عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أم كوهين وأم يني في رحاب السيدة زينب من أجل أم حسين

بوابة الوفد الإلكترونية

في هذا الجانب الثقافي نستعرض معا بعضا من وحي أقلام أدبية أثرت بمداد إبداعها الحياة الأدبية سنين طوالا ...واليوم نعرض معا لوحي قلم الدكتور يسري عبدالغني، أستاذ النقد الأدبي بجامعة الأزهر والخبير في التراث الثقافي.

الدكتور يسري عبدالغني
عندما أخبرني والدي أن العم خليل انتقل إلى رحمة الله صباح اليوم ، ويجب أن أذهب للمشاركة في وداعه لمثواه الأخير ، سألت والدي: وهل ستكون الصلاة عليه في السيدة نفيسة كما تعودنا في حينها؟، قال لي: ستكون الصلاة في البطرسية بجوار الكاتدرائية في العباسية .. تعجبت من كلام والدي ، وأعدت عليه : هل تقصد العم خليل الذي يسكن في شارعنا ووالد المهندس زاهر الذي كان معي في الكُتاب وأكثرنا حفظًا لجزء عم ؟
قال لي : نعم هو .. ولماذا تسأل ؟ ، لم أجب وأكدت عليه أنني سأذهب ، إنها أول مرة أعرف فيها أن العم خليل من الأشقاء الأقباط ، العم خليل الذي كان يعيش معنا في حي الحلمية الجديدة والذي كان أول من يقودنا في عمل زينة شهر رمضان ، وأول من يقودنا في جمع جلود الأضاحي في عيد الأضحى لتقديمها إلى عربة الإسعاف التي تجمعها كتبرعات بمجرد مرورها في شارعنا ، عم خليل الذي لم أراه يأكل أو يشرب أو يدخن خلال نهار شهر رمضان ، وكان يتناول طعامه بعد أذان المغرب مثلنا تمامًا ..
عم خليل الرجل الطيب الصالح الذي كان صدوقًا خدومًا معطاءً ، يساعد الجميع ويقف بجوارهم في الأفراح والمآتم ، وفي كل المناسبات ، ويعشق صوت محمد رفعت وعبد الباسط والبنا.
وعدت بالذاكرة إلى المنزل الذي كانت تسكنه جدتي في حارة الألفي والذي كان يضم أشقاء من المسيحيين واليهود ، نعيش جميعًا معًا في أخوة ومحبة وصفاء ومودة ، كان يسمى بيت النحاسين ، وسألت عن سر التسمية فقالوا لي : إن بعض تجار النحاس كانوا يسكنون فيه ، ولكن جدتي قالت نقلاً عن جدي لأمي الذي كان مطالعًا جيدًا للتاريخ : أن هذا البيت ترجع ملكيته لأحد أفراد أسرة النحاس باشا رئيس الوزراء المصري الأسبق ، وقد أوقفه وقفًا خيريًا .
تذكرت أم كوهين السيدة التي كانت تسكن مع جدتي ، وتصنع معها كعك عيد الفطر ، ورقاق عيد الأضحى ، وفي نفس الوقت كانت جدتي وأمي يساعدونها في عمل الأطعمة الخاصة بهم ، وكانت بمثابة الأم والأخت والصديقة لنا جميعًا ، كانت تصطحبنا إلى حديقة الحيوان وحديقة القلعة ، بل كانت تجهز طعام الإفطار مع جدتي وأمي طوال شهر رمضان ، ونحتفل جميعًا برأس السنة الميلادية ورأس السنة الهجرية وشم النسيم ، مجهزين جميعًا ما تلزمه هذه المناسبات ، وقد عاشت الخالة أم كوهين ، وماتت ودفنت هي وزوجها وابنتها في مصر .
وأتذكر أم يني اليونانية الأصل ، الخياطة التي كانت تصنع كل ملابس نساء وبنات العائلة ، والتي كانت ترفض أن يقال عنها أنها يونانية ، وتؤكد على مصريتها ، قائلة :

أنني من العطارين ، وجورج زوجي من الماكس ، وقد أصرت ألا تترك مصر ، بعد أن مات ابنها يني في الحرب العالمية الثانية ، وقد أكد لي الأهل أنها تطوعت أيام العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، وعاشت هي وزوجها يضعان صورة الزعيم الخالد / جمال عبد الناصر على أحد جدران شقتهما ، وكان يعشقان أم كلثوم وعبد الوهاب وفوزي وكارم والكحلاوي وكاريوكا وسامية جمال ، وكم تحدثوا عنهم معنا جميعًا ...، وأذكر أن أبا يني كان يذهب معنا إلى جامع الرفاعي يستمع إلى دروس الشيخ الشرباصي رحمه الله .
الأمر الذي أريد أن أحدثك عنه أن الخالة أم حسين جارتنا قالت إن حسين ابنها دخل إلى مستشفى القصر العيني وسيجري عملية جراحية صباح الغد ، وطلبت أن ندعو له جميعًا بالشفاء ، فما كان من أم كوهين وأم يني أن اصطحبا كل أطفال ونساء الحي وذهبوا جميعًا إلى رحاب السيدة زينب لندعو جميعًا لحسين أن يشفيه الله ، ويعود لنا سالمًا ، وقد استجاب الله لنا جميعًا ..
أذكر حارة السقائين بحي عابدين ، وكنيستها التي كانت تقدم طعام الإفطار للصائمين في رمضان ، وفيها تلقيت دروس الرياضيات والعلوم في الإعدادية والمرحلة الثانوية بالمجان على يد الأستاذين / حنا وميخائيل ، وزرت من خلال رحلاتها المتحف الإسلامي والمتحف القبطي والمتحف المصري القديم ، في نفس الوقت الذي استمعت لأول مرة إلى روائع سيد درويش وداود حسني وعبد الوهاب بعود وصوت الأستاذ / نسيم جرجس ...
هذه هي مصر التي عرفتها ، قبل هذا الزمان الأسود الذي اقتحمنا فيه التعصب والتشدد والتطرف والغباء الأعمى الذي أبعد عنا الحب والتسامح واحترام الآخر ، ولكن الأمل مازال معقودًا على أن تعود مصر إلى ما كانت عليه ، مع كل التقدير والاحترام لمن يتحدثون عن تجديد الخطاب الديني ، ذلك المصطلح الذي أصبح بكل أسف سيء السمعة ... حفظ الله مصر وحماها وأبعد عنها كل شر.