ، ويمر الوقت رتيبا ونبيل منصرفا عنها تماما حتى تحدث المفاجاة بينما تعبث في مظروف رسائله القديمة وبجوار المظروف ورقة كتب فيها : ذكرى ايام الجاهلية " دون فيها عبارات ندم على ما مر به من عمر مع بسمة ، وآن له اليوم ان يختار بملء ارادته وانه لولا خالها سامح لما ارتبط بها ، فهو صاحب فضل يشكر عليه " فهو اول من عرفت الحب معه والزواج والحمل ، بسمة لم تعرف الحرمان كما عرفه ووجدت من يقف بجوارها ، اصيبت بالصدمة ولم يكن امامها الا ان تغادر وهي تستعيد قراءة عبارة بول اوستن " " لا شيء يبقي سوى الاحلام نملأ بها فراغات حياتنا بعد اخفاق " ومازالت الاسئلة تدق رأسها بعنف غير مصدقة " كيف نستمتع بانفعالاتنا وسط كل هذا التشوش والاحساس الدائم بالفقد حين نري الهم العام يتفوق على الهم الخاص ويتسيد المشاعر ويدعو للبكاء ، وهل يمكن للمشاعر ان تخمد وتترسب ! لقد تغير كل شيء وتخلى كل عن فكرته التي سجن من اجلها ، سامح ونبيل ....حتى صديقتها وفاء تزوجت من ثري عربي وتعامل الجميع مع واقع البيزنس والانفتاح .. وتنتهي الرواية برسالة محملة بالالم تقول الكاتبة " لم يتبق منك شيئا أحزن لفقده بعد أن استأجرك المنصب وحب التملك ، يملؤني الرثاء كلما لمحت جفاف مشاعرك .....تمنيتك وكأنك آخر الأشياء الجميلة والأحلام والاشواق ونبوءات المستقبل ، من الصعب ان يبقي الانسان اسير زمن مهين ، أسير صور وذكريات وحنين زائف فمن الصعب أن أبقي ..
تغلق بسمة الخطاب وتتركه على المكتب وهي علي يقين ان الجنين داخلها قد مات .
استطاعت الكاتبة أن تنقل إلينا تجربة انسانية بلغة عذبة آسرة وأن تعبر

بصدق عن مشاعر الانثى ورغبتها المشروعة في سهولة ويسر دون تكلف أو جرأة .
تتماس الرواية مع أدب السجون قرباً وبعداً فلم تؤثر تجربة السجن في حياة بسمة لقصر مدتها ولم تكن الموضوع الرئيسي للرواية وانما جاءت كظرف عام مرت به البلاد في تلك الآونة وظرف خاص التقت فيه بسمة بنبيل لتستمر الأحداث سنوات وسنوات ... ..ما بين كل فصل وآخر بدأت الكاتبة بكلمة " يا الله " وكأنها تسترجع ما مر بها من احداث غير مصدقة ، تكتب الكلمة محاطة بتل من الدهشة كشفت عنه الاحداث وقد نجحت في شد انتباه القاريء ولها اسلوب رائع في السرد فالكلمات محكمة والجمل طويلة دون خلل تأخذك من نفسك وتطوف لتسأل معها عن معنى الأشياء وحكمتها   .
أثارت الكاتبة سؤالا عن الحب وهل يمكن للمشاعر ان تتغير بمرور الوقت ؟ ومن خلال قراءتي للرواية لمحت صورة نقية عن الحب وكأنه قبس من نور يخترق قلوبنا  فننقاد له ونسلم للحبيب قيادنا ، لا يخضع لظروف البشر المادية والنفسية والاجتماعية والحقيقة غير ذلك فالحب هزة في القلب جارحة اصابت بسمة وهيام حلقت فيه بروحها الي السماوات العلا فما عادت ترى الا وجه نبيل في ظروف ورؤية مختلفة تمام الاختلاف ، رأي نبيل في بسمة الطبقة الراقية التي يتطلع لأن يكون واحد منها ....رأي فيها الحلم الثوري المشترك ومثله الذي يتطلع اليه في تلك تك الفترة من حياته وقد وحدت تجربة السجن بين مشاعرهم ولقد رات فيه بسمة ما رأت من انسان مكافح ثوري مناضل حالم  بحرية وطنه فلما تغيرت الظروف وتغير معها الخال سامح وصديقتها وفاء وتغيرت الظروف السياسية ايضا وتزوجت من سامح فلم تعد تمثل له شيء الا ذكري ايام الجاهلية ، لقد تغير تماما بعد ان احب حب مشروط مقترن بالظروف وها هي الظروف قد تغيرت فتغير معها ، لقد تغيرت بسمة أيضا ً،  تغير المغدور به ، المخدوع من أقرب الناس إليه وفي قلبها ظلال حب من الماضي تراوحها بين الحين والآخر ...
في الحقيقة ...لا توجد مساواة في الحب وندّية بل طرفان يستغرق كلاهما الآخر دون حساب للزمن أو تقطير في العواطف أو افراط ، فالمشاعر لا تقاس بالسنين وإنما تقاس بالعمق ومدى الايثار .