رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر تودع أحمد فؤاد نجم .. "جيفارا" الشعر العربى

بوابة الوفد الإلكترونية

شيعت ظهر أمس من مسجد الحسين جنازة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم الذى توفى فجر أمس عن عمر يناهز 84 عاما بعد صراع طويل مع المرض استمر لعدة أشهر وتم دفنه بمقابر الاسرة بالخفير، وأقيم العزاء فى مسجد بلال بن رباح بالمقطم.

حضر جنازته مجموعة كبيرة من السياسيين الذين تربطهم به علاقة صداقة قوية باعتباره رمزا للمقاومة من بينهم جلال سعيد محافظ القاهرة والدكتور محمد أبوالغار رئيس حزب مصر الديمقراطى والدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع والدكتور أحمد فوزى القيادى بجبهة الانقاذ.
كما رثته المجلات العالمية ومن بينها لوفيجارو الفرنسية التى أطلقت عليه «أمير شعراء المقاومة لكل الأنظمة المعارضة»، رحل نجم بعد حياة حافلة فى عالم الشعر وكتابة الأغانى، وهو أحد الذين قدموا شكلا جديدا من الأغنية من حيث تناولها السياسى فى وقت كان فيه الغناء يتجه نحو أغانيًا ذات صبغة وطنية تعتمد على تمجيد الحاكم والتغنى بانجازاته، وكون مع رفيق عمره الشيخ إمام ثنائيًا هو الأبرز فى عالم الأغنية السياسية كانا بمثابة الجلاد للعديد من الحكام وتم منع أغانيهم من  الإذاعة المصرية نتيجة هذا التناول الساخر واللاذع، ومازالت أعمالهما تمثل وقودا للثورات العربية والباحثين عن الحرية وهو أحد الذين شاركوا فى ثورتى مصر الأخيرتين ٢٥ يناير و٣٠ يونية وكان من الداعمين فيها لإزاحة الإخوان وعودة مصر إلى ابنائها الحقيقيين.
أحمد فؤاد نجم ولد فى 23 مايو 1929 فى قرية كفر أبونجم بمدينة أبوحماد محافظة الشرقية وهو اسم بارز فى الفن والشعر العربى وبسبب ذلك سجن عدة مرات.
فى عام 2007 اختارته المجموعة العربية فى صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيرا للفقراء، نتيجة لبدايته الصعبة التى خلقت منه شاعرا للفقراء، ولد نجم - لأم فلاحة أمية من الشرقية «هانم مرسى نجم» وأب يعمل ضابط شرطة «محمد عزت نجم» وكان ضمن سبعة عشر ابنًا لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، التحق بعد ذلك بكتاب القرية كعادة أهل القرى فى ذلك الزمن.
أدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق حيث التحق بملجأ أيتام 1936 - والذى قابل فيه عبدالحليم حافظ - ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة بعد ذلك عاد لقريته ليعمل راعيًا للبهائم ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
عمل نجم فى معسكرات الجيش الإنجليزى متنقلا بين مهن كثيرة منها لاعب كرة.. بائع.. عامل بناء.. ترزى. وفى فايد - وهى إحدى مدن القنال التى كان يحتلها الإنجليز - التقى بعمال المطابع الشيوعيين.. وكان فى ذلك الحين قد علّم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. واشترك مع الآلاف فى المظاهرات التى اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال.
يقول نجم: كانت أهم قراءاتى فى ذلك التاريخ هى رواية الأم لمكسيم غوركى, وهى مرتبطة فى ذهنى ببداية وعيى الحقيقى والعلمى بحقائق هذا العالم, والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته، «ولم أكن قد كتبت شعرا حقيقيا حتى ذلك الحين وإنما كانت أغانى عاطفية تدور فى اطار الهجر والبعد ومشكلات الحب الإذاعية التى لم تنته حتى الآن.. وكنت فى ذلك الحين أحب ابنة عمتى وأتمناها, لكن الوضع الطبقى حال دون اتمام الزواج لأنهم أغنياء».
وخرج الشاعر مع 90 ألف عامل مصرى من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها اثر إلغاء المعاهدة, وكان يعمل بائعًا حينئذ فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه, «ولكننى تركتها وذهبت».
وفى الفترة ما بين 51 و56 اشتغل شاعرنا عاملا فى السكك الحديدية.. وبعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولى على القاعدة البريطانية الموجودة فى منطقة القنال وعلى كل ممتلكات الجيش هناك.. وكانت ورش وابورات الزقازيق تقوم فى ذلك الحين بالدور الأساسى لان وابورات الإسماعيلية والسويس وبورسعيد ضربت جميعا فى العدوان. وتحدث نجم عن تلك الفترة فى مذكراته قائلا: «وبدأنا عملية نقل المعدات.. وشهدت فى هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها فى حياتى كلها. أخذ المديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم... وفقدت أعصابى وسجلت احتجاجى أكثر من مرة... وفى النهاية نقلت إلى وزارة الشئون الاجتماعية بعد أن تعلمت درسا كبيرا.. أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية, كنت مقهورا وأرى القهر من حولى أشكالا ونماذج.. كان هؤلاء الكبار منهمكين فى نهب الورش, بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعا عن مصر».
وفى وزارة الشئون الاجتماعية عملت طوافًا لتوزيع البريد على العزب والكفور والقرى، وكنت أعيد فى هذه المرحلة اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيتى وتجربتى. شعرت حينئذ رغم أننى فلاح وعملت بالفأس لمدة 8 سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل.. كنت أجد فى الواقع المصرى مرادفات حرفية لما تعلمته نظريا.. كان التناقض الطبقى بشعا.
فى سنة 1959 التى شهدت الصدام الضارى بين السلطة واليسار فى مصر على اثر أحداث العراق انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكى فى العباسية،  - أحد الأحياء القديمة فى القاهرة - يقول نجم: «وفى يوم لا يغيب عن ذاكرتى أخذونى مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال»، والكلام لنجم «وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارا يقول إن العامل الذى مات كان مشاغبا وأنه قتل فى مشاجرة مع أحد زملائه.. ورفضت أن أوقع, فضربت».
وبعد ذلك عاش نجم فترة شديدة التعقيد من حياته إذ وجهت إليه تهمة الاختلاس, ووضع فى السجن لمدة 33 شهرا.
بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين فى عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكى وفى تلك الفترة قام بعض المسئولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه بـ3 سنوات قضاها بسجن «قره ميدان» حيث تعرف هناك على أخيه السادس «على محمد عزت نجم» وفى السنة الأخيرة له فى السجن اشترك فى مسابقة الكتاب الأول التى ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة، وبعدها صدر الديوان

الأول له من شعر العامية المصرية «صور من الحياة والسجن» وكتبت له المقدمة سهير القلماوى ليشتهر وهو فى السجن.
بعد خروجه من السجن عُين موظفًا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الإفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام فى غرفة على سطح أحد البيوت فى حى بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام فى حارة خوش قدم «قدم الخير» أو «حوش آدم» بالعامية ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به حتى أصبحا ثنائيًا معروفًا، وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين. وقد نجحا فى إثارة الشعب وحفز هممه قديما ضد الاستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة ثم ضد غيبة الوعى الشعبى، ويقول نجم عن رفيق حياته انه «أول موسيقى تم حبسه فى المعتقلات من أجل موسيقاه وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم» وقد انفصل هذا الثنائى بعد فترة واتهم الشيخ إمام قرينه أحمد فؤاد بأنه كان يحب الزعامة وفرض الرأى وأنه حصد الشهرة بفضله ولولاه ما كان نجم. ويرى أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة، فالعامية المصرية روح وهى من وجهة نظره أنها أهم إنجاز حضارى للشعب المصرى وأحمد فؤاد نجم شاعر متدفق الموهبة فقد ألف العديد من الأغانى والتى تعبر جميعها عن رفضه للظلم وحبه الفياض لمصر واستيعابه الكامل للواقع الأليم. من بين من غنوا أغانيه على الحجار ومحمد الحلو وعزة بلبع التى تزوجته لفترة، توفى فى 3/12/2013 عن عمر يناهز الـ84 عاما.
قالوا عنه
المطرب على الحجار قال: نجم رحمه الله كان فنانًا ثائرًا فى اشعاره وفى أقواله لم تكن لديه حسابات الفنان، فهو دائما يقول الحقيقة مهما كلفته ويقول رأيه فى وجه أى طغيان لذلك تجده سجن أكثر من مرة على خلفية آرائه السياسية، رحمه الله، افتقدناه فى وقت كنا بحاجة إلى كل أبناء الوطن المخلصين لأن الفترة التى نعيشها حرجة للغاية، لكن إذا كان نجم قد مات فأشعاره باقية بيننا وأغانيه التى كتبها ستظل بيننا تؤرخ لأحداث كثيرة عشناها ستذكرنا بانتصارات وانكسارات لأنه بالفعل كان خير معبر عما يدور فى وطننا.
المطرب محمد الحلو قال: نجم كان كلمة جريئة وسط عالم كان فيه المنافقون «على كل شكل ولون»، لم اره أو اسمعه فى يوم يهادن مع أحد، كلمته كانت مثل طلقة البندقية، وهو إلى جانب ذلك شاعر غنائى له خصوصية شديدة ومفردات تعبر عن كل فئات الشعب، لذلك وصلت أعماله إلى كل الناس بدون مبالغة. بالتأكيد مصر خسرت أحد روادها ولا أتصور أن هناك شاعر عامية يستطيع أن يملأ فراغ هذا الشاعر الكبير.. كانت تربطنى به صداقة قديمة وكثيرا ما كنت أذهب إليه عندما كان يسكن بجوارى فى حى المقطم. وكنت أرى أن أجمل ما فيه انسانيا أنه كان يعيش بطبيعته، اختار الجلابية البيضاء التى يرتديها عامة الناس فى مصر لتكون زيه المعتاد وهو ما يعكس التصاقه بالواقع المصرى وطين مصر.
المطرب أحمد سعد قال: ان فؤاد نجم خسارة كبيرة فى عالم الفن، فأشعاره كانت روح كل ثورة، وحياته مع الشيخ امام كانت ابرز ما قدم، وعندما غنيت له أغانى فيلم الفاجومى قال لى ان الحياة انتهت بعد اشعاره مع الشيخ امام، واضاف سعد عندما سمعت بخبر رحيله تذكرت اغنيتى جيفارا مات التى غنيتها من كلماته وألحان الشيخ امام وكانت ثورة حقيقية، فهو من وجهة نظرى جيفارا فى اشعاره الثورية وفى آرائه الجريئة، كلماته كانت نارا تحرق كل من لا يقتنع بالثورة فى الميدان، رغم الحالة المعيشية الصعبة التى عاشها المصريون فى فترة الارتباك السياسى إلا أنه كان دوما متفائلاً بمستقبل مصر، كان يقول إن مصر مرت بأصعب من ذلك بكثير على مدار تاريخها، وكانت رؤيته فى الإخوان أنهم ركبوا الثورة من أجل أن يضعوا أقدامهم عليها وليس من أجل حماية مصر لأنهم امتداد حقيقى لنظام مبارك الديكتاتورى، واختتم سعد حديثه قائلا: ان اشعاره دوما تعيش فى قلب كل فنان وكل مصرى عرف قيمة وتاريخ أحمد فؤاد نجم.