عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأوساط الثقافية تحتفي برحيل "العقاد"

بوابة الوفد الإلكترونية

يمثل العقاد علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي بشكل عام وبشكل خاص فعطاؤه الإبداعي الذي تجاوز الخمسين عاماً أثري خلالها الحياة الثقافية شعراً ونثراً ودافع طويلاً عن الحريات وإن بدا في ظاهره متحفظاً في آرائه ولكن المتأمل لإنتاجه ولغته الصعبة يكتشف كم كان محباً للحرية والجمال ويرى في المرأة  نموذجاً يدعو للحياة والبقاء علي الرغم من أنه لم يتزوج وعاش وحيداً طوال عمره

كتاب «عنى» كتاب للعقاد كان من المفترض أن يكون أهم كتاب فى حياته، لكن لغاية لا يعلمها إلا الله لم يكتب للكتاب أن يصدر وصدر بدلاً منه كتاب «أنا» للكاتب طاهر الطناحى وفى هذا قصة يقول فيها الطناحى الذى كان من المقربين من العقاد .
في نحو السابعة والخمسين من عمره اقترحت عليه أن يكتب كتابا عن حياته فأجابني: «سأكتب هذا الكتاب وسيكون عنوانه «عني» وسيتناول حياتي من جانبين: الأول حياتي الشخصية.. والجانب الثاني حياتي الأدبية والسياسية والاجتماعية أو بعبارة أخرى حياة قلمي».
وكان قد كتب قبل ذلك مقالتين فى مجلة فصول،  الأولى بعنوان «بعد الأربعين» والثانية «وحي الخمسين»... فاعتزمت أن استكتبه سائر مقالاته  ثم أجمعها في كتاب منفرد، كما فعلت في كتاب  «رجال عرفتهم» ... وكان أول ما كتبه بعد هذا الاتفاق مقال «إيمانى».
ثم مقال «أبي» إلى آخر ما كتبه من الفصول التي قربت من الثلاثين فصلا...
فأخذت هذه الفصول وضممت إليها خمسة فصول.. وما كدت أنتهي من جمعها حتى مرض وعاجلته المنية. فرأيت من الوفاء له أن أنشر هذا الكتاب واخترت له عنوان «أنا».
لم يكن كتاب «عنى» والذى لم يصدر أهم كتبه بل كانت هناك كتب أخرى كثيرة على درجة من الأهمية ومنها كتاب «هذه الشجرة».
فقد احتفى العقاد فى هذا الكتاب بالجمال بشكل فلسفى ومن منظوره الشخصى، وخص به المرأة بشكل عميق وفلسفي، وعرض فيه نظريته في الجمال: وبالفعل من يقرأ للعقاد ويدرك صعوبة نصوصه، لابد أن يستوقفه مفهوم الجمال لديه، فهو يرى أن الجمال هو الحرية ..
فيقول «ان الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر الى شيء قبيح تنقبض نفسه وينكبح خاطره ولكنه اذا رأى شيئا جميلا تنشرح نفسه ويطرد خاطره، اذن فالجمال هو الحرية، والصوت الجميل هو الذي يخرج بسلاسة من الحنجرة ولا ينحاش فيها، والماء يكون آسنا لكنه اذا جرى وتحرك يصبح صافيا عذبا. والجسم الجميل هو الجسم الذي يتحرك حرا فلا تشعر ان عضوا منه قد نما على الآخر، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها في هذا الجسد».
وعلى الرغم من اهتمامه بالمرأة ومحاولة التنظير الدائمة لكل ما يخصها فهولم يتزوج أبداً .
«تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده، وجوابي يسير جدا، لماذا؟ لأنني أجد عند العقاد ما لا أجده عند غيره من الشعراء.. لأني حين أسمع شعر العقاد أوحين أخلو إلى شعر العقاد فإنما أسمع نفسي وأخلو إلى نفسي. وحين أسمع شعر العقاد إنما أسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث، فقصيدة ترجمة شيطان لم أقرأ مثلها لشاعر في أوروبا القديمة أو الحديثة. ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه».
هذا هو قول الدكتور طه حسين فى شعر العقاد يوم اجتمع طائفة من كبار أدباء مصر ومفكريها في عام 1934، وأقاموا للعقاد حفل تكريم في مسرح حديقة الأزبكية، حضرها جمهور كبير من الإعلام والوزراء، احتفاءً بقصائده الوطنية، لقد كتب العقاد تسعة دواوين من بين كتبه المائة حيث كان قد بدأ حياته الأدبية شاعرأ.
وكذلك يقول زكي نجيب محمود في وصف شعر العقاد: «إن شعر العقاد هو البصر الموحي إلى البصيرة، والحس المحرك لقوة الخيال، والمحدود الذي ينتهي إلى اللامحدود، هذا هو شعر العقاد وهو الشعر العظيم كائنا من كان كاتبه.. من حيث الشكل، شعر العقاد أقرب شيء إلى فن العمارة والنحت، فالقصيدة الكبرى من قصائده أقرب إلى هرم الجيزة أو معبد الكرنك منها إلى الزهرة أو جدول الماء، وتلك صفة الفن المصري الخالدة، فلو عرفت أن مصر قد تميزت في عالم الفن طوال عصور التاريخ بالنحت والعمارة عرفت أن في شعر العقاد الصلب القوي المتين جانبا يتصل اتصالا مباشرا بجذور الفن الأصيل في مصر».
وإذا ما أرجعنا قول الدكتور طه حسين وزكي نجيب محمود للتوافق الجيلى بينهما فماذا نقول فى قول الدكتور «جابر عصفور» الذى قال عنه «العقاد واحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون، وقبل أن يكتبوه، ولذلك كانت كتاباته الأدبية «فيض العقول»... وكانت قصائده عملا عقلانيا صارما في بنائها الذي يكبح الوجدان ولا يطلق سراحه ليفيض على اللغة بلا ضابط أوإحكام، وكانت صفة الفيلسوف فيه ممتزجة بصفة الشاعر، فهومبدع يفكر حين ينفعل، ويجعل انفعاله موضوعا لفكره، وهويشعر بفكره ويجعل من شعره ميدانا للتأمل والتفكير في الحياة والأحياء».
وإذا ما جاء ذكر العقاد تجد معاركه تسبقه، وهى معارك دخل فيها بكل ما فى ذهنه من قراءات، وما فى وعيه من إدراك، فقد كان ذا ثقافة واسعة، إذ عرف عنه انه موسوعي المعرفة.

فكان يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب  «علم النفس» و«علم الاجتماع».
ودافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيا، وعلميا ككتاب الله وكتاب حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، ودافع عن الحرية ضد «الشيوعية»، الوجودية والفوضوية.
لذلك خاض معارك كثيرة وهى معارك  أفردت لها وقتها المحافل الثقافية صفحات وندوات، وهى المعارك التى جمعها عامر العقاد في كتابه «معارك العقاد الأدبية».
وومنها معاركه مع الرافعي فيما يخص فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان، وكذلك معركته مع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري، ومع الشاعر جميل صدقي الزهاوي حول امتلاك الشاعر للملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية، وأيضاً مع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية.
لم تقف معاركه عند الحدود الأدبية، بل تعدى الأمر إلى السياسة حاله حال كل مثقف مؤمن بما يقرأ وبما يكتب، فبعد ان عمل بالصحافة، صار من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك حامية مع القصر الملكي، مما أدى إلى ذيع صيته واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب، سجُن بعد ذلك لمدة تسعة أشهر عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية؛ وحينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه». وفي موقف آخر أشد وطأةً من الأول.
وقف الأديب الكبير موقفًا معاديًا للنازية خلال «الحرب العالمية الثانية»، حتى إن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب .
عباس محمود العقاد ولد فى أسوان فى 1889 لأم من أصول «كردية»،اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان. واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا؛ حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح المتوافدين على محافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة.
كان عضوا في  «مجمع اللغة العربية بالقاهرة» أصدر كتباً يدافع فيها عن اللغة العربيه ككتابه الفريد من نوعه «اللغة الشاعرة».
منذ تعطلت جريدة الضياء وكان فيها مديرا سياسيا انصرف جهده الأكبر إلى التأليف والتحرير في المجلات فكانت أخصب فترة إنتاجا فقد ألف فيها 75 كتابا من أصل نحو 100 كتاب ونيف ألفها. من أهمها عبقرياته، هذا عدا نحو 15 ألف مقال أوتزيد مما يملأ مئات الكتب الأخرى.
تُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فتُرجم كتابه المعروف «الله» إلى الفارسية، ونُقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبوالشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية. وأطلقت كلية اللغة العربية اسمه على إحدى قاعات محاضراتها .
كما يقع شارع باسمه فى مدينة نصر ويعد من أهم شوارع القاهرة، كما أنتج مسلسل عن حياته بعنوان «العملاق» يحكي قصة حياة العقاد وكان من بطولة «محمود مرسي» محمود مرسي، منحه الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من «جامعة القاهرة».