عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المجذوب في بنية النص الروائي عند نجيب محفوظ "حديث الصباح والمساء نموذجا "

صورة نجيب محفوظ
صورة نجيب محفوظ

في سبتمبر من العام 2018 الجاري صدر مؤلف نقدي شديد الأهمية يتناول المشهد الصوفي في أدب نجيب محفوظ حمل عنوان "ملامح التصوف الإسلامي في أدب نجيب محفوظ" للباحث والأكاديمي الأميركي من أصل يمني محمد علي عزيز، الأستاذ في قسم اللغات والدراسات الشرقية في جامعة ييل الأميركية.

 

والمثير للدراسة النقدية هو تقديم علم من أعلام النقد العربي في علوم السرد الناقد الدكتور عبد العزيزالمقالح جاء في تقديمه للكتاب :" كثيرون هم النقاد والدارسون الذين تناولوا أعمال الروائي الكبير نجيب محفوظ في كتاباتهم المختلفة لكن أحدًا منهم لم يتوقف عند ومضاته الصوفية، تلك التي تلمع كشذرات مضيئة بين السطور في عدد من أعماله الروائية القصصية.

 

وهذا ما تنبه له الدكتور محمد علي عزيز وأفرد له هذا الكتاب باحثًا ومنقبًا عن كل ومضة تتلألأ فيها عبارة إشراقية أو تعبير روحي ينتمي إلى عالم التصوف الجميل".

 

وقد أجد نفسي في حالة من الجرأة وأعلن اختلافي مع ناقد أدبي بقدر قامة المقالح ،حيث جاءت العديد من الدراسات التي احتفت بأنماط أوقل تجليات التصوف في أعمال نجيب محفوظ لكنها لم تكن عنوانا رئيسيا للدراسة أو المؤلف السردي والنقدي منها على سبيل المثال لا الحصر ، كتاب «التصوف في الرواية المصرية المعاصرة» (الهيئة المصرية العامة للكتاب) للباحثة زينب محمد عبدالحميد والتي تناولت فيه رواية قلب الليل لأديب نوبل نجيب محفوظ.

ولعلنا نقتبس من كتاب الباحث الامريكي مقولة ستكونهي بيت القصيد الذي سنبني عليه تلك الرؤية المبسطة في هذا المقال ،فقد أورد عزيز في الفصل الختامي من كتابه النقدي: " إن الذي يقرأ الإشارات التي تتبعناها في هذا الكتاب من الروايات المختلفة، سيجد بدون شك أن لدى الأديب الكبير نجيب محفوظ مساحة كبيرة من التصوف متغلغلة في أعماقه، ولم يظهرها للناس كما ظهرت رغمًا عنه في كتاباته الأدبية". وهو ما يدفعنا للاستعانة بمنهاجية تشريحية تناسب التغلغل في العمق نسبيا وأعيد مرة أخرى نسبيا وهي منهاجية النقد النفسي أوالمدرسة النفسية للنقد الأدبي .

 

• آلية التشريح : بتعريف مبسط فإن المنهج النفسي للنقد :"هـو المنهج الذي يستمد آلياته النـقدية مــن نظــرية التحليل النفـــسي التي أسسها الطبيب النـمساوي سيغموند فرويد فسر على ضوئها السلوك البشــري برده إلى منطقة اللاوعي ( اللاشعور)والتي هي خزان لمجموعة مــن الرغبات المكـبوتة نجسدها من مجموعة من الأعمال الإبداعية ، ويرتكز المنهج النفسي على مجموعة من المبادئ أهمها : أن النص الأدبي مرتبط بلاشعور صاحبه مع وجود بنية نفسية متجذرة في لاوعي المبدع تتجلى بشكل رمزي على سطح النص ، وأثناء تحليل لابد من استحضار هذه البنية.

 

كما يعتبر رواد المنهج النفسي الشخصيات الموجودة في الأعمال الأدبية شخصيات حقيقية لأنها تعبر عن رغبات ووقائع حقيقية مكبوتة في لاشعور المبدع.(يمكن الرجوع لكتاب يوسف وغليسي ، مناهج النقد الأدبي ). وعودة مرة أخرى إلى متن العمل الأدبي الذي نحن بصدده للوقوف على متن نقدي مبسط ولنتوقف قليلا عندمحور المقال وهو الشخصية الروائية التي قدمها نجيب محفوظ باسم صديقة ،زوجة معاوية وهي شخصية على الرغم من ثانويتها إلا أنها تؤدي للقارىء دورا محوريا في بينان اكتشاف بعض الحقائق والتي لا يقبلها العقل لكنها تواجه زوجها معاوية المتشرع بعلوم الأزهر الشريف بمنهجها البارايسيكولوجي كونها مجذوبة في حال جذب فيعتبرها معاوية زوجها أنها بتعبير المتصوفة من أصحاب الاحوال .

 

• المجذوب وصاحب الحال عند المتصوفة : اعتبرهم ابن خلدون نوعا من الأولياء مع سقوط التكاليف عنهم . وفضل ابن عطاء المجذوب على السالك لأن الأول طويت له الطريق ولم تطو عنه ، أي أن المجذوب أختاره الله واختصر عليه الطريق ، أما السالك فقد تركه الله يقطع الطريق ويسلكها بنفسه . وعلل الشعراني سبب ذهاب عقلهم بالتجلي الإلهي الذي أتاهم على غفلة فذهب بعقولهم ،وساد الاعتقاد بأنهم يعيشون في عالم آخر

. هل يمكن الجزم بما ذهب إليه الكاتب الدكتور أيمن الجندي عبر مقاله المعنون بالتصوف في أدب نجيب محفوظ إذ يفتتح مقاله بجملة "يمكننى أن أقول إن الصوفية «بمعناها الحقيقى» هى التى أنقذت فى النهاية نجيب محفوظ من الحيرة" .

 

إننا أمام نموذج سردي ينتمي كاتبه –نجيب محفوظ- إلى المدرسة الليبرالية ،فمن المتعارف عليه أن أديب نوبل كان ينتمي سياسيا لحزب الوفد المصري والذي يتبني الليبرالية فكرا وايديولوجية عبر صراعه مع الملك وحركة الاخوان الدينية ،وعاى الرغم من التكوين الفكري لأديب نوبل نجده يحتفي بشخصية صديقة المجذوبة ذات العوالم الغير حسية بمنطق المادي الملموس بينما حسيتها تكمن في ذلك الروحي ،ذلك المعنوي الذي تستشعره هي ولا نستشعره نحن ،وهو ما يحيلنا إلى تساؤل يقود إلى منهاجية النقد النفسي في التحليل المبسط لهذع الشخصية .تتفرع العديد من التساؤلات هي في ذاتها أدلة وجوابات شافية هذه التساؤلات تكون على النحو التالي : أديب نوبل الذي تصدى لفكرة الاحتلال الانجليزي والدفاع والزود عن تراب الوطن كما هو واضح وجلي في ثلاثيته البارزة هونفسه الذي ينتصر لمعادل التنوير كمال حين يذهب لسيدنا الحسين رضي الله عنه كمعادل للخلاص ونجاة لأمينة المغلوب على امرها كونها لم تستأذن للزيارة من بعلها "سي السيد"،كيف يمكن لهذا الكاتب الدمج بين كمال وصلة الواسطة بين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نفسه معادل التنوير الفلسفي الذي يتبنى الدفاع عن القضايا الفلسفية الكبرى ؟هل ينتمي إلى المدرسة المادية بمضمونها الحسي أم إلى المدرسة الصوفية بمضمونها الروحي أم أن كلا المزيج انصهر داخل بطل الثلاثية ؟ في رواية حديث الصباح والمساء نجد معاوية زوج صديقة صاحبة الحال والتي تتيم بجذبتها مبتعدة عن كل العوالم وترى في نومها مقادير العباد هي موضع إجلال من معاوية زوجها المتشرع والدارس للعلوم الأزهرية . الامر هنا يحيلنا إلى تكوين وبنية نجيب محفوظ النفسية ،حيث حي الجمالية ومشهد المجاذيب الذين طبعوا أفعالهم وصورهم داخل مخيلة ذلك التكوين فعاد صبه في قالب الواقع عبر سرده الادبي ،ليظل المجذوب علامة واضحة ما بين صديقة صاحبة الحال وكمال الواسطة بين سيدنا الحسين رضي الله عنه وسي السيد ،ما بين المعرفة عبر العقل ،والمعرفة عبر الحدس القلبي الذي نوه إليه شيخ المتصوفة أبي حامد الغزالي .

لا تزال صورة المجذوب بحاجة إلى تمحيص وتحليل من نوع آخر ،ربما تكون صورة لرؤية العالم عند شريحة بشرية في أدب نجيب محفوظ،ننتظرأقلام نقدية تمحص فيها بشكل أكثر عمقا وبمنهاجية أكثر أكاديمية.