رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تدليس النقاد العرب ضد القراء

د.يسري عبدالغني
د.يسري عبدالغني

في هذا الجانب الثقافي نستعرض معا بعضا من وحي أقلام أدبية أثرت بمداد إبداعها الحياة الأدبية سنين طوالا ...واليوم نعرض معا لوحي قلم د. يسري عبدالغني ،أستاذ النقد الأدبي بجامعة الأزهر والخبير في التراث الثقافي.

"تدليس النقاد العرب ضد القراء"

د.يسري عبدالغني:

 

  الحق أن بعض هذه النزعات التي تريد أن تعطِّل الوظيفة التقليدية للنص قد ظهرتْ منذ القرن التاسع عشر في أوروبا مع "أرنولد" الذي ربط في كتابه: "الثقافة والفوضى" بين النشاط النقدي والنشاط الإبداعي؛ باعتبارهما يحققان هدفًا واحدًا، وهو سعادة الإنسان عن طريق تحقُّق اللذَّة، ولكن النقد بعد "أرنولد" ما لَبِث أن ذهَب شوطًا بعيدًا؛ حيث صار النقد نفسه إبداعًا، وبما أن الغموض أحيانًا يكون من سمات الإبداع، فقد استعار النقد هذه السمة وتلفَّع بالغموض، إلا أن الإيقاعَ في هذه الظاهرة أفضى إلى ظاهرة أخرى فتَّاكة وهي ظاهرة الإبهام. وإذا كان النقد كلامًا على كلام بتعبير أبي حيان التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة"، فقد صار الكلام الثاني - الذي هو النقد - بحاجة إلى كلام يفسِّره، بما ولَّد (نقد النقد) الذي راح يبسط سلطانَه، ولا سيَّما مع "تودوروف"، كما جَلاَّه كتابُه الذي يحمل العنوان نفسَه. وهكذا يتسنَّم النص النقدي النص الإبداعي، فلا يغدو النقد كلامًا على كلام ، بل صار إبداعًا على إبداع، أو إن شئنا أن نقول، دون أن نُرمَى بالتقعُّر: إنه كلام على كلام على كلام، وهذا الشطط هو الذي جعل "فنسان ليتش" يصوِّر "ميللر"، وهو أحد أقطاب التفكيكية، باعتباره شيطانًا يرقص فوق أشلاء ضحاياه. إن مشكلة كثير من نُقَّادنا العرب أنَّهم يمارسون نوعًا من التدليس والتضليل ضدَّ قُرَّائهم، فما يكون ذا بُعدٍ جزئي في المنهج النقدي عند الغرب يتحوَّل إلى

قوانين كلية عندنا، وما يختص بمجال مُحدد يصير منسحبًا عندنا على كل الظواهر، وعندما لاحظ "لوسيان غولدمان" غلو البنيوية الشكلية في وأْدِ كل ما يحيط بالنص، دعا إلى بنيوية جديدة تأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل المساعدة على فَهم النص ومكوِّناته، وقد تجلَّت اجتهاداته في اكتشاف البنيويَّة التكوينيَّة. وقد كان "جولدمان" واضحًا عندما صرَّح أن هذا المنهج إنما يصلح لتشريح الأعمال الروائية، من دون غيرها من الأجناس الأدبية، ولا سيَّما الشعر الذي هو ذو طبيعة خاصة، وكأنه يريد أن يشير إلى الخصوصية الإيحائية الرمزية التي نصَّ عليها "جان بول سارتر"، عندما ميَّز بين الكتابة والشعر، وجعل الشعر خارج نطاق المطالبة بالالتزام؛ إذ كيف نطالب بالْتِزام لغة طابعها الغالب هو المجاز؟! إننا لا نريد أن نحجر على النقاد العرب الاستفادة من مُعْطَيات الحضارة الغربية وتطويرها، بل ذلك هو المطلوب، هو المسلك الذي سلكه أسلافُنا، إلا أن ذلك التطوير ينبغي أن يرافقَه وعي حضاري قادرٌ على التمييز بين ما يناسب، فليس التحديث ولا التطوير استجلابًا لمصطلحات ومفاهيم كيفما اتَّفق، بل لا بدَّ من حُسن التمثُّل، كما تتمثل النحلة الرحيقَ .