رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لعنة العنوسة

بوابة الوفد الإلكترونية

نواصل نشر مقتطفات من موسوعة "المسكوت عنه في عالم نجيب محفوظ" للكاتب والناقد مصطفى بيومي،

نصل معًا لإشكالية العنوسة في أدب محفوظ والتي فرد لها " بيومي" بابا بأكمله، نختار منه فصل لعنة العنوسة لنستعرض تداعياتها وأثرها في المجتمع المصري مثلما رأى محفوظ.


"لعنة العنوسة"

تتباين آثار العنوسة وانعكاساتها على الفتيات المحرومات من الزواج والاستقرار الأسرى والإنجاب فمنهن قلة من الراضيات  المستسلمات اللاتى
تعانقن راحة اليد بلا سخط أو غضب وقطاع آخر أكثر  عددًا يسكنه التوتر والقلق ويسهم فى صناعة الاكتئاب أو النكد لكل من حوله، وقد تصل تداعيات العنوسة
والحرمان إلى الوقوع فى براثن الانحراف النفسى والاقتراب من السقوط فى دائرة الشذوذ الجنسى، ولا يخلو الأمر من الوصول الى الانتحار تحت ضغط وحصار النتائج السلبية المترتبة على العنوسة.


*الرضا والاستسلام

فى قصة "جوار الله" مجموعة "دنيا الله" يقدم  نجيب محفوظ شخصية ذات وجود هامشى " تفيدة" وهى الشقيقة الكبرى لعبدالعظيم شلبى الموظف بالمساحة عانس مثل عمتها الثرية التى تقترب من الموت وتعيش ساعات الاحتضار  فى غرفتها المتواضعة فوق سطح البيت الذى تمتلكه.

العمة "نظيرة" عانس بخيلة فى الثمانين من عمرها تؤثر الوحدة وتتوافق مع عنوستها المزمنة الموغلة فى القدم وكذلك الأمر مع تفيدة الموصوفة بأنها عانس فى الخمسين.

لا تبدى القصة اهتمامًا خاصًا بتفيدة فهى شخصية محدودة التأثير والاهتمام كله ينصب على موت العمة وما يترتب عليه من نتائج، لكن القليل الذى تقدمه القصة عن تفيدة يؤكد بوضوح أنها راضية مستسلمة ولا تؤثر عنوستها سلبًا على سلوكها فى بيت أخيها، وليس أدل على طيبتها ووداعتها من أسلوب تفكير
أخيها عبدالعظيم فى الميراث المنتظر بعد وفاة العمة «مبلغ  كبير بلا شك وطالما أكرم تفيدة فهى لن تعارضه ولن تحاسبه وأولاده ما هم إلا أولادها».

الوصول إلى الخمسين يعنى اليأس من الزواج ولا تتسع أحداث القصة لتفسير عنوسة تفيدة ولكن ما أكثر العانسات الراضيات المستسلمات لأقدارهن بلا تمرد أو سخط. ومنهن الست نجية فى الحكاية رقم «26» من "حكايات حارتنا".

"نجية" امرأة واحدة دائمة «لا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت»، ولاشك أنه من المفهوم ضمناً كأنها الحقيقة التى لا تحتاج إلى بيان أنها عانس بلا زواج.

الملامح الشكلية والجسدية لنجية كما يرصدها الروائى تكشف بشكل واضح ولا مباشر عن السبب الذى قد يكون جوهريًّا حاسمًا فى عنوستها «قصة قصيرة مطبوعة بطابع كُساح يتجلى فى تقوس ساقيها وبروز ذقنها ولها أنف كبير مثل أذن الحمار، دميمة ولكنها غير منفرة لخفة روحها وسخريتها اللاذعة من نفسها
ومن الناس».

ما يقال عن الثراء النسبى لنجية لا يشفع لها وخفة الروح وحدها لا تمثل دافعًا ذا أثر لنسيان القبح الذى يوشك أن يحيلها إلى مسخ مشوه منفر لكل ذى عينين.

قصر القامة «الكساح وتقوص الساقين وبروز الذقن ضخامة الأنف، كبر

الأذنين" فما الذى يبقى فيها إذن من ملامح الأنوثة التى يمكن أن تشتهى وتدفع رجلاً
إلى مغامرة التفكير فى الارتباط بها.

التعايش مع  العنوسة بلا ضغينة كما هو الحال عند تفيدة ونجية لا يمثل القاعدة الأكثر انتشاراً فى عالم العوانس فالشائع هو الشعور الحاد بالأزمة الخانقة المستعصية وانعكاساتها السلبية فى صورة سلوك حاد عدوانى لا تخفى آثاره المدمرة على العانس والمحيطين بها.

*نكد وتعاسة

تجربتان متشابهتان يقدمهما نجيب محفوظ فى الحكاية رقم «48» من "حكايات
حارتنا"  وفى قصة "أسعد الله مساءك" مجموعة "صباح الورد" المشترك الراسخ بالغ الوضوح بين التجربتين يتمثل فى وجود شقيقتين عانستين تنتميان الى أسرتي موظفين متواضعى المكان وتتسبب العنوسة المزمنة غير القابلة للعلاج فى صناعة أجواء النكد والتعاسة والصراع التى لا تقتصر على العوانس الأربع بل إنها تمتد إلى مجمل أفراد الأسرتين.

فى "حكايات حارتنا" تتوقف الحكاية رقم «48» أمام أسرة الموازين ورب الأسرة موظف حكومى صغير يموت بعد فترة قصيرة من التحاق ابنه صقر بوظيفة متواضعة مثل أبيه ولا يرث الشاب صاحب الحكاية المأساوية إلا «أسرة مكونة من أم وعمة وأختين فى سن الزواج وكلبة».

الميراث السلبى يمثل عبئًا ثقيلًا وهمًّا مقيمًا وأخطر ما فى هذا الميراث يتمثل فى منظومة القيم والتقاليد والأعراف التى يصنعها الموظفون من أبناء الطبقة الوسطى ويتشبثون بها ومنها ألا ترتزق نساؤهن بالعمل وأن يحكم عليهن بالقبوع فى البيت انتظارًا لزوج يرسل به القدر وهو انتظار يطول بالضرورة فى ظل الفقر المدقع وتجنب الاختلاط والتواصل مع المنظور إليهم بقدر كبير غير مبرر من التعالى والازدراء.

لا يملك "صقر" بعد أن آلت إليه المسئولية الثقيلة إلا أن يشكو حظه العاثر وينعى أحلامه البسيطة الضائعة ويجد راحته فى الشكوى. ونساء مجبرات على البقاء فى البيت إلا للضرورة منعاً للقيل والقال تحبسهن التقاليد يجمعهن الحرمان ويعذبهن الفراغ يتسلين بالنقار.