رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل بدأت الثورة في تفكيك المؤسسات الثقافية الرسمية؟*

بوابة الوفد الإلكترونية

هل وصل غضب الثورة المصرية إلى المؤسسات الثقافية للدولة؟ وهل سنشهد قريبا إلغاء وزارة الثقافة في دول الثورات، بحجة أن الحرية تتعارض مع وصاية الدولة على الفنانين والكتاب؟ الأصوات في مصر تتعالى بين مؤيد ومعارض لبقاء «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، وثمة من ينادي بنسف كل البنى الثقافية الرسمية القديمة، بما فيها وزارة الثقافة، لأنها تليق بالشمولية ولا تناسب الديمقراطية الوليدة. النقاش حاد والآراء متعددة حول موضوع في غاية الحساسية.

أدوار متعددة لعبتها «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في مصر منذ إنشائها في عام 1945 كجامعة شعبية، وحتى تغيير اسمها إلى «الثقافة الجماهيرية»، ثم تحويلها عام 1989 إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة، باسم «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، لتتمتع باستقلال نسبي يحررها من قبضة وزارة الثقافة.
وشهدت الهيئة خلال فترة الستينات من القرن الماضي أزهى عصورها، وتحولت إلى بوتقة لملمت شتات المثقفين في كل أقاليم مصر. وشكلت الهيئة في تلك الفترة رحما للكثير من هؤلاء المبدعين، خاصة الذين ينتمون لتيار اليسار، فسعوا من خلال وجودهم بالهيئة إلى فتح حوار مجتمعي حول قضايا الوطن السياسية والاجتماعية والثقافية، وهو ما أزعج السلطات آنذاك، خشية أن تتحول الهيئة بكل قصورها وبيوتها الثقافية المنتشرة في المحافظات إلى خلايا معارضة تعمل على تقويض الحكم. لكن ذلك لم يؤثر على عمل الهيئة، رغم أنه وضع الكثير من علامات الاستفهام حول علاقة المثقفين بالسلطة الحاكمة.
وقد أنشئت الهيئة أساسا من أجل تنشيط الحركة الأدبية، وإذكاء روح البحث والإبداع، وتبني الأفكار والدراسات الحرة لدى الجماهير. وعلى مدار تاريخها تراوح هذا الدور ما بين السلب والإيجاب. وحاليا، يحتل نشر الكتب المساحة الأوسع من أنشطة الهيئة، بينما تقتصر الأنشطة الأخرى على المشاركة في المناسبات العامة، فهل تكلس عمل الهيئة ولم تعد تقوم بالدور المنوط بها، وأصبحت تحتاج إلى إعادة هيكلة، بعدما تضخم جهازها الإداري وتراكمت مساوئه وأخطاؤه، مما حدا بالكثيرين للمطالبة بإلغائها باعتبارها من مخلفات النظام الشمولي الذي انتهى، في حين يرى آخرون أن وجود الهيئة والمحافظة عليها ضرورة يفرضها الواقع الثقافي بكل أزماته وتحولاته؟!
الشاعر بهاء جاهين، المشرف على الصفحة الأدبية بصحيفة «الأهرام»، يرى أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تقوم بدور كبير للوصول إلى الجمهور «فلها أنشطة كثيرة ومتنوعة، وهي تتيح للناس شراء الكثير من كتب التراث بأسعار زهيدة، في حين أن دور النشر الخاصة تطرح الكتب بأضعاف هذه الأسعار. كما أن الهيئة تقدم خدمة جليلة للأدباء ذوي المواهب في الأقاليم، حيث تطبع لهم إبداعاتهم لكي يتعرف الناس عليهم».
أما عن الأخطاء التي يمكن أن تؤخذ على أداء هذه المؤسسة، فيرى أن «هذا شيء طبيعي. فمن منا لا يخطئ؟ لكن ما تقوم به من نشر إبداعات الأدباء في الأقاليم والمحافظات المصرية شيء مهم، كما أن دورها بشكل عام كبير وفاعل».
أما الروائي إبراهيم عبد المجيد فيرى أن «وزارة الثقافة بكل المؤسسات التابعة لها، بما فيها الهيئة العامة لقصور الثقافة، يجب أن تلغى، فوجودها غير مبرر؛ حيث إن وزارة الثقافة لم يعد لها من وجود إلا في المجتمعات الشمولية مثل الاتحاد السوفياتي»، ويضيف «العصور الذهبية للهيئة العامة لقصور الثقافة انتهت مع نهاية السبعينات من القرن الماضي وما قبلها، أيام كانت تسمى (الثقافة الجماهيرية) في أواسط الستينات، لكن دورها خلال الفترات الأخيرة أصبح متكلسا، كما كل المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة». وعن النشر في الهيئة قال عبد المجيد «هناك بعض الكتب الجيدة، وبخاصة كتب التراث، أما عن باقي الإصدارات وما يخص الكتاب الجدد فأنا لا أراها ولا أتابعها».
واتفق الشاعر سمير عبد الباقي مع عبد المجيد، على اعتبار أن «دور وزارة الثقافة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة كان يتركز على ثقافة الجماهير، بسبب هيمنة الأجهزة الأمنية وتوجيهها لخدمة النظام، وكذلك تضخم الجهاز الإداري بها، بما في ذلك الهيئة العامة لقصور الثقافة».
وعن المؤتمرات والمهرجانات التي تقيمها الهيئة قال عبد الباقي «المؤتمرات والمهرجانات مرتبطة بالمجتمعات الاشتراكية، وهي سياسة مظهرية بها (جعجعة) أكثر منها ثقافة، ومؤتمر أدباء مصر في الأقاليم خاصة كان هدفه، منذ البداية، تدجين المثقفين وكم أفواههم عن النظام ومساوئه».
وأضاف عبد الباقي «الهيئة العامة لعبت دورا مهما في تثقيف الجماهير أيام سعد الدين وهبة، وأيضا في عهد سعد كامل، لكن الأجهزة الأمنية عزلته، وجيء بالتكنوقراطيين من أساتذة الجامعة على رأس المؤسسة، وحولوا الثقافة إلى (دكانة) تخدم النظام وترعى مصالحه». وأشار عبد الباقي إلى أن «الدعوة لإلغاء جهاز الثقافة الجماهيرية ممكنة إذا توافر مناخ ديمقراطي وأحزاب قوية ومتنوعة تستطيع أن تتولى أمر الثقافة في المجتمع. فالثقافة ليست عبثا، كما أنه ليس من الإنصاف تحميل القائمين عليها الآن مسؤولية الأخطاء والسياسات المتخبطة لأسلافهم، فالهيئة بها السلبي والإيجابي أيضا، ومشروع النشر بها جيد».
الباحث والقاص قاسم مسعد عليوة، الذي قدم مقترحا بمشروعية إلغاء وزارة الثقافة في بحث نشر له أخيرا، يقول إن «الهيئة حملت عبء التثقيف الجماهيري في فترة السبعينات. أما منذ الثمانينات فأصبح هناك اتجاه لتفتيت كل ما هو نافع جماهيريا، وبدأت الهيئة تعاني من ذلك، ويجب عليها تبني ثقافة حقيقية وعدم التوجه إلى نخبة بعينها أو تيار بعينه، لأن دورها الحقيقي هو تثقيف الجماهير بكل طبقاتهم. الهيئة بها وحدات تنظيمية لثقافة العمال والطفل والمرأة، هذا بخلاف الفنون، والثقافة عنصر متداخل في جميع مناحي الحياة».
وأضاف عليوة «لست راضيا عن أداء الهيئة، لكن الأساليب الإدارية المتبعة الآن بها قدر محدود من النضج رغم الفساد المتراكم إداريا وسلوكيا». وعن مشروع النشر في الهيئة قال «لوحظ مؤخرا شيوع الأعمال الإبداعية متدنية المستوى، ويمكن اعتبارها إهدارا للمال العام».
أما الناقد الروائي سيد الوكيل، رئيس تحرير سلسلة «أصوات أدبية» التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فيقول «علينا أن نكون حذرين في التعاطي مع مثل هذه الطروحات التي يرددها مثقفون كبار بحسن نية أو بعنترية لغوية، هناك فئات يهمها تفكيك المؤسسات المفصلية للدولة، لتصبح لقمة سائغة لهم، يهيمنون عليها ويعيدون تشكيلها وفق أهدافهم». وأضاف «إذا كان هناك خلل في مؤسساتنا الثقافية، فجدير بنا إصلاحها ودعمها لتتخطى أزماتها، لا هدمها، وليس صحيحا أن

وزارة الثقافة غير موجودة إلا في الدول الشمولية، ففرنسا، وهي مركز الليبرالية في العالم، بها وزارة ثقافة لها حيثية كبرى تتناسب مع تاريخ فرنسا كمركز لثقافة أوروبا. مصر كانت وما زالت مركزا لثقافة العالم العربي، وهي جديرة بأن تكون لها وزارة ثقافة قوية وفاعلة».
وقال الوكيل «لنفترض جدلا أننا ألغينا وزارة الثقافة، يبقى السؤال: لمن نسلم مؤسساتها؟ هل لرأسمالية ساذجة وغير ناضجة لتصبح الهيئة العامة، مثلا، نموذجا آخر من (ساقية الصاوي)؟ أم نسلمها لمنظمات مجتمع مدني وهمية وتسيطر عليها الدولة؟ باختصار، لنجد بديلا ناضجا وقادرا، وبعد ذلك نتكلم، أما الآن فكل ما يقال (هرطقة) غير واعية، أو مغرضة».
رئيس الإدارة المركزية للشؤون الثقافية في الهيئة العامة لقصور الثقافة، الشاعر محمد أبو المجد، يؤكد أنه «لا يمكن القول بأن انحسار دور مؤسسة ما في المشهد المصري الراهن أمر بات محسوما، فتلك مسألة يجب أن تخضع لدراسات ومسوح كثيرة، إلا أن وجود وزارة للثقافة في مصر حاليا أمر لا يمكن الاستغناء عنه».
ويعتبر أبو المجد أن وزارة الثقافة هي لاعب المهارات الأساسية الذي يقوم بصياغة جماليات الإبداع والابتكار ويقدم القوة الناعمة التي يصعب إهدارها. ولذلك يرى أبو المجد أن «تقويض دور مؤسسة للثقافة في مصر وبشكل غير مدروس سوف يؤثر على القيمة الحضارية والتاريخية للبلاد، ويضعف من قوة وجودها وتأثيرها في العالم».
وحول ما يشاع عن تراجع دور الهيئة العامة لقصور الثقافة، يؤكد أبو المجد أنه «كلام لا يستند إلى الواقع، إذ تقوم الهيئة بدور ثقافي بارز ومهم في الحياة الثقافية على مستويين ونمطين، أولهما ما يمكن تسميته تقديم صناعة الثقافة الثقيلة، وثانيهما تقديم الخدمة الثقافية».
وأوضح أبو المجد أن «من مظاهر صناعة الثقافة الثقيلة ما تنظمه الهيئة من مؤتمرات واحتفاليات ومهرجانات كبرى، تمتد من 3 أيام وتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 10 أيام، ويشارك في هذه الفعاليات في كل مرة ما لا يقل عن مائتي شخص ما بين مختص وباحث وناقد ومسؤول».
وتابع أبو المجد «الهيئة تأخذ على عاتقها تبني دور (الناشط الثقافي) في ما يتعلق بالتأسيس أو التكوين الثقافي للمواطن المصري، فهي تقدم عددا من الأنشطة الثقافية المتصلة باللحظة الراهنة في محاولة لاستشراف مستقبل الوطن، وهو ما حدث بشكل مكثف عقب الثورة، وما سيساعد على تحويل نسبة كبيرة من الجمهور إلى نخب بشكل تدريجي».
واختتم أبو المجد قائلا «الدور الذي تتبناه هيئة قصور الثقافة منذ عقود طويلة مهم في المنعطف التاريخي الذي تمر به مصر حاليا، والتفكير في إنهاء دور وزارة الثقافة أو هيئة قصور الثقافة هو ضرب من ضروب قتل الثقافة المصرية الرسمية».
واقترح أبو المجد إعداد دراسات جدوى، وخطة للتحول التدريجي من النظام المؤسسي الكامل (الحكومي) إلى نظام التشارك أو التعاون بين المؤسسة الرسمية وقطاعات المجتمع المدني.
وعلى نحو آخر يتفق مع هذا الرأي الشاعر مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للتدريب وإعداد القادة الثقافيين بالهيئة، قائلا «الهيئة العامة لقصور الثقافة تقوم بدور مهم في إعداد الكوادر، وإن لم نترك جيلا مدربا وواعيا بالعمل الثقافي فثق تماما أن الخراب الروحي سوف يبتلع أجيالنا القادمة. علينا أن نتوقع ما سيكون عليه حالنا في المستقبل القريب والبعيد، وذلك في ضوء تحليل بيانات الماضي والحاضر».
وأضاف شومان «لدينا أحلام كثيرة، لكنها لن تتحقق إلا من خلال الدعم، فميزانية البرامج التدريبية طوال العام أقل من ميزانية مسرحية تعرضها مسارح الدولة ولا يشاهدها أحد. من هنا سأظل أصرخ: لن ينصلح حال العملية الثقافية إلا من خلال التدريب، ولا يجب أن يقتصر ذلك على التدريب الداخلي، بل لا بد من التواصل مع الدول المتقدمة ثقافيا التي تقوم بتخطيط وعي أبنائها».
واختتم شومان كلامه بالقول «لدينا أفكار جريئة ومساحات تعلي من قدر العلم، وسنولي عناية كبيرة لتدريب شباب الهيئة، وندحض الدعوة لإلغائها، ولكي يتولى قيادة العمل الثقافي من تربى في أحضان (الثقافة الجماهيرية)، شرط أن يكون مدربا ومبدعا وواعيا بالدور الثقافي الذي يجب أن تستعيد به مصر مكانتها عربيا وعالميا».


منقول بتصرف من صحيفة الشرق الأوسط *