رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة 1919 في أدب نجيب محفوظ

بوابة الوفد الإلكترونية

يمثل نجيب محفوظ قيمة مضيئة في تاريخ الثقافة المصرية، والعربية والإنسانية، ذلك أنه يقدم نموذجًا فذًّا للمثابرة والجدية والدأب من ناحية والتمسك بالتفاعل الإيجابي مع معطيات الواقع الاجتماعي دون إهمال التجديد الفني من ناحية أخرى.

في هذا الإطار، وعبر ثلاثة أرباع القرن تقريبًا، منذ أوائل الأربعينيات في القرن العشرين، تنوعت وتراكمت الدراسات والبحوث النقدية التي تناولت إنتاجه الثري، وينتمي دارسوه والباحثون في إبداعه إلي مدارس واتجاهات نقدية مختلفة، وأجيال متباينة، وجنسيات شتى لكن المشترك الراسخ بينهم جميعًا هو الإقرار بمكانته السامية وتقدير إنجازه المرموق.

على الرغم من كثافة التناول النقدي للكاتب الكبير، فإن عشرات الجوانب في عالمه لم تحظ ببعض ما تستحقه من اهتمام وتحليل، ومن هنا تأتي دراستنا هذه، وتناول بعض المسكوت عنه نقديا." تلك كانت مقدمة موسوعة المسكوت عنه في عالم نجيب محفوظ للكاتب والناقد ، مصطفى بيومي، عاشق محفوظ الأول، والذي ألّف ما يزيد على الخمسين كتابًا تناول خلالها كثيرًا من جوانب عبقرية وأدب محفوظ .... ونحن هنا بمناسبة شهر ديسمبر الذي شهد في يومه الحادي عشر مولد أديب نوبل ، نسوق على حلقات متتابعة بعضًا من فصول تلك الموسوعة ، التي صدرت مؤخرًا عن مؤسسة مجاز الثقافية.

* ثورة ١٩١٩ أنور عزمي في قصة «نور القمر»، مجموعة «الحب فوق هضبة الهرم»، ضابط جيش متقاعد، وله دور سياسي محدود في ثورة ١٩١٩، وكان عند اشتعالها طالبًا في الكلية الحربية: «أضربنا وذهبنا إلى مدرسة الشرطة، هتفنا بالإضراب،ولما وجدنا ترددًا أطلقت رصاصة في الهواء».

التردد، الذي يشير إليه أنور، قد ينبئ عن سلبية طلاب مدرسة البوليس وعزوفهم عن المشاركة في الثورة الشعبية، لكن إشارات أخرى مضادة تظهر في «حديث الصباح والمساء».

مواقف متباينة في معرض الحديث عن حامد عمرو عزيز، وقفة مهمة عند موقفه الوطني في ثورة ١٩١٩، وهو طالب في مدرسة البوليس: ولما قامت ثورة ١٩١٩ كان حامد في السنة النهائية، وقد مال قلبه إليها بمجامعه، واتهم بالتحريض على الإضراب، وحوكم، وأنزل إلى السنة الأولى من جديد.

كان الجميع يتسابقون في بذل التضحيات فلم يحزن عمرو أفندي كثيرًا، وحمد الله على أنه لم يفصل ويلق به في الطريق». ينتمي حسن محمود المراكيبي إلى دفعة حامد عمرو: «وغمرته ثورة ١٩١٩ بعواطفها القوية وإن لم يتعرض بسببها للأذى كما حصل لحامد». ويختلف موقف حليم عبدالعظيم داود، الأحدث من حامد وحسن في الالتحاق بالكلية:«وقد مرت به ثورة ١٩١٩ وكأنها فيلم مثير يشاهد في إحدى دور العرض».

ضباط المستقبل هؤلاء يقدمون تجسيدًا للاتجاهات الرئيسة في تعامل «أفراد» الشرطة، وليس المؤسسة، مع الثورة: حماس وطني متدفق تعاطف محدود محدد، سلبية ولا مبالاة.

هذا على المستوى الفردي، أما طبيعة «المؤسسة» الأمنية فلا تسمح بمثل هذا التنوع. على الجميع أن يخضعوا للسلطة، وينفذوا توجهاتها ويلتزموا بسياستها. التحريض على الإضراب قد يكون عملًا وطنيًّا محمودًا عند السياسيين، لكنه يمثل تجاوزًا خطيرًا عند تقييمه بمعايير الانضباط الصارم الواجب توافره عند من يعملون في جهاز يعتمد نجاحه على الطاعة العمياء والالتزام الكامل. الضباط الإنجليز هم من قادوا قمع الثورة ومطاردة الثوار،والمصريون من أفراد الشرطة شاركوا ملتزمين بتعليمات قادتهم المنتمين إلى دولة الاحتلال، لكن وطنيتهم الكامنة لم تتبخر، وولاؤهم للإنجليز لم يكن كاملًا.

عشماوي جلال، في «المرايا»، هو ألد أعداء ثورة ١٩١٩ وثوارها في عالم نجيب محفوظ: «وجرت أخباره كحكايات الرعب بأنه يقتل بلا رحمة، ويعذب ضحاياه فيربط الطلبة بجواده وينطلق به وضحيته يسحل خلفه مرتطما بالحصي والأسفلت حتى تفيض روحه». عشماوي ضابط كبير في لواء الفرسان بالجيش المصري.

وفي «بين القصرين»، ما ينم عن الدور المحدود لأفراد الشرطة المصريين، والهيمنة الكاملة للجيش الإنجليزي وقيادتهم المسيطرة على الشرطة. سيطرة إنجليزية يشارك فهمي أحمد عبدالجواد في المظاهرات الشعبية العارمة: «وفي ميدان السيدة زينب بدا له منظر جديد من مناظر ذاك اليوم العجيب. رأى مع الرائين جماعات من فرسان البوليس وعلى رأسها مفتش إنجليزي تتقدم ساحبة وراءها ذيولًا من الغبار، والأرض تضطرب تحت وقع السنابك».

الفرسان مصريون، والقيادة إنجليزية. وطنية الضباط المصريين تصطدم مع واجبهم المهني والتزامهم بالتعليمات التي لا تقبل المناقشة: «ثم ترامى إليهم أن البوليس اعتقل طلابًا كثيرين ممن تصدوا لمخالفته أو كانوا على رأس المظاهرة». القائمون بالاعتقال ضباط وجنود مصريون، والإدانة المطلقة ليست واردة، فلم يخل الأمر من سياسيين ومواطنين عاديين، وقفوا- لأسباب متباينة- ضد تيار الثورة الجارف، بل إن أحمد عبدالجواد يمارس قهرًا عنيفًا ضد ابنه فهمي، عندما يعلم مصادفة بنشاطه الثوري، ويهدده بإبلاغ البوليس: "حيرتموني يا أولاد الكلب وجعلتموني أضحوكة الناس، أنا أسلمك بنفسي إلى البوليس، فاهم؟! بنفسي يابن الكلب». لا يتطرق شك إلى وطنية أحمد عبدالجواد، لكنه حريص على مصلحة ومستقبل ابنه. وكذلك الأمر بالنسبة للمصريين في جهاز الشرطة الذي يقوده الإنجليز: قلوبهم وعواطفهم مع الثورة الشعبية وزعيمها سعد زغلول، ومستقبلهم الوظيفي رهين بالطاعة وتنفيذ الأوامر.

قد تكون القلوب مع الثورة وزعيمها والمشاركين فيها من جموع الشعب المصري، لكن اعتبارات أخرى كثيرة تلعب دورًا في الحيلولة دون التسليم للقلب

والانسياق للعاطفة. وعندما يتعرض أحمد عبدالجواد لاعتقال مؤقت، بمعرفة الجنود الإنجليز، فإنه لا يشعر ببوادر الارتياح والطمأنينة إلا عندما يتعامل مع الجنود المصريين، الذين لا يحظون بثقة قادتهم: «ثم تراءى له جنود من البوليس المصري رد منظرهم إلى صدره الدماء، سأعرف ما يراد بي». يعرف أحمد أن الجنود المصريين متعاطفون مع أبناء وطنهم، ومجبرون على العمل ضد عواطفهم، ويدرك أن التعامل معهم ميسور متاح. وقد صحت رؤيته: «اقترب منه شرطي ورمى إليه بمقطف وهو يقول بصوت غليظ ينم عن وعيد: -افعل كما يفعل الآخرون.. ثم همسًا: - أسرع حتى لا يصيبك أذى.. كانت هذه الجملة أول تعبير إنساني يلقاه في رحلته المخيفة فسرت في صدره سرى النسمة في حلق المختنق. انحنى على المقطف فتناوله من علاقته وهو يسأل الشرطي همسًا: - هل يطلق سراحنا إذا تم العمل؟ فأجابه بنفس الصوت: - إن شاء الله. الصوت الغليظ العلني موجه إلى الضباط والقادمة ممن يراقبون العمل ويشرفون عليه ويشكّون في إخلاص الجنود المصريين، أما الهمس الرقيق الإنساني فتعبير عن التعاطف المكبل بقيود تحكم الجميع وتتحكم فيهم.

يتحايل الجندي ولا يغامر، يسعى إلى أداء واجبه الشكلي، ويقنع بالهمس ليجسد حقيقة عواطفه. وليس أدل على حقيقة موقف الشرطة المصرية مما يذهب إليه أحمد عبدالجواد، على ضوء ملاحظته لما يدور من حوله:" جنود البوليس المصريون معهم بقلوبهم أي معنى ذلك أنهم جردوا من سلاحهم.. لم يعد السيف ذو الغمد المعدني يتدلدل من أحزمتهم». لا يثق الإنجليز في جنود الشرطة المصرية، لكنهم أقرب إلى الاضطرار عند الاستعانة بهم.

وفي المقابل، يتمزق هؤلاء الجنود بين العاطفة والواجب، ولا يملكون إلا المثابرة والتحايل. انحسار وتراجع سرعان ما تنحسر الثورة وتتراجع قيمها،وفي«المرايا» ينضم طه عنان إلى شلة الأصدقاء: «كان أبوه مأمور قسم شرطة بأسيوط ثم نقل إلى القاهرة مأمورًا لقسم الوايلي متخذًا من العباسية مقامًا لأسرته». لا تحول وظيفة الأب دون وطنيته ووطنية ابنه، لكن الوظيفة نفسها تجبره على الالتزام بسلوك لا يروق للشباب الوطني المسكون بالحماس غير المحدود: «ومما يذكر أن أباه كان ضمن القوة التي حاصرت المدرسة ثم اقتحمتها بعد ذلك بالقوة والعنف.وناقشنا موقف والده، وكان خجلًا منه ومتألمًا. وجعل يدافع عنه فيقول: - أبي وطني، مثلنا تمامًا، ويؤمن بمصطفى النحاس كما آمن بسعد زغلول، ولكنه يؤدي واجبه! فقال رضا حمادة: - سمعنا عن ضباط مثله انضموا إلى الثورة في سنة ١٩١٩. فقال طه عنان مدافعه عن أبيه ما وسعه الدفاع: - كانت أيام ثورة ولا ثورة الآن. التضحية ممكنة وشائعة في مرحلة المد الثوري العارم، حيث يتسابق الجميع إلى البذل والعطاء، دون خوف أو حسابات، أما الركود المستقر فيحول الوطنية إلى عقيدة وإيمان «نظري»، بلا فعل أو أمل في الواقع. يسقط طه عنان شهيدًا في مظاهرة وطنية ضد حكم الطاغية إسماعيل صدقي، ذلك أن ضباط الشرطة جزء من النسيج الوطني، ولا يختلف أبناؤهم عن أبناء الآخرين. في ذروة الحماس الوطني الملتهب قد ينضم بعض ضباط الشرطة إلى جموع الثائرين، لكن الثورة لم تعد قائمة، وبدأت بانحسارها مرحلة جديدة في التاريخ السياسي المصري.

 

أخبار ذات صلة....

 

شخصية المقهى في أدب محفوظ

 

جرأة نجيب محفوظ .. عارض سياسة السادات وطالب بتداول السلطة أيام مبارك

 

شخصية المقهى في أدب محفوظ

 

أول مقال نشره محفوظ 

 

الخدم وتشكيل الإطار الجنسي