عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"عصافير النيل" شاهد علي إبداع إبراهيم أصلان

بوابة الوفد الإلكترونية

«الأستاذة الفاضلة مديرة إدارة التفرغ.. تحية طيبة وبعد. فأود أن أزكى الأخ إبراهيم أصلان فى طلب تفرغه، مؤمنا كل الإيمان بأن تفرغه سيكون لخير الأدب الجديد أكثر منه لشخصه.

وهو فنان نابه، له مؤلفات مطبوعة أو منشورة فى الصحف تقطع بموهبة جديدة فذة ومستقبل فريد، ولمثله نشأ مشروع التفرغ، وعند أمثاله يثمر ويزدهر. فأرجو مخلصا أن ينال حقه وأن يكرم بما هو أهله. وتقبلى فائق التحية». المخلص نجيب محفوظ.
كتب الروائى الكبير نجيب محفوظ هذا الخطاب كتوصية للكاتب ابراهيم أصلان الذى غادر عالمنا منذ عامين والذى تحل ذكرى رحيله  اليوم 7 يناير، ويحتفل الوسط الأدبى هذه الأيام به من خلال عدة وسائط أدبية منها ورشة الزيتون التى أقامت أمس احتفالية أدبية له، كان من المقرر أن يحضرها كل من الكاتب والقاص محمد إبراهيم طه، ومحمد محمد مستجاب وسامح فايز وجمال زكى مقار وريم خيرى شلبى وآخرون، ويقدم الاحتفالية الناقد شعبان يوسف.
فى نفس العام الذى أصدر فيه «إبراهيم أصلان» أول أعماله المطبوعة، المجموعة القصصية «بحيرة المساء» 1971، كان الكاتب الشاب، يحتاج خطاب توصية للحصول على منحة تفرغ للكتابة حيث كان يعمل وقتها فى وزارة الثقافة. وكان أصلان وقتها شابا صغيرا ينشر أعماله فى مجلة «المجلة» التى كان يرأس تحريرها الأديب الراحل يحيى حقى، فكان هذا الخطاب من الكاتب الكبير نجيب محفوظ.
أما الأديب الكبير يحيى حقي فقد كان أول من آمن بأصلان وموهبته، ونشر له الكثير من الأعمال في مجلة «المجلة» التي كان حقى رئيس تحريرها في ذلك الوقت، لذلك ربطت علاقة قوية بين حقى وأصلان، ولازمه الكاتب الشاب حتى فترات حياته الأخيرة، خاصة أن الأعمال التى نشرها له حقى فى ذلك الوقت، لاقت ترحيبا كبيرا، فكانت بداية ناضجة، ولم يتلعثم لعثمة البدايات مثل معظم الكتاب، فأعدت له مجلة «جاليرى 68» ملفاً خاصاً عام 1969 بعد نشر مجموعته القصصية الأولى  فى «المجلة» وقبل نشر أول أعماله الأدبية «بحيرة المساء» عام 1971 ثم توالت الأعمال بعد ذلك إلا أنها كانت شديدة الندرة، حتى كانت روايته «مالك الحزين» وهي أولى رواياته التي أدرجت ضمن أفضل مائة رواية في الأدب العربي وحققت له شهرة أكبر بين الجمهور العادي وليس النخبة فقط، وحظيت الرواية باهتمام كبير من النقاد والمثقفين المصريين والعرب، ومنها استوحى المخرج المصري المعروف «داوُد عبد السيد» سيناريو فيلمه الشهير «الكيت كات» الذي حقق نجاحات باهرة، واختير أيضاً من بين أهم مائة فيلم أنتجتها السينما المصرية خلال مسيرتها الطويلة، وقد ساعد هذا على شهرة إبراهيم أصلان وبعدما لاقاه الفيلم من نجاح، سئل أصلان، هل كنت تتوقع للرواية هذا النجاح؟  فكان جوابه: «عندما كتبتها لم أكن أحفل بنجاحها أو حتى انتشارها، وكنت مرعوباً من فعل كتابتها، وحسبي أنني أخذت مادتها من تفاصيل الحياة اليومية للناس الذين عايشتهم، لقد كتبت بتلقائية شديدة، دون افتعال أو إقحام لأيديولوجيات سياسية».
ولعل هذا ما جعل الروائي يوسف القعيد يقول عنه «يجب أن يقام لإبراهيم أصلان تمثال في مدخل حي إمبابة، لأنه خلّد هذا المكان في كتاباته، ولولا أصلان ما كانت الدنيا قد عرفت هذا الكيان الذي كنّا ننظر إليه دائماً بوصفه مبعثاً للمشاكل، ومنطقة للعشوائيات، لكن أصلان نظر إليه نظرة إنسانية وفنية وأخذ أجمل ما فيه».
فقد انتقلت أسرة اصلان إلى القاهرة فى بداية عمره ، وتحديدا في حي إمبابة والكيت كات، بعد ان ولد بمدينة طنطا، محافظة الغربية فى 3 مارس 1935، وظل لهذا الحى الحضور الأكبر والطاغى في كل أعمال الكاتب، وظل يقطن في الكيت كات فى شارع «فضل الله عثمان» ذلك الشارع الذى خلده أصلان من خلال روايته «حكايات فضل الله عثمان» حتى وقت قريب من رحيله ثم انتقل للوراق وهو ايضا حى من أحياء امبابة، ثم أقام في المقطم حتى وفاته.
لم يصل أصلان لمبتغاه من التعليم منذ الصغر، فقد التحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية. والتحق في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجي ثم في أحد المكاتب المخصصة للبريد وهي التجربة التي ألهمته مجموعته القصصية وردية ليل.
  تقلد اصلان مناصب أدبية عدة منها ، انتدابه للعمل نائباً لرئيس تحرير سلسلة «فصول» وكذلك كان مسئولاً لفترة عن القسم الثقافى بجريدة الحياة اللندنية، وأيضا تولى رئاسة لجنة اختيار الأعمال التى تصدر عن مكتبة الأسرة بعد الثورة حتى رحيله. لكن يظل اختياره رئيساً لتحرير سلسلة (آفاق) التى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (1997 – 2000) هو الأكثر إثارة للجدل فى حياته حيث عاش الكاتب ابراهيم أصلان أزمة كبيرة بعد توليه  منصب مدير سلسلة آفاق عربية والتي تهتم بنشر الإبداعات العربية، وكان لنشره رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائي والقاص السوري المعروف «حيدر حيدر» إحداث ضجة إعلامية كبيرة في سنة 2000م. واعتبرت الرواية تحدياً سافراً للدين والأخلاق، وتزعمت صحيفة الشعب التي كانت تصدر عن حزب العمل من خلال مقالات للكاتب محمد عباس حملة عليه وأثارت في هذه الفترة الجدل العارم وقامت المظاهرات بين طلاب الأزهر علي خلفيه استفزازهم بالمقالات التي تتصدي للرواية وترفضها ظنا منهم أنها ضد الدين بالفعل وتم التحقيق مع إبراهيم أصلان وتضامن معه الكثير من الكتاب والأدباء والمفكرين، مما دفع أصلان إلى الاستقالة من منصبه، لأنه اعتُبر أحد أطراف أزمة ثقافية كبيرة دون أن يرغب في ذلك.
«يختلف أصلان عن غيره من الروائيين المصريين في كونه الأقرب إلى نظرية إرنست همنجواي في السرد، والتي تتركز على وصف الجزء البارز من جبل الجليد للدلالة على بقية جسم الكتلة الجليدية الغارقة تحت ماء المحيط، لقد استفاد الكاتب المصري الكبير من هذه النصيحة في أعماله جميعاً.. لقد آمن أن العبرة فيما يتركه العمل الأدبي من أثر على تحولات النوع في عصره.. ليس مهماً أن نكتب كثيراً، المهم أن تكون كتاباتنا مؤثرة».
هذا هو قول الناقد فخري صالح عنه، بعدما تميّز الراحل الكبير بشح كتاباته، حيث كان يطلق عليه بعض معجبيه لقب «الكاتب بالمحو» أي إنه يكتب ثم يمحو، ثم يعيد كتابة عمله الأدبي أكثر من مرة، ليقدمه لقرائه مكتملاً.
لقد عاش إبراهيم أصلان مرحلة الحلم والانكسار والتحولات الاشتراكية، فكتب بشفافية مطلقة قصصه القصيرة عن مواقف عابرة، وعن بشر يلتقون لأول مرة، أو يبيعون أشياء بسيطة، ويبحثون عن أنفسهم في عالم متناقض فيه الخير

والشر والطمع والقناعة والخبث والطيبة والشجاعة والجبن، والمهمش والمنسي،  وقد نجح كثيراً في الكتابة عن أحلام الطبقة الوسطى، والفقراء، الذين يحلمون ويحزنون، وتتحول مطالبهم البسيطة، إلى أحلام وأهداف يخوضون من أجلها المعارك اليومية.
وهذا ما جعل الناقدة جومانة حداد تقول عنه «لم يكتشف إبراهيم أصلان «بارود» الكتابة، باعتباره شيئاً صعباً ونادر الوجود، فقد كان هذا «البارود» بين يديه وفي حياته وعينيه وجسده، وفي فضائه الواقعي المحسوس والوجداني، وماذا فعل لكي ينجح في تقديم هذا «البارود» إلى الناس؟ لم يفعل شيئاً كثيراً، اكتفى بالتقاط الخلاصات الموجزة والمكثفة والمختصرة لهذه الحقيقة، وجعلها في لغة بسيطة لكنها قادرة على اختراق السطح وصولاً إلى القعر».
ظل الهم السياسى رابضا على القلب العليل حتى أيامه الأخيرة، لذلك أسس أصلان مع عدد من الأدباء والفنانين حركة «أدباء وفنانين من أجل التغيير» وكان من أوائل المثقفين الذين انضموا إلي حركة «كفاية» فربما لن نجد في رواياته وقصصه كلاماً عن الفساد أو الغلاء أو تدهور الأوضاع بشكل مباشر، لكننا نجد انعكاسا لهذا كله علي شخصيات أعماله. وإذا كانت أعمال «أصلان» تبدو خالية من الهم السياسي المباشر، فإنه في حديثه لم يكن يتجنب «القضايا الكبيرة» إنما كان يحفر آثارها على وجوه أبطاله كمثال ينحت شخصيات.
توفي إبراهيم أصلان في 7 يناير 2012 بعد فترة مرض قصيرة بمستشفى قصر العيني ودخل أصلان المستشفى قبل عشرة أيام من وفاته على إثر تناوله عقاقير طبية مقاومة لنزلة برد، غير أن هذه العقاقير أثرت سلبًا على عضلة القلب وأربكت وظائفه مما دفع الأسرة إلى نقله للمستشفى، بعد ان ترك وراءه مجموعة من القصص والروايات والجوائز منها، مجموعته القصصية الأولى «بحيرة المساء» 1971 قصص و ترجمت إلى الإنجليزية مرورا بعمله وروايته الأشهر «مالك الحزين» 1983 التى ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والصربية وحتى كتابه «حكايات فضل الله عثمان» وروايته «عصافير النيل» و«خلوة الغلبان» قصص 2003. رواية 1999 ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية، «شىء من هذا القبيل» قصص 2007، «يوسف والرداء» قصص 1987، «وردية ليل» رواية 1991 ترجمت إلى الفرنسية.
من أهم الجوائز التى حاز عليها جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2003م - 2004م. جائزة كفافيس الدولية عام 2005م. جائزة ساويرس فى الرواية عن «حكايات من فضل الله عثمان» عام 2006م.
وقد شكّل رحيل الأديب والروائي المصري إبراهيم أصلان، صدمة لكتاب الرواية ولعشاقها فقال عنه الروائي بهاء طاهر وقت وفاته «أظن أن كل من لديه حس أدبي، وتذوق للنثر العربي، يستطيع أن يشعر أن ما قدمه أصلان، نثر فريد من نوعه، والمتلقي لهذا النثر يجب أن يكون على درجة عالية من التذوق لكي يعرف الفرق بين النثر الذي قدمه أصلان وغيره من النثر الذي لا يضيف إلى القارئ شيئاً من المتعة الأدبية والفنية والفكرية».
أما الناقد طالب الرفاعي فقد علق على وفاته قائلا « إبراهيم أصلان صوت متفرد على الساحة الإبداعية العربية في القصة والرواية، وتفرده بشخصه ومسلكه الإنساني في هذا الزمن الفقير الملتبس، يضيف إلى تفرده الإبداعي الكثير الكثير، وتجعل من فقده حادثاً مؤلماً. لقد عاش كالنسمة، لكنه في الوقت نفسه كان يمتلك من خبرة الحياة وعمق الثقافة وسعة الاطلاع ما يجعل الحديث معه متعة، وقراءة كتبه فائدة كبيرة».
أما الناقد شعبان يوسف قال عنه مؤخرا فى مقال يحيى بها ذكراه: ابراهيم أصلان تفرد فى تبجيل أبطاله وحكاياتهم الطريفة والأعمق انسانيا، انسان أصلان لم يكن بدعة، ولم يكن مخترعا ،ولم يكن لقيطا أو استثنائيا ،لم تكن السياسة شاغلا كبيرا عند أبطال ابراهيم الأوائل ،ولا الأواخر، ونلاحظ أن خيبات أبطاله أكثر بكثير من الانتصارات، كما الواقع تماما، خيبات لها خصائص وجودية أو اقتصادية أو مهنية وأخيرا سياسية، كان ابراهيم يهتم بالتفاصيل الصغيرة التى هى جماع حياة المرء، والانسان فى قصص ابراهيم ما هو إلا مجموعة حكايات صغيرة وتفاصيل بسيطة أو معقدة ، والانسان عنده ليس مجازا وبلاغة وإنشاء، ولكنه مجموعة علاقات عادية تتدرج حتى تصير حركة وفعلا وأثرا طيبا أو شريرا، وهذا الانسان هو شغل الشاغل لدى أصلان منذ أن نشر قصص مجموعته الأولى «بحيرة المساء» حتى كتابه الأخير «حجرتان وصالة»، الذى حوله الكاتب الشاب محمد صلاح العزب إلى سيناريو ،وفى طريقه الآن للتنفيذ.
نهلة النمر