رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

في ختام جلسات المؤتمر الدولي "ثورة 1919 بعد مئة عام".. نقاش حول الفن والثورة

بوابة الوفد الإلكترونية

انتهت، أمس الاثنين، الجلسة الرابعة (ب)، وذلك فى مختتم فعاليات المؤتمر الدولى: "ثورة 1919 بعد مئة عام"، الذى أطلقه المجلس الأعلى للثقافة صباح، أول أمس السبت، بأمانة الدكتور سعيد المصرى، بمناسبة مرور مئة عام على قيام ثورة 1919، وترأس الجلسة وتحدث فيها الدكتور كمال مغيث، كما شارك فيها كل من: الدكتور أحمد يوسف، والدكتورة إيمان مهران.
تحدث فى البداية الدكتور أحمد يوسف محمد الذى أكد فى ورقته البحثية، وعنوانها: "الغناء وقود الثورة"، أن نجاح الثورات والحركات السياسية الحديثة بمصر، كانت مرتبطة بكم الأغانى الوطنية التي تؤازرها وتؤيدها؛ وهو ما افتقدته ثورة عرابى فيما بين عامى 1881 و1882 التى كان من أهم أسباب إخفاقها قلة دعمها بالغناء الوطنى المواكب لها، وفى حين أن ثورة 1919 أصابت النجاح المذهل، لوقوف ألحان خالد الذكر "سيد درويش"، وكذلك فنانين مصر العظام إلى جوارها ( الريحانى، زكريا أحمد، حسن فايق، منيرة المهدية، ومن الشعراء: بديع خيرى، ومحمود أبو الوفا، وغيرهم)، إذ كانت الأغنية الوطنية قبل ثورة 1919 بعيدة عن قضايا الوطن بمعناه الحقيقى والمتمحورة حول حمل ما تعنيه معانى الإنسانية؛ فكانت قاصرة على مدح الحكام دون التطرق إلى الشأن العام، إلى أن ظهر الموسيقار الخالد سيد درويش الذى نقلها إلى أفضل مكانة؛ حيث أحال دورها من مدح بغيض ورخيص للحكام إلى شأن أعظم قدرا، فجعل الأغنية رادعا لظلم الحاكم دون أى تضرع له، وفى ذات الوقت تلهم الشعب ولا تهمله وتشاركه همومه ومشكلاته وقضاياه، فوقفت تلك الأغنيات إلى جوار ثورة 1919، فكانت وقودا وقيادة لتلك الثورة، وسببا مباشرا لأن تنجح ولا تجنح، وكانت الأغنية الوطنية إبان حرب 1919 تحارب على ثلاث جبهات، وهم: النصر والحكومة والاحتلال، ولم يكن فنا مدفوعا أو موجها من الحاكم، بل خرج بشكل تلقائى من الفنانين، فكان حب الوطن دافعهم الأول، وتابع موضحا أن هذا ما أسفر عن تكثيف مطاردات أولى الأمر، ووصل الأمر إلى توقف مصدر دخل الفنان الوحيد وإغلاق دور عروض الموسيقى والمسارح، تضحية للوطن وايمانا بما يسعى له الزعيم الخالد "سعد زغلول" ورفاقه، فوقفوا إلى جوار الثورة بمراحلها كافة، لذا فإنه بات واضحا أن ثورة 1919 تدين بشكل كبير للأغنية الوطنية، وفى مختتم كلمته قام بعزف عدة ألحان تاريخية على العود، مما شدى به كبار المطربين مطلع القرن العشرين ولحنه كبار رائدى التلحين، وتحديدا تعود لحقبة ثورة 1919، وكذلك استعان بعرض هذه الألحان على أسماع الحضور، وأنهى مشاركته مؤكدا أهمية دور الأغنية؛ فهى الثورة والروح معا، وأشار إلى أن الكلمة المغنّاة والمعانى السامية الرفيعة، ذهبت بالفن عموما من مخاطبة الغرائز لأن تتحول إلى السمو بمعانى الإنسانية.
ثم تحدثت الدكتورة إيمان عامر حول مضمون ورقتها البحثية التى حملت عنوان: "المرأة المصرية ثورة 1919: حق تقرير المصير"؛ حيث أشارت إلى أن حلم تمثيل مصر بوفد شعبى فى المؤتمر أوجد حركة شعبية وطنية تمثلت فى جمع التوكيلات للوفد المصرى، وعاش المصريون فى تلك الآونة منتظرين تحقيق حلمهم بين اليأس والرجاء، مما أسهم فى استقرار فكرة الثورة فى نفوس المصريين، خاصة بعد القبض على سعد ورفاقه ونفيهم فى الثامن من مارس عام 1919، وهو ما سبب الشرارة الأولى التى أشعلت نيران الثورة، ثم تابعت موضحة أن أهم مظاهر هذه الثورة ونتائجها تمثل فى خروج المرأة المصرية للمشاركة فى الحمل الوطنى الثورى، كما ذكرت هدى شعراوى فى مذكراتها: كانت أول مظاهرة نسائية يوم السادس عشر من مارس، وشاركت فيها قرابة ثلاثمائة سيدة، وكان أول تنظيم سياسى نسائى فى تاريخ مصر من خلال لجنة الوفد النسائية، ثم الاتحاد النسائى المصرى، ودخلت الحركة النسائية التى كانت بداياتها قبل الثورة إلى منعطف تاريخى، فتجاوزت مرحلة المطالب النسوية إلى المطالب الثورية، فتسببت هذه المشاركة فى تحرّر المرأة المصرية من قيود الرجعية والتخلف.
عقب هذا جاءت كلمة الدكتور كمال مغيث الذى تحدث فيما تمحورت حوله ورقته البحثية التى حملت عنوان: "ثورة 1919 وسيد درويش وتأسيس الغناء المصرى الحديث"، وبدأ كلمته بالتأكيد أن الموسيقى والغناء جزء أصيل من حياة المصريين؛ فمند فجر الحضارة المصرية القديمة وتزخر جدران المقابر والمعابد بمناظر فرق الغناء والحرف والرقص، واستقر هذا التراث الفنى فى قداسات الكنائس وترانيمها، وانتقل بعد ذلك لتلاوة القرآن الكريم والإنشاد الدينى، فضلا عن استمرارها فى مواويل الصعيد والدلتا الحمراء والخضراء، وأغانى المناسبات الاجتماعية المختلفة، وزمن محمد على ((1848 : 1805 بدأت الموسيقى الحديثة بإنشاء مدرسة الموسيقى عام 1824، لتخريج العازفين وفرق الموسيقى العسكرية المصاحبة للجيوش، ولكن سرعان ما سُرحت الفرق الموسيقية، بعد أن تخرج فيها عدد من الموسيقيين المهرة الذين تتلمذ على أيديهم الرعيل الأول من الملحنين والمغنين المصريين، ومنهم: عبدالرحيم المسلوب، ويوسف المنيلاوى، وخليل محرم، ومحمد الشلشلمونى، ودرويش الحريرى، ومحمد عثمان، وسلامة حجازى، وعلى القصبجى، وعبده الحامولى، ومن النساء ألمظ، وساكنة هانم، وهؤلاء الفنانون هم الذين مهدوا للمدرسة الوطنية فى الغناء والموسيقى، ومع

هذا كاد أن ينصرم من القرن العشرين خماسيته الأولى دون أن يعرف هؤلاء الفنانون العظام الأغنية بمعناها وموضوعها الذى عرفناه فيما بعد، وإنما كانت معظمها أدوار وموشحات ينتمى بعضها إلى العصور الوسطى، وبعضها مما ألفه ولحنه هؤلاء الرواد، (كدور أصل الغرام نظرة، وقد ما حبك زعلان منك لمحمد عثمان)، و(دور الله يصون دولة حسنك للحامولى)، ولم تكن أغراض هذا النوع من الغناء تتجاوز الغزل والوصف العفيف للمحبوب - الذى كان كثيرا ما يوضع فى صيغة المذكر - فضلا عن الشكوى من صد الحبيب وهجرانه، ولقد أدى غياب مفهوم ومعنى الملكية الفكرية، وعدم وجود آلات التسجيل على أن تسرى تلك الأدوار والموشحات عبر الأثير يتلقَّفها كل مودٍّ ومطرب وفنان تبعا لمهارته وقدرته.
ثم تابع مدير الجلسة موضحا أنه مع نهاية العقد الثانى من القرن التاسع عشر ومع ثورة 1919، تأهبت مصر لمجتمع جديد وثقافة حديثة ونظام سياسى حديث، فكان لا بد أن يواكبها "غناء حديث"، وضعت الأقدار تأسيسه وبلورته على عاتق الفنان العبقرى سيد درويش (1923 - 1892) الذى عاش صدر شبابه وهو يؤدى الأدوار والموشحات التقليدية التى سبقت الإشارة إليها، ولكن الثورة أشعلت طموح المصريين وتضحياتهم لمواجهة الاستعمار، وبعث تاريخهم المجيد وبناء دولتهم الحديثة، والسعى لإرساء قيم المواطنة والعدل والحرية، ومثَّلت هذه الأغراض التاريخية الطاقة التى ألهمت سيد درويش موضوعات أغانيه الحديثة، فراح يرسى دعائم الغناء ويبتدع القوالب الموسيقية، وأصبح الوطن وأحلامه وناسه هو الموضوع الأول فى أوبريتاته ومسرحياته؛ فهو يغنى لزعيم الثورة مصرنا وطنًّا سعدها أملنا كلنا جميعًّا للوطن ضحية، ويا بلح زغلول، ويغنى للوطن: سالمة يا سلامة روحنا وجينا بالسلامة، وللتاريخ يغنى: أنا المصرى كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرامين، وكذلك قوم يا مصرى، ويغنى لنهضة المرأة: بنت البلد يا ولد ما أحلى قيافتها، وأيضا دا وقتك دا يومك يا بنت اليوم، ويغنى للمواطنة: إيه نصارى ومسلمين قال إيه ويهود دى العبارة أصل واحد مالجدود، وفى العربجية غيرش اللى كان هالك أبداننا، ومطلَّع النجيل على عينَّا إن محمد يكره حنَّا، كما غنى سيد درويش لوحدة مصر والسودان، مستخدمًا الإيقاع الأفريقى: فوقانى يروح فى داهية لو كان سبوا التحتانى، ويغنى للجند: احنا الجنود زى الأسود نموت ولا نبعش الوطن، ويغنى للصناعة المصرية: خسارة قرشك وحياة ولادك عاللى ماهوشى من طين بلادك، ويمقت الانتهازية فيغنى: علشان ما نعلا ونعلا لازم نطاطى، ويغنى لليونانيين والطليان الذين كانوا جزءًا أساسيا من نسيج المجتمع المصرى آنذاك، ويسخر من تناقضات المشايخ اقرأ يا شيخ قفاعة تلغراف آخر ساعة، ويغنى للشيالين والبنائين والفلاحين والعربجية والجرسونات والبوستجية والسقايين والمراكبية، ولا ينسى نصيب الحب والعواطف الجياشة فيغنى: حبيب الروح بيتعاجب وأنا عشقت، وأنا هويت وعلى قد الليل ما يطول، ثم يتحفنا برائعته: بلادى بلادى، وفى مختتم حديثه أكد الدكتور كمال مغيث، أنه رغم هذا الزخم لم يغنِّ للملك بتاتا، وقدم سيد درويش كل هذا العطاء الفنى فى أربع سنوات ونصف، تحديدا بين مارس 1919: سبتمبر 1923، ومات قبل أوانه وهو لم يصل للثانية والثلاثين من عمره، ونعم كانت تقف خلفه عقول مبدعة كبديع خيرى وبيرم ويونس القاضى، لكن تظل عبقرية سيد درويش هى التى صاغت من هذا كله أسس "الغناء المصرى الحديث".