رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بالصور.. العمل بعد سن المعاش.. خيول الدولة المضروبة بالنار!

سيد عبد الظاهر عامل
سيد عبد الظاهر عامل أمن

 

في منتصف الليل، صيحات ترتفع، وآلم مكبوتة تنهش أجسادهم، فرغم نبرة الحزن في صوتهم، إلا أنهم لم يقبلوا الهزيمة، ورفعوا شعار «أن العمر مجرد أرقام»، ظروف الحياة القاسية اجبرتهم علي العمل مادام لهم في العمر بقية، يعتبرون الأجازة المرضية رفاهية، وذكريات تفتح لماضي مكتظًا بالتفاصيل، بحروب عملية لم تنته بعد.

بعد عمر الستين، وبلوغ سن المعاش، لسنوات تقارب النصف قرن، شهدت حروب عديدة في مجالتهم، سنوات متواصلة من العمل، فمنهم من يتمني الراحة، ولكن دون فائدة، يحلمون باليوم الذين يمكثون فيه بالمنزل وسط أسرهم بدون إزعاج القيادات بالعمل، فعجلة حياتهم لا تتوقف عن الرقد خلف الالتزامات التي لا تنتهي بل وتصبح أثقل بكثير عن الماضي.

الطرقات فارغة، والانوار خافتة، وقطرات المطر تتساقط علي جانبي الطريق، يجلس سيد عبد الظاهر، في العقد السادس من عمره، أمام معرض السيارات، يعمل موظف أمن من منتصف الليل حتى العاشرة صباحًا، بجواره راديو صغير، مظبوط دائمًا علي اذاعة أم كلثوم لتواسي وحدته طوال الليل علي أنغام حفالتها، وسخان مياه صغير لصنع كوب شاي يروي به عيناه المتعطشة للنوم.

التجربة كانت قاسية في البداية، هكذا بدأ عبد الظاهر في كشف حكايته، قائلاً:« كنت أعمل في أحد الشركات الخاصة، وبعد بلوغ سن المعاش، كان لابد من أكمل العمل علشان خاطر أولادي.. عندي 3 بنات الكبيرة فيهم في منتصف العشرينات، المسؤليات بتزيد مش بتقل، ومفيش لينا وقت للراحة، حياتنا كلها تعب في تعب، بنخلص من التعليم الثانوي والدروس الخصوصية، بندخل في كتب الجامعة، ومرورًا بالجواز ومصاريف العفش».

وأكمل حديثة « بعد بلوغي سن المعاش مكنيش في حل قدامي غير أكمل شغل، المعاش لا يتعدي الألف جنيه من غير حوافز، فكان لازم أنزل واشتغل أى حاجة، والسن حكم علي أني أشتغل فرد أمن علشان قاعد طول الليل، قدام المعرض مش بتحرك كتير».

وتابع قائلاً:«أنا مش ضامن أعيش لغاية بكرة، لازم أسيب حاجة لبناتي، الحياة صعبة عليهم، وأنا خايف يحصل لي حاجة وميعرفيوش يعيشوا»، مطالبًا الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بإعادة النظر في ملف أصحاب المعاشات، لقله حيلتهم في الدنيا، علي حد تعبيره.

أما عن حسين مهران، في منتصف العقد السادس، لازل يرتدي أفضل ما عنده من الملابس، ويمشط ما تبقي من شعره الأبيض، ويلمع حذائه جيدًا قبل مغادرة المنزل، متوجه إلي أحد متجر للهواتف، الذي يعمل بداخلها فرد أمن ليلي، فبعد وفاة زوجته، وبلوغه سن المعاش، من أحد الشركات الخاصة، وجد مهران نفسه وحيدًا، فكل من أولاده الأربعة تزوجوا، ولم يتبقي من ذكريات الماضي، سوى حكايات يرويها علي أحفاده  بالتجمعات الأسرية، التي بالكاد حفظوها بكل تفاصيلها.

يجلس مهران، علي كرسي أمام عتبات المتجر للهواتف المحمولة، لثمن ساعات بداية من منتصف الليل، وبصوت يرتجف من برد الليل يكي لنا حكايته، قائلاً:« أنا خرجت معاش في 2007 ، وكان أول قبض لي 78 جنيه، ودلوقتي وبعد 11 سنة المعاش وصل 965 جنيه، يعني

موصليش الألف جنيه، أعيش أزاي بيهم، وأجر الشقة بس 600 جنيه شهريًا».

 واستطرد قائلاً: « أحنا بنحب الشغل ومتعودين علي الشغل، بس برده نفسنا نرتاح شوية، السن هو إللي بيحكم علينا كدة، بس الدولة رافضة لينا الراحة، المعاش مش هيكفي العلاج والإيجار الشقة والكهرباء، غير مصاريف الأكل.. هنجيب من فين،« أصحاب المعاشات أغلبهم لا حول لهم ولا قوة».

الأمر لم يختلف كثيرًا مع علي عبد العظيم، في بداية العقد السابع من عمره، بشعره الأبيض الكثيف الذي يوحي بالوقار والثقة، قضي أغلب حياته داخل أسوار الحياة العسكرية، فمنذ تطوعه في وزارة الداخلية وحتي خروجه علي سن المعاش، والانضباط  سمه من سماته، واحترام المواعيد والإلتزام بوقت العمل، أفضل ما يميزه، ولذلك لم يجد صعوبة في عمله فرد أمن علي متجر، فرغم تقدم عمره، إلا أنه حسه الأمني مازال ينبض.

«أولادي كل واحد في مواله».. هكذا تحدث عبد العظيم عن الظروف التي دفعته للعمل رغم تقدم عمره،  قائلاً:« ولادي اتجوزوا وانشغلوا بعيالهم، والمصاريف بقي صعبة، والمعاش لوحده مش كفاية، والشغل في أى سن مش عيب طول ما هو شريف، وياريت الحكومة تحس بينا شوية، إحنا مش خيول وأضربنا بالنار».

وفي نفس السياق، أكد البدرى فرغلى، رئيس اتحاد أصحاب المعاشات، أن الدولة قد تخلت عنهم وتريد التخلص عنهم، لافتًا إلى أن ما يتقاضونه لا يكفي لقوت يومهم.

وأضاف فرغلي في تصريحات خاصة لـ "بوابة الوفد"، أن بعض أصحاب المعاشات يضطرون إلى العمل كحارس أمن ليلًا وغيرها، حتى يستطعون العيش وإعالة أبنائهم.

وتسائل رئيس اتحاد أصحاب المعاشات، كيف يعملون وهم فوق الستين والسبعين والثمانين، وهناك شباب لا يجدون عمل؟، مؤكدًا «يكفيهم أنهم قضوا عشرات السنين يعملون».

وتابع، «هؤلاء الناس يمتلكون لدى الخزانة العامة تريليون جنيهًا، وهم يمثلون 9 ونصف مليون»

وشدد بقوله «الحكومة طمعت في أموالهم أعطهم المال القليل»، ملمحًا إلى أنهم قد رفعوا دعوى لدى المحكمة الإدارية العليا، لصرف العلاوات المتأخرة، وذلك لتحسين أحوال أصحاب المعاشات.