رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الحرب على الإرهاب تبدأ بغزو القوافل الفنية لمعاقل الفكر المتطرف

بوابة الوفد الإلكترونية

عندما خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية بهزيمة ساحقة، وعم أغلب المدن الكبري الخراب الذي دائماً ما تخلفه الحروب وراءها

أغلق الألمان الأبواب علي أنفسهم وفكروا سريعاً كيف يمكن لهم العودة، وبداية مرحلة جديدة لبناء وطنهم، وكانت أولي الخطوات هي إنشاء مهرجان للسينما فكان قرار تأسيس مهرجان برلين عام 1951، وكان الهدف منه هو بداية عصر جديد للقوة الناعمة، ألمانيا التي كانت قبل هذا التاريخ لا تعرف سوي لغة قوة السلاح قررت أن تعيد النظر في نفسها من جديد، كان من الممكن أن تفكر في إعادة بناء ترسانتها العسكرية وتقوم بجولة حربية أخري، وكانت تستطيع، ولكنها قررت أن تعطي ظهرها للقنابل والصواريخ والمدافع، وتمنح لغة السينما مساحة أكبر لأن الفن بمفهومه العام شيء يجمع ولا يفرق، العام الماضي في نفس التوقيت طرحت فكرة وفلسفة، والهدف من إقامة مهرجان برلين، واليوم نعيد طرح نفس الفكرة لأننا في مصر الآن أحوج ما نكون إلي لغة القوة الناعمة التي تقاس بها مدي تحضر الشعوب، والهدف منها هو منح الفن والثقافة والفكر والإبداع مساحة أهم وأكبر.
مصر خلال السنوات الماضية نعم لم تدخل في حروب مع دول مجاورة، لكنها تعيش حالياً حرباً أخطر لأن العدو وهو الإرهابي يحاربنا في الظلام ومن داخل الأنفاق، وعن طريق وضع القنابل في الطرق العامة، أي أنه عدو جبان وخسيس، يفتقد لأبسط قواعد الوطنية، من الآخر إنسان خائن يتعاون مع دول لا تريد لمصر الخير، وفي مثل هذه الحروب لابد أن تمنح الدولة الفرصة للقوة الناعمة، وهي الفنون والثقافة، وأهمية ذلك أن الإبداع هو حائط صد قوي ضد التطرف بمعني أن مصر لديها ملايين من الشباب في مختلف محافظات مصر من مطروح في الشمال الغربي إلي العريش في الشمال الشرقي، ومن أسوان في الجنوب حتي الإسكندرية في الشمال، وبين ملايين الشباب ملايين من المبدعين الذين هم بحاجة إلي أن تكون الدولة هي المأوي ممثلة في فتح بيوت وقصور الثقافة لإبداعهم مع وضع برامج غير تقليدية لهذه القصور، بمعني أن زيادة جرعة المهرجانات المحلية في الموسيقي والغناء والشعر والتمثيل، وضع برامج لورش العمل الفنية، حتي لا يترك الشباب فريسة للفكر الإرهابي الذي أصبح يدخل إلي عقولهم عن طريق الدين، ونتيجة لحالة الفراغ الفكري الذي يعيشه أغلب الشباب يكون الصيد سهل المنال.
لذلك وزارة الثقافة عليها مسئولية ضخمة عن طريق قصور الثقافة المنتشرة في كل مدن مصر، لأن دور كيانات هذه الوزارة مثل هيئة قصور الثقافة ودار الأوبرا وصندوق التنمية الثقافية يجب أن يكون مسانداً لدور رجال القوات المسلحة والشرطة في حربهما ضد الإرهاب، لأن تعامل الجيش والشرطة مع الإرهابيين والمجرمين، وبالتالي يجب أن تعمل وزارة الثقافة علي الشباب الذين قد يستقطب إلي الجماعات المتطرفة، خاصة أننا نملك الأدوات ممثلة في بيوت وقصور الثقافة المنتشرة في كل مصر، كما أننا نمتلك ملايين الموظفين في هذه المواقع، وكل قصر ثقافة يمتلك علي الأقل فرقة للفنون الشعبية، وأخري مسرحية، وبالتالي لن تكون هناك أعباء مالية ضخمة سوف تتحملها الدولة، كل ما في الأمر أن يقوم رئيس هيئة قصور الثقافة سيد خطاب بوضع خطة لهذه المواقع، مع دعمها ببعض القوافل الغنائية كما كان يحدث أثناء تولي حسين مهران رئاسة هذا المكان حيث كانت تخرج قوافل للصعيد ومطروح تضم كبار نجوم الغناء من المطربين منهم «الحجار» و«الحلو» و«نادية مصطفي» و«طارق فؤاد» و«محمد رؤوف» وبعضهم كان يغني فوق الجرار الزراعي كبديل للمسرح، حيث كان يصعد المطرب وفرقته إلي أعلي الجرار ويقدم فقرته وسط تفاعل الناس، وهنا لابد أن نذكر اسم الأستاذ سيد عواد الذي كان يتولي أمر هذه القوافل، سواء خلال ليالي رمضان أو غيرها، وكانت الأوبرا خلال فترة الدكتور سمير فرج تقوم بنفس الدور حيث خرجت لكل صعيد مصر في عز إرهاب فترة التسعينات، حيث قدم كل فنون الأوبرا هناك أوركسترا وغناء أوبرالياً وموسيقي عربية، وكبار نجوم الغناء أيضاً.. ووقتها كان يستعين بالصحفيين والإعلاميين لنقل تلك الصور الجميلة، وأسباب استعادة «فرج» بالإعلام أنه كان يريد أن يرسل رسالة للعالم في كل مكان بأن الإرهاب لن ينال من مصر، وكان الوفد الصحفي والإعلامي يضم أهم الصحفيين والكتاب.. وأتصور أن الدكتورة إيناس عبدالدايم أمامها فرصة لإعادة نفس الأمر، مع الاستعانة بالإعلام أيضاً لنقل الصورة الحقيقية إلي العالم، بأن مصر تغني وتسمع وتعزف وتستمتع، هذا بالنسبة لوزارة الثقافة.
أما ماسبيرو وكل قطاعات الإنتاج التي تنتمي إليه فعليها دور أكبر وأهم.. وهو وضح خطط لإنتاج مجموعة أعمال درامية، يكلف بها كبار الكتاب من أصحاب الفكر، ويطرحون من خلالها خطورة الإرهاب، وبناء الشخصية المصرية الوطنية، فالدولة عندما انتجت أعمالاً مثل «رأفت الهجان» بطولة محمود عبدالعزيز في منتصف الثمانينات، وقبله «دموع في عيون وقحة» بطولة عادل إمام في بداية الثمانينات، وعندما قدمت «ليالي الحلمية» وغيرها من هذه الأعمال لم تكن تريد أن تقدم تسلية للناس بقدر ما كانت تدعم فيهم الإحساس الوطني، فالعملان الأول والثاني كانا من سجل المخابرات المصرية، عن بطلين حققا الكثير لمصر من قلب إسرائيل، و«ليالي الحلمية» تناول مصر في عصور مختلفة، والحروب التي خاضتها مصر، وكان الشارع المصري وقت عرض هذه الأعمال يبدو خالياً من المارة، الكل في انتظار الأحداث الجديدة ماذا سيفعل رأفت الهجان، هل سيعود من إسرائيل سليماً أم سيتم القبض عليه؟.. والكل يتحدث عن المشهد الذي يظهر في تتر المسلسل الذي يستيقظ فيه من النوم مفزوعاً، وكذلك الأمر في «دموع في عيون وقحة» هل «جوجو» المدمنة سوف توقع بالفارس المصري «جمعة الشوان» في الفخ؟.. كلها أحداث ارتبطت بمصر، رغم أن من كانوا وقت عرض المسلسل في سن الطفولة أو المراهقة لم يعيشوا الحروب علي الواقع، لكن الدراما منحتهم هذا الجو، وبالتالي زاد لديهم الحس الوطني، الآن يجب أن تعود مثل هذه الموجة من الأعمال مع إسناد البطولة لمجموعة من كبار النجوم الذين نقدر مواقفهم تجاه الوطن حتي نصدق الأحداث، والدولة أمامها فرصة كبيرة أن تبدأ من الآن بتكليف أسماء مثل وحيد حامد وبشير الديك ومحفوظ عبدالرحمن ومجدي صابر بكتابة أعمال تحمل هذا المعني، الآن مصر ليست في حاجة لمثل نوعية الدراما التي يقدمها الشباب الآن من نوعية «السبع وصايا» و«تفاحة آدم» و«سجن النسا» و«السيدة الأولي» مع شديد الاحترام لهذه الأعمال، والضجة التي أثيرت حولها، رغم أن رسالتها هشة، لكن الضجة الإعلامية التي صاحبتها والجيوش المجيشة من المكاتب الإعلامية التي كانت تزف إلينا بيانات في شكل أخبار عن هذه الأعمال، صورتها وكأنها فتح في عالم الدراما.
الوطن الآن في حرب ضد أفكار تهدف وتحاول دفعنا إلي الهاوية بشكل مستفز، ويجب أن تواجه بالتنوير، ودعم أصحاب الأفكار، أما المؤتمرات التي تنظم كل فترة، ولا نخرج منها بشيء سوي شو إعلامي للداعين لها، فالمرحلة الحالية لا تتطلب هذا الآن، واهتمام الدولة بأشباه المثقفين والفنانين في الدراما والسينما والغناء أمر يدعو من حول الرئيس السيسي لإعادة التفكير أيضاً لمن توجه لهم الدعوات لحضور لقاءات الرئيس، وكذلك لمن يكلفون بأعمال فنية، لابد من إعادة التفكير في كل الشخصيات التي نراها كل مرة حول الرئيس في لقاءاته مع الفنانين.. والإبداع الحقيقي لا يخرج إلا من أصحاب الفكر وليس المدعين.. «برلين السينمائي» وضع ألمانيا علي القمة ليس في مجال السينما، ولكنه في شتي المجالات، لأن الارتقاء بالفن هو أول خطوة نحو النهوض بالوطن.