عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسئولية الناقد عند يحيى حقي

د.يسري عبدالغني
د.يسري عبدالغني

في هذا الجانب الثقافي نستعرض معا بعضا من وحي أقلام أدبية أثرت بمداد إبداعها الحياة الأدبية سنين طوالا ...واليوم نعرض معا لوحي قلم د. يسري عبدالغني، أستاذ النقد الأدبي بجامعة الأزهر والخبير في التراث الثقافي:

 

لقد آمن أستاذنا الأديب الكبير  يحيى حقي بأن مسؤولية الناقد ينبغي أن تؤدى كما تؤدى الفرائض، وعندما تفحص المشهد التعليمي، فقد لاحظ زيادة في التعاليم ونقص في التثقف ، لذلك حذر من تعقيدات ومخاطر نظريات النقد المستوردة التي تخنق الفن. إن نقد يحيى حقي للمشهد التعليمي في مصر أتبعه بالدعوة إلى ضرورة أن نركز كل جهودنا على التعليم لا على التثقيف، مؤكدًا على أننا نبذل أموالا طائلة لخلق إنسان متعلم ، ولكن لا نكاد نفعل شيئاً لخلق إنسان مثقف !!. ـ من الأهمية بمكان أن نقف دائمًا أمام جدل الخصوصية والهوية في نقدنا الحديث ، فالهوية والخصوصية من القضايا المثارة الآن بفعل العولمة، وانه لمن حقنا أن نصون هويتنا ونعض بالنواجذ على خصوصيتنا اقتداءً على الأقل بالآخر المعني ـ جداً ـ في وعيه وأهدافه واستشراقاته ومخططاته ومستقبل ثقافته .

 

إن «الثقافة الموحدة» كانت هاجس الاتحاد الأوربي وقادته الذين وعوا خطر التشرذم الثقافي، وهو ما قاد إلى الاتحاد ، وكان الشعار : أوربا لا تحتاج إلى عملة موحدة بقدر حاجتها إلى ثقافة موحدة    أتذكر هنا ما قاله أستاذنا / عباس محمود العقاد  وتحذيره من الأخذ بمذاهب الآخر بأنماطها أخذًا مطلقًا، ودعا إلى ما أسماه الهوية الواقية، لأن الدعوات العالمية خليقة أن تجور على كيان القومية، وأن تؤول بها إلى فناء كفناء الغالب للمغلوب  أقول لكم : اجعلوا الشعار المرفوع دائمًا هو الحرص على الهوية الذي هو  لا يرادف على الإطلاق «الانغلاق» ، وان «توحيد الذات» لا ينافي الانفتاح والتفاعل مع الآخر، أي أن الخصوصية هي التي تعبر من منطلق انتمائنا إلى المنظومة الإنسانية، عن هويتنا الأدبية والنقدية بعيداً عن أية بواعث عقدية وعرقية قومية تعصبية ومنطلقات جغرافية سياسية.

 

وهذا ما يخشاه آخرون وكثيرون ممن يرفضون فكرة أي منظور نقدي ذي خصوصية عربية يؤكد إسهامنا في المنظومة الإنسانية بحجة ماذا يمكن أن نضيف إلى الفكر العالمي في نظرياته ومناهجه ومصطلحاته؟ هل يمكن أن نضيف إليه ونحن نعتبره وليد بيئة لم نشترك في صناعتها؟ إن البنية التي لم نشارك في صياغتها هي التي توجب ما للنص العربي من خصوصية، لأن أي منهج نقدي ظهر في الغرب ظهر لحل مشكلات واقع اجتماعي معين، مما يعني أن له واقعا أدبيا معينا لا بد للناقد من أن يتعامل معه ويستمد منهجه وأدواته منه ويحل مشكلة النص الأدبي في ضوئه. فإذا ما كان هذا المنهج جزءاً من واقع أدبي معين فكيف يمكن فرضه على واقع أدبي آخر له مشكلاته  كالأدب العربي ؟ أليس في فرضه ظلم؟ .

 

إذن النص العربي نص مغاير في روحه وفضائه ولغته للنص الغربي الذي تمت إليه المناهج العربية بصلات اللغة والذاكرة والتاريخ، وهو ما يستدعي التعامل والتفاعل معها بحذر وحيطة منهجية ونظرية، كي لا نقع في وهم فكري مزدوج، ينكشف الأول في إغفال التاريخ الثقافي العربي، ويتجلى

الآخر في جهل التاريخ الثقافي للآخر. انه لا مندوحة من اشتقاق المعايير النقدية وتحديد الأدوات من خلال الحركة الإبداعية الأدبية المادة الرئيسية للنقد، أي من السياق الأدبي والثقافي المحلي بالدرجة الأولى. أنجح خطابنا النقدي في هذا أو شيء منه أم انه كرَّس إشكالية جديدة..؟!!

 

إن الحرص على الهوية الثقافية والأدبية ليس بدعاً، فالانجليز وصفوا النقد الفرنسي انه «نقد فرنسي» مما حمل المؤمنين منهم بالبنيوية على تقديم اطر نتجت عن التفاعل المثمر بين النقدين الانجليزي والفرنسي. وفي أميركا اشتكى عدد من الأكاديميين في حقبة الأساليب الجديدة في النقد وازدهار البنيوية وما بعدها مما دعوه «الاستعمار» للأقسام الإنسانية في الجامعات الأميركية حتى أطلق على جامعة «ييل» أنها : القاعدة الإمامية لضفة باريس اليسرى.

 

3 ـ نقول : في شأن تقاعس النقد العربي عن تناول التجارب الأدبية الجديدة، فهو ليس تقاعساً بل أصبح تقليداً راسخاً تقريباً. فالنقد اليوم وهذه حاله منذ أكثر من عقدين يعاني من إشكاليات عديدة تجعله مقصراً عن مواكبة الإبداع.

 

ولكن علينا هنا أن نميّز بين أنواع من النقد السائد. هناك، أولاً، ما نسميه النقد الأكاديمي، حيث يواجه الناقد النص الأدبي من منطلق قراءته وفق زمنه التاريخي وزمنه الإبداعي، فضلاً عن تبويب هذا النص وتصنيفه مع ما يجاوره من نصوص، ومع ما سبقه وما سيتلوه أيضاً.

 

إن الناقد الأكاديمي يدرس النص غير غافل عن طبقاته المتعددة وتراكماته التاريخية والتخييلية، وهذا أمرٌ جيد طبعاً، ولكن المشكلة أن هذا النوع من الممارسة النقدية لم يعد يجد مساحة يحضر فيها، فالمجلات الأدبية والثقافية الرصينة والمحكمة في حالة تراجع وانقراض. الزمن تغير، كما يقولون، ولم يعد زمن المجلات الفصلية والشهرية، ويشهد على ذلك توقف عدد كبير ومهم من المجلات العربية كالطريق ومواقف والناقد، أما الدوريات التي لا تزال تقاوم، فيكاد يكون تداولها محصوراً بين أدباء من الأجيال الأقدم أو بين الأكاديميين والدارسين الجامعيين.

 

وهذا يعني أن هذا النوع من النقد حتى لو وجد مكاناً له في مثل هذه المنابر، فإنه سيظل بعيداً عن متناول الجمهور العريض من القراء والمهتمين بالأدب والثقافة عموماً.

د.يسري عبدالغني