رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اقرأوا تقرير"العطيفي" قبل فوات الأوان

في يوم 6 نوفمبر عام 1972 وقعت إحدى حوادث الفتنة الطائفية في مدينة الخانكة التابعة لمحافظة القليوبية، وكانت من الحوادث المبكرة في هذا الشأن،

أقام مسيحيو المدينة مبنى بسيطا ليكون مقرا لجمعية أصدقاء الكتاب المقدس، لكنهم حولوه إلى كنيسة لإقامة الشعائر الدينية دون استخراج ترخيص.

 

أثار ما حدث بعض المسلمين فأشعلوا النار في مقر الجمعية في ذلك اليوم المذكور.

وكان رد الفعل المسيحي بعد أقل من أسبوع من الحادث،حيث انتقل عدد كبير من القساوسة بسياراتهم ومعهم مواطنون مسيحيون إلى مقر الجمعية يوم 12 نوفمبر، وأقاموا شعائر الصلاة فيها، وفي مساء ذلك اليوم خرجت مسيرة احتجاجية لبعض المسلمين في المدينة اعتراضا على ما حدث، لكن أعيرة نارية انطلقت فوق رؤوس المتظاهرين من مسدس شخص يدعى غالي أنيس بشاي فأشعلت الموقف، وأدت إلى قيام بعض المتظاهرين بالتوجه إلى منزل هذا الشخص وإلى أماكن أخرى، وأشعلوا فيها النار.

اهتمت أجهزة الدولة بهذا الحادث اهتماما كبيرا، وتحركت لوأد الفتنة، وقرر مجلس الشعب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق برئاسة الدكتور جمال العطيفي وكيل المجلس، وأحد القانونيين البارزين، ووزير الثقافة والإعلام فيما بعد.

انتهت اللجنة من وضع تقريرها الشهير، وسلمته إلى مجلس الشعب يوم 26 نوفمبر عام 1972، أي خلال الشهر نفسه الذي وقعت فيه الأحداث.

من يقرأ التقرير - وهو موجود على بعض مواقع الإنترنت- يدرك أن أسباب التوتر الحالية عام 2011 مشابهة للدوافع الناتج عنها أحداث عام 1972، لكنها تحتاج إلى إعادة قراءة، وأن تكون هناك إرادة سياسية للتفكير في الحلول البسيطة التي وضعتها لجنة العطيفي.

فقد توقعت اللجنة مبكرا ما يمكن أن يحدث إذا لم يُعالج الأمر في بداياته عندما أشارت إلى أنه "ما لم ننفذ إلى هذه المشكلة في أعماقها ونتعقب الأسباب المؤدية إليها, ونقترح لها علاجا فإن هناك خشية أن تتوقف المتابعة حينما تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع, ويفتر بذلك الاهتمام بإيجاد حلول دائمة، لا تقديم مسكنات وقتية, مما يهدد بعودة الداء الكامن إلى الظهور أشد خطرا وفتكا".

توضح اللجنة أنه لم يكن هناك حظر على بناء الكنائس عندما فتح عمرو بن العاص مصر، ووصل الحد إلى أن الواليين العباسيين الليث بن سعد وعبدالله بن لهيفة قاما ببناء الكنائس، وأكدا أن هذا الفعل من "عمارة البلاد".

ووضعت اللجنة يدها على أحد معوقات حرية العبادة في مصر، وهو أحكام الخط الهمايوني الصادر في فبراير عام 1856 في العهد العثماني، والذي أخضع تنظيم إقامة الكنائس أو تعميرها وترميمها للباب العالي.

وتوضح اللجنة أنه في شهر فبراير عام 1934 أصدر وكيل وزارة الداخلية قرارا بالشروط التي يتعين توافرها للتصريح ببناء كنيسة، وقد سميت بالشروط العشرة, وعندما تتحقق جهة الإدارة من توافرها يصدر قرار جمهوري بإقامة الكنيسة، وهذا النظام ما زال ساريا.

وتشير اللجنة إلى أن كثيرا من الكنائس القبطية قد تقادم عليها العهد، وليس من المعروف كيفية تطبيق الخط الهمايوني بشأنها. ويعد هذا الوضع من أهم الأسباب لوقوع التوتر، ما دعا اللجنة إلى التنبيه إلى ضرورة إعادة "النظر

في أحكام الخط الهمايونى وقرارات وزارة الداخلية في هذا الشان تجنبا لحالة شاعت، وهي تحويل بعض الأبنية أو الدور إلى كنائس دون ترخيص، وما يؤدي إليه ذلك أحيانا من تعرض بعض الأهالي له".

ويشير التقرير أيضا إلى أن اللجنة راجعت الحوادث الواقعة في العامين الأخيرين في ذلك الوقت "فتبين لها أن معظمها يرجع إلى إقامة هذه الكنائس بغير ترخيص وتصدي الإدارة أو بعض الأهالي للقائمين عليها". واقترحت اللجنة تبسيط إجراءات الترخيص، وأن تتقدم البطريركية "بخطتها السنوية لإقامة الكنائس لتدرسها الجهات المختصة دفعة واحدة بدلا من أن تترك للمبادرة الفردية للجمعيات أو الأشخاص ودون تخطيط علمي سليم".

وينبه التقرير إلى جانب آخر مهم، هو العظات التي تصدر من بعض الدعاة المسلمين ورجال الدين المسيحي، ويكون فيها مساس بالعقائد، و ما تقوم به بعض الجمعيات الاجتماعية الإسلامية أو المسيحية من تجاوز حدود عملها، إلى ممارسة الدور التبشيري. وتبين للجنة "من استقراء الحوادث التي حققتها النيابة العامة بشأن النشاط الطائفي، ومن المناقشات التي أجرتها مع المسئولين في مشيخة الأزهر وفي البطريركية على حد سواء, أن بعض الجمعيات قد نسب إلى بعض أعضائها توجيه مطاعن أو توزيع منشورات تنطوى على إساءة للأديان الأخرى أو القائمين عليها , كما أن بعض الجمعيات يتزايد عددها في الحى الواحد إلى حد لا يمكنها من أداء رسالتها في فاعلية وبمسئولية, وأن بعضها ينسب إليه القيام بنشاط تبشيري سواء بالنسبة للمسلمين أو حتى داخل نطاق المذاهب المختلفة في المسيحية، بينما أن رسالته التبشيرية يجب أن توجه إلى أفريقيا والعالم الخارجي، لا إلى المواطنين في مصر الذين يجب أن نحمي حريتهم وعقيدتهم الدينية من أي تأثير مصطنع".

تقرير لجنة العطيفي يقتضي إعادة قراءته، في ظل ما تتعرض له البلاد من توتر تتصاعد وتيرته، وما زالت أسبابه التي ذكرها التقرير قائمة، فهل من حكماء يضعون حدا للأمور قبل أن تتفاقم الأوضاع ونندم عندما لا يكون الوقت ملائما لإعادة الزمن إلى الوراء؟