رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حينما استذأب الحصان.. قصة قصيرة

صورة حصان يرفع قدميه
صورة حصان يرفع قدميه

تسألني عن حصاني؟

- حسناً سأجيبك.

لقد وافته المنية في حادث بشع أودى بحياته؛ فقد كان يجري بي يوماً كما كنا نفعلها دوماً.سلك طريقاً وعراً مليئاً بالصخور، والحفر، حاولت شد لجامه قليلاً؛ لتنحيته عن هذا الطريق، حرن، وضرب برغبتي عرض الحائط، فكانت النتيجة المتوقعة أن سقطنا في حفرة، شعرت بغضب عارم وقتها، ولم ألتفت إلى ما حل بي إزاء هذه السقطة، وما أصابني بالجنون أكثر رؤيته وهو لا يبالي بما حدث وكأنه كان يقصد. لم يحاول مساعدتي على النهوض، أو حتى الاطمئنان عليَّ كما كان يفعل دوماً معي.. ولأول مرة أشعر بحجم كراهيتي له؛ فمن كان ينظر إليَّ وقتها لم يكن حصاني، بل كان كالذئب النهم بسقوط الفريسة. حتى صهيله لم يكن هو. كان كعواء الذئب الهامس. ما هذه الحفرة الملعونة ؟! بربك ما فعلتِ بحصاني ؟! لا .. لن أسمح له بالاقتراب مني . أراه غريبا عني، لا يمت لي بصلة. لا أفهم صمته المفاجئ، ولا نظراته الشرسة. ما أدركته وقتها أن عليّ المغادرة سريعا. اقتربت منه؛ لأستخدمه سلما أصعد عبره من هذه الحفرة. توقع أني سأعود كما كنت معه، فتركني أفعل. وسريعا قفزت؛ لأخرج من هذه الحفرة بلا رجعة. نظر إلي بغرور كأني لن أستطيع المغادرة أبعد من هذا. علم من تأوهاتي أنه قد أصابني مكروه ما وإن لم يعلم حجمه. كتمت أنيني؛ فقد كانت صدمتي به أقوى، وأشد ألما على نفسي من إصابتي بالكسر. ظل في الحفرة لم يتحرك. بدا كأنه مستمتع برؤيتي أحجل على ساقي المكسورة محاولة الفرار. لم أحاول الفرار كما توقع، بل كنت أعزم على فعل شيء آخر لم يكن في حسبانه. وقت خروجي لم أفكر في شيء سوى أن يموت هذا الخائن. كنت أبحث عن شيء يساعدني على إتمام مهمتي. لم أجد وقتها سوى بقايا صخور، لكنني كنت ضعيفة لا أقدر على حملها وحدي. صرت أضرب الصخور؛ حتى تتكسر ، وتنتج صخورا صغيرة أستطيع حملها. كان هو وقتها لا يكترث. الأغرب أنه غط في نوم عميق. وفي كل ضربة صخر تمنيت أن أجده واقفا إلى جواري يطمئنني أنه ليس من فعل بي هذا، وأن من بالحفرة كائن شيطاني ارتدى عباءته ولا يُعرف عنه شيء. تمنيت أن يعود الزمان؛ كيلا أخرج معه هذه الخروجة المشؤومة. ومع انتهائي – وإنهاكي في الوقت ذاته – عدت إلى مكان الحفرة؛ لألقي عليه ما كسرته من الصخور. هنا فقط شعرت بغضبه. تمنيت أن يصهل

بصوته؛ لعلي أتراجع عما أنوي. لقد كنت على أتم استعداد أن أغفر له رغم كل شيء؛ فهو صديقي في الصحراء، ورفيقي في الجبال. وما زلت لا أفهم سبب تحوله. خيّب ظني، لم يفعل شيئا سوى بعض من الصهيل الغاضب. رغم أني أفصحت عن أمنيتي هذه أمامه بصوت علني بعدما أفرغت جعبتي الأولى من الحصى. كأن كلماتي كانت تعطيه مزيدا من الجبروت، والغرور. بدلا من أن يراجع نفسه؛ ليفطن كيف ستكون النهاية. تركته، وذهبت؛ لأكمل ما بدأت. وفي كل مرة يثور مما أفعل، وفي كل مرة أبدي رغبتي أن تكون عيناي كذبتا علي، وما عايشته لم يحدث قط . حتى كسري كنت سأوهم نفسي أنه لم يقصد قطعا إيذائي. لو كان اعتذر، وأبدى ندمه على ما بدر ! اقتربت الحفرة من الردم الفعلي. تمنيت أن ينفض كل هذه الصخور، ويقوم كعادتي به شجاعا نبيلا، لكنه استسلم كالجبناء مع نظرة جبروت مفادها: أخيرا أدركت أيتها الحمقاء خديعتي لك؟! فعله الأخير كان كفيلا بوضع كلمة النهاية؛ فقد طال صبري على غروره الفارغ، وإهانته المتعمدة، فقمت بإلقاء التراب عليه بلا روية حتى توارى عن ناظريّ. نعم دفنته حيا. وهنا فقط شعرت بآلام كسري، وفجيعتي بالخديعة، فصرخت صرخة مدوية، ولم أستطع الحركة بعدها. لا أذكر بقية الأحداث، ولا كيف تم علاج إصابتي. ولم أعد أذكر شيئا عن صحبتي معه. وكأن السقطة قد أصابت مركز الذاكرة. ما أتذكره أنني محوت أثره، وكأنه لم يكن في حياتي يوما. وها أنا الآن أستمتع مجددا بصحبة حصان آخر عربي أصيل، لا حصان حناطير. شهادة أصوله معي، وصك ملكيته لي .

منى ياسين