رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصور الثقافة تحارب مشروع مسرح "الجرن"

جانب من حفلات مسرح
جانب من حفلات مسرح الجرن

مع وصول الرئيس السادات إلى الحكم، وقد تُركت الساحة الجماهيرية لبعض التيارات الأصولية المتشددة، ما أدى إلى تراجع القيم المدنية وسيادة مفاهيم بدائية وبدوية، ورؤى شكلية "دينية" تتمسك بالقشور، وتقولب المجتمع المصري في إطار قرون العصور الوسطى دون مراعاة لفوارق الزمان والمكان والأحوال والنيات والمقاصد.

وفي إطار مقاومة المد الأصولي، ونشر القيم الحديثة، قام بعض المثقفين والفنانين بإعداد وتنفيذ مشاريع فنية وحضارية استهدفت، أولا وقبل كل شيء، الإنسان/ المواطن البسيط؛ وسعيا وراء تحقيق هذا الهدف، حطم الفنانون -أصحاب هذه المشاريع- أسوار الأبراج العاجية، واتصلوا وتواصلوا مع "الشارع" السياسي، من المدخل الأكثر الأهمية، ألا وهو المدخل الثقافي والفني.
ضمن الذين "نَصّبوا" المواطن المصري نصبَ أعينهم، يبرز ويلمع اسم المخرج الفنان أحمد إسماعيل بمشاريع مسارح القرية ومسرح الجرن، الذي أخذ على كاهله تنفيذ مشاريعه، بشكل شخصي، ودون الركون إلى المؤسسة ببيوقراطيتها وفسادها، لمدة تقارب الخمس والثلاثين سنة.
وحين تولى د.أحمد نوار رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة، طلب من المخرج أحمد إسماعيل نقل مشروع مسرح الجرن إلى حضن "الثقافة الجماهيرية" في إطار جهود نوار لوضع الهيئة مع خارطة أهدافها، والاضطلاع بمهام تنويرية، كانت الهيئة تقوم بمثيلتها في الستينيات من القرن العشرين، وبدأ العمل في المشروع، وكُلف إسماعيل –صاحب الفكرة ومؤسسها- بالإشراف الفني على المشروع.
خلال الأسبوعين الماضيين، قدم المشروع فعاليات الحفلات النهائية لنشاط مسرح الجرن لهذا العام، حيث قام تلاميذ المدارس الإعدادية من البنين والبنات، في عشر قرى مختلفة، بالإعداد لحفلات نشاطهم الأدبي، وتقديم حصاد ثلاثة شهور ماضية من ممارسة إبداعات القصة والشعر وجمع حكايات قراهم وتقديم الأغاني والألعاب الشعبية، وإقامة معرضهم من خدمات البيئة ومخلفاتها، فضلا عن مشاركتهم الجماعية في تأليف وإخراج عرض مسرحي يعبر عن أفكارهم ورؤاهم الخاصة.
وفي عرض "دكاكين الحرية" الذي قدمته مدرسة "المنشأة قبلي" بمحافظة الغربية، تساءلت تلميذة عن الاختلاف بين الولد والبنت، وعن سبب التفرقة في المعاملة من جانب الوالدين، وازداد انفعال هذه الطفلة إلى أن قالت: "مافيش فرق بين الولد والبنت". في هذه اللحظة أطلقت امرأة عجوز، كانت موجودة ضمن صفوف الحاضرين، زغرودة طويلة، وبدت السيدة بملامحها المصرية محتفية بالبنت وبرأيها، لاحظ هنا تلاشي الفرق بين الأجيال، ونشر مثل هذه الأفكار من مكاسب المشروع الذي يجب التمسك به والحفاظ عليه.
لكن قيادات الثقافة الجماهيرية أبوا أن يسمعوا هذه الزغرودة، ربما لأننا لم نلحظ في أي عرض وجود أي من تلك القيادات، سواء رئيس الهيئة أو نائبه أو رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، وربما لعدم إيمان هذه القيادات بالمشروع أو بأهدافه، وهو ما اتضح في كيفية التعامل مع المشروع ومع مؤسسه والمشرف الفني عليه؛

حيث تم التعامل مع الإشراف الفني بإعتباره شأنا وظيفيا، وليس عملا فنيًا، وتقرر إقصاء أحمد إسماعيل عن الإشراف على "مشروعه" بحجة بلوغه السن القانونية، وهي حجة غير صحيحة، حيث يوجد الكثير من المخرجين، ويقوم بعضهم بالإشراف الفني بالهيئة، ورؤساء تحرير السلاسل الذين تجاوزوا السن القانونية، كما أن هناك ثلاثة من المشرفين الفنيين بالمشروع تجاوزوا السن القانونية.
نؤكد أن بقاء المشرف الفني بعد تجاوز السن القانونية مسألة قانونية سليمة؛ ولذا فإننا نقرأ إقصاء إسماعيل كخطوة للقضاء على المشروع، وتُسأل القيادات عن أسباب ذلك، ودون الاستماع إلى تنويه المخرجين المشرفين بالأقاليم، إلى أن ثمة خطورة تحيط بالمشروع، وقد لا يحقق أهدافه المرجوة منه.
تعيدنا طريقة التعامل مع "إسماعيل"، إلى التعالي والعنجيهة التي تعاملت به نفس القيادات مع الراحلين إبراهيم أصلان وخيري شلبي، وآخرين كانوا يتولوا رئاسة تحرير السلاسل بالهيئة، ما يثبت أن ثمة تربص بالفنانين والمثقفين من جانب قيادة، كنا نظنها تنويرية، إلا أننا اكتشفنا، وبتآمرها على المشروع والعاملين به، تغازل بعض التيارات الدينية التي أدت الانتخابات إلى اعتلائها السلطة التشريعية وقد تتولى السلطة التنفيذية قريبا.
إننا وحين نناقش هذا الموضوع، فإننا نشير إلى عقلية بيروقراطية تسيطر على الهيئة، ما يعوق العمل الثقافي، فبدلا من دعم المشاريع التنويرية والتربوية بخاصة التي تستهدف الطفل والمرأة، يتم إعاقة تحقيق المشروع لأهدافه عبر إبراز الحجج القانونية/ الوهمية، والدخول في دهاليز المؤسسة وفسادها.
وبدلا من البدء في بناء المسارح المفتوحة، والتي تم تخصيص الأرض لها منذ أربع سنوات وعددها ستة مسارح ومساحة كل منها حوالي ألف متر مربع، كبداية لتعميم البناء في كثير من القرى الأم، تقوم قيادات الهيئة بغلق "دكاكين الحرية" والتي يفتحها تلاميذ المدارس في ظل ضعف الإمكانيات والتجاهل من كبار المسئولين.