رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«تحت السيطرة» أنشودة إبداعية.. ذات قوة ثلاثية «ناعوم... تامر... نيللى»

مشهد من تحت السيطرة
مشهد من تحت السيطرة

«تحت السيطرة» مسلسل اجتمعت له توليفة مميزة من الفنانين جديرة بأن تجعلك تأخذ قرار مشاهدة المسلسل وسط تلك التخمة الدرامية التى قد يضيع وسطها العديد من الأعمال الجيدة، ولكن يبدو أن وجود أسماء مبدعية على التتر كفيلة بجذبك إليه وعلى رأسهم الكاتبة مريم نعوم المتألقة فى ما قدمته من سابق من أعمل تليفزيونية مع بطلتها المميزة نيللى كريم فى مسلسلى «ذات، وسجن النسا»، إلى جانب المشاركة فى كتابة رائعة أسامة أنور عكاشة «موجة حارة» عن رواية (منخفض الهند الموسمى)، أما المخرج تامر محسن الذى ترك انطباعاً مميزاً عنه مع المشاهد بمسلسل «بدون ذكر أسماء» فيبدو أن عمله فى إخراج الأفلام الوثائقية والإعلانات أفادته كثيراً فى الأعمال الدرامية... أما نيللى كريم فيبدو أنه كتبت مع المشاهد عقداً على بياض لمشاهدة أعمالها دون تفكير، لأنها قادرة على الاختيار والخروج من شرنقة النجاح التى قد تصيب المبدع فى سجن نفسه فيها... وفى «تحت السيطرة» قرر المخرج أن يرسمها كالوحة مميزة منذ بداية التتر والذى بذل فيه مجهودا بحالة التناغم بين التقطيع السريع للقطات من المسلسل مع مشاهد لحيوانات، وخاصة السمك فى حوضه والمعبر عن حالة الحصار التى يضع فيها المدمن ذاته، والنمر بعيونه المتربصة للانقضاض على الفريسة، وتلك الريشة التى تطير فى الهواء وكأنها تعبر عن حالة المدمن ومستقبله... والديالوجات بين مريم وحاتم معزوفة راقية من الأحاسيس نسجتها ببراعة مريم ناعوم وعزفت عليها بأداء رائع نيللى كريم، واحتوى خلجاتها المبهر ظافرالعابدين، وخاصة عندما دار الديالوج عن الحنيين إلى الحبييب الراحل، فبمقدار ما كان إنسانياً ومنطقياً إلا أنها جعلت منه إشارة إلى الأسباب الرئيسية فى حالة الخوف والقلق التى تعيشها نيللى كريم، وسر العلاقة المضطربة بينهما رغم حبها الشديد له! فالحوار البسيط بينهما عندما تساقطت دموع نيللى وهى تقول: «رامى مات وكان ممكن أكون أنا كمان ميتة معاه، ساعات بحس إنه مات بسببى وساعات بحس أنه مات علشان أنا أعيش يجعلك تعيش سر الخوف فى حياتها وخاصة أنه سبقه حوار أخر لها: «أنا مش كويسة خالص يا شريف، (هانى عادل) خايفة. كل حاجة حواليا مخوفانى وأكتر حاجة خايفة منها نفسى البيت والناس والشارع، أنا مش قادرة أصدق أن بعد السنين دى كلها لسة بفكر فيه.. أول لما وصلت لقيت نفسى رايحاله»...... ويشدك كثيراً مونولجات مريم مع نفسها لكونها كاشفة لتجربتها مع الإدمان وإحساسها بأنها مسئولة عن ما وصلت إليه.

ولأن ردة المدمن بعد تعافيه تختلف من شخص إلى آخر، فالخوف كان مفتاح العودة لإدمان نيللى كريم وظهر هذا واضحاً وخاصة فى حوارها: «بخاف من حاجات كتير.. تغيير المكان أو الزهق من نفس المكان، الوحدة، الزحمة، السكوت والدوشة، بخاف من الحاجة وعكسها واللى بينهم، واللى مش بيخوفنى عمال يقل، الخوف بقى سارح جوايا مع الدم، وأكتر حاجة بخاف منها خوفى، كارهاه قوى ومش عارفة أهرب منه فين».

وبالطبع كان رائعاً ومميزاً الاستعانة «د. نبيل القط» وظهوره فى المسلسل كمعالج نفسى وإن كانت مريم ناعوم تبدو متأثرة فى هذا الجزء بفيلم العبقرية «ميريل ستريب» «ينابيع الأمل» فى تلك الحالة الخاصة والرؤية المختلفة للعلاقة بين الأزواج نقلت روحها مريم ناعوم وهذا ليس اقتباس ولكن المبدع يستفيد دائماً من رؤى إبداعية أخرى.... وفى «تحت السيطرة» نحن أمام حالة من التواصل بين الممثل والدور المكتوب له ليحولها لشخوص من لحم ودم قد نكون تأكدنا سابقاً من قدرة نيللى كريم، على الذوبان فى الشخصية التى تؤديها فإنها فى هذا العمل برعت أيضاً فى استخدم تفاصيل الأحاسيس التى يعيشها المدمن وإذا كان السيناريو مكتوباً بشكل جيد إلا أن الاداء نفسه يحتاج إلى أن

يكون الممثل هو نفسه قد تعمق فى قراءة تفاصيل حياة المدمن وهذا ما فعلته نيللى الى جانب أن الإكسسوارات والملابس الملازمة لنيللى كانت مطابقة لتكوينة الشخصية التى تجعلك تتوحد مع أزمتها الإنسانية... أما ظافر العابدين فمنذ أن شاهدناه فى مسلسل «فرتيجو» وهو يشير إلى أنه من الفنانين المالكين لأدواتهم والقادرين على احتواء الكلمات والتعبير عنها بعيونهم وقسمات وجههم قبل تحويلها إلى مفردات ينطقون بها.. وإذا كنا حتى الآن نجد أمامنا وجوهاً لها قدرة معبرة وقادرة على ابتلاع الشاشة، إلا أننى كنت مشدودة للتطور فى الأداء الذى يعيشه الممثل «هانى عادل» فى المسلسل، وأعتقد أنه من الفنانين القادرين على العمل على أنفسهم. أما الحضور الطاغى السابق لسنها فهو من نصيب جميلة عوض، وكالمعتاد أحمد وفيق يمسك بتفاصيل كل مشهد يؤديه، ويبدو أن محمد فراج سيقترن اسمه مع «تامر محسن» الذى قدمه فى «بدون ذكر أسماء»، ولفت النظر إليه وخاصة أنه يقدم نموذج للإنسان الضائع عندما يحب.

وإذا كانت «مريم ناعوم» قد أشارت إلى كتاب «زمالة المدمنين المجهولين»، المسمى «الكتاب الأزرق» والذى أصبح إحدى مفردات مسلسل «تحت السيطرة». الطارح التفاصيل الدقيقة للغاية عن حياة المدمنين، أعتقد أن روح قصة ربع جرام، للكاتب عصام يوسف موجودة أيضاً فى العمل، ولقد كان من المشاهد الهامة إنسانيا جلوس، «نيللى كريم»، مع نفسها، والقراءة فى «الكتاب الأزرق» لأنها وسيلة غير مباشرة للباحثين عن أمل التعافى من تعاطى العقاقير المخدرة وقد يساعدهم فى الالتحاق بها، وكانت وسيلة درامية جيدة لاكتشاف أن مريم مدمنة، واستطاعت مريم ناعوم الدخول بحرفية فنية عالية الاجتماعات المغلقة فى زمالة «المدمنين المجهولين» خاصة أنها للمدمنين فقط، أو الناس الذين يعتقدون أن لديهم مشكلة مع المخدرات. إن الاجتماعات المغلقة تهيئ الجو المناسب للمدمنين لكى يستطيعوا الإحساس بثقة أكبر... ثم أشارت إلى الاجتماعات المفتوحة فى زمالة «المدمنين المجهولين»..

إننا أمام عمل فنى تتضافر فيه كل عوامل الإبداع لإنجاحه من مونتاج قادرة على فهم تفاصيل الشخصيات والتعامل معها بحرفية عالية، وتوافق مذهل بين أداء الممثلين وحركة الكاميرا تشعرك بحالة الخوف والترقب الدائم، والإضاءة الحانية على الشخصيات حينا والكاشفة لضعفهم الإنسانى حينا آخر، والموسيقى التصويرية كانت الجندى المجهول المعبر عن ما لا يمكن البوح عنه بالكلمات... ويبقى فى النهاية أن المخرج «تامر محسن» مخرج يمتلك أدواته، مستشف برؤيته ذات الطابع الخاص، التميز عن المخرجين الآخرين، فكل «مشهد» معه هو تجربة قائمة بحد ذاتها.