رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صاحب مصطلح "الإسلام السياسى" يرحل فى هدوء

بوابة الوفد الإلكترونية

عن عمر يناهز 81 عاماً، غيّب الموت المفكر السياسى صاحب الكتب المثيرة للجدل المستشار محمد سعيد العشماوى، بعد صراع مع المرض، أقعده فى بيته لفترات فى السنوات الأخيرة ، وفى المستشفيات لفترات أخرى، توفى صاحب مصطلح «الإسلام السياسى» فى صمت وحيداً بعدما عاش حياة صاخبة، وقد عُرف العشماوى بمواقفه الرافضة لتيار الإسلام السياسى خصوصاً الإخوان والجماعات الجهادية، رغم أنه لفت كثيرا فى حواراته ولقاءاته، إلى أنه ليس علمانيا.

قوبلت كتب المستشار العشماوى بهجوم شرس وصل إلى حد تكفيره من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة، وفى السابع من يناير 1992 ـ حسبما جاء فى تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن مصادرة الكتب ـ قامت لجنة من مجمع البحوث الإسلامية بالتفتيش على معرض الكتاب وصادرت خمسة كتب من جناح كان يعرض كتب العشماوى دون إبداء أى أسباب. وهى (أصول الشريعة صدر فى عام 1979، 3 طبعات، والإسلام السياسى 1987، طبعتان، والربا والفائدة فى الإسلام 1988، والخلافة الإسلامية 1990، ومعالم الإسلام 1990)».
معروف أن سعيد العشماوى تخرج فى كلية الحقوق عام 1954، ثم عمل بالقضاء بمحاكم القاهرة والإسكندرية.عمل بالتدريس محاضراً فى أصول الدين والشريعة والقانون فى عدة جامعات، منها: الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة توبنجن بألمانيا الغربية، وأوبسالا بالسويد، ومعهد الدراسات الشرقية بليننجراد بروسيا، والسوربون بفرنسا، وهارفارد، وبرنستون بالولايات المتحدة، وغيرها. وقد بدأ التأليف بعد تخرجه فى الحقوق بأربع سنوات بكتابات إنسانية عامة، مثل: (رسالة الوجود) عام 1959م، و(تاريخ الوجودية فى الفكر البشرى) عام 1961م، و(ضمير العصر) عام 1968م، و(حصاد العقل) عام 1973م.
ثم بدأت كتاباته فى الفكر الإسلامى بكتابه (أصول الشريعة) عام 1980م، ثم كتاب (الربا والفائدة فى الإسلام)، ثم توالت كتبه الأخرى: (الإسلام السياسى 1979) و(جوهر الإسلام) (الخلافة الإسلامية) و(الشريعة الإسلامية والقانون المصرى) و(إسلاميات وإسرائيليات) و(معالم الإسلام).
ولد العشماوى عام 1932 والتحق بالعمل القضائى، وبلغ منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة، ومحكمة الجنايات ورئيس محكمة أمن الدولة العليا.وكان العشماوى من أوائل الكتاب المصريين الذين أعلنوا بصراحة مواجهة الأفكار الدينية المتطرفة، ووضعته بعض الجماعات الإسلامية المتشددة على قوائم الاغتيال.
فقد كان من هؤلاء المفكرين الكبار الذين يعبدون ويشقون لنا دروباً جديدة غير مألوفة من الأفكار . فهو يعد من أكبر الكتاب والمفكرين المصريين، حيث ترك مكتبة عامرة من مؤلفاته وللعشماوى نحو 30 كتاباً بالعربية والإنجليزية والفرنسية ومنها و(أصول الشريعة) و(الخلافة الإسلامية) و(العقل فى الإسلام) و(الأصول المصرية لليهودية) و(العقل فى الإسلام) و(روح العدالة) و(تاريخ الوجودية فى الفكر البشرى) و(ضمير العصر) و(الشريعة الإسلامية والقانون المصرى) و(الخلافة الإسلامية) و(الصراع الحضارى بين العرب وإسرائيل) و(مصر والحملة الفرنسية).
و المفكر محمد سعيد العشماوى مثقف موسوعى، استطاع ان يحتفظ مع كبر سنه بذاكرة قوية، واهتمامات متشعبة، وفهم مُلفت للتاريخ، والفكر الدينى، وأمراض الثقافة العربية .و هو يعد أول من لفت إلى أن الإخوان حوَّلوا العقيدة إلى أيدلوجيا ، حيث قال فى حوار له :«إن الإخوان المسلمين استغلوا المشاعر الدينية لتحقيق أهداف نسبية، واستخدموا آيات القرآن فى تحريف واضح وتزييف فاضح، وحرفوها عما أُنزلت له، خدمةً للسياسة وخدعةً للناس، وقد تأكد للجميع بما لا يدع مجالاً للشك، أن الجماعة لا تعمل لرفعة الإسلام وإنما تستخدمه لأغراض سياسية، لذلك نشرت كتابى «الإسلام السياسى»، لأُفرَّق بين استخدام الدين للوصول إلى السلطة، والتمكن منها وبين الإسلام المستقيم أو المستنير، الذى يضع الإيمان فى القلب لا فى التنظيم، ورغم ثورة الإخوان فقد استقر وصف «الاسلام السياسى» فى الحديث عنهم، ومعهم كل الجماعات التى حذت حذوهم، وصار التعبير شائعاً ذائعاً فى العالم كله، ولعل ذلك ما جعل مرشدهم السابق «مهدى عاكف» يقر بما صار واقعاً، ويعترف أن الإخوان جماعة سياسية «لتقطع جُهيزة قول كل خطيبِ»
وكان كذلك من أهم آرائه أنه لن يتم أى إصلاح إلا بإصلاح التراث عموماً وفى القلب منه التراث الدينى. وإن ما يُراد العودة إلى تطبيقه ليس «شريعة» وإنما هو فقه يحتج بالشريعة واجتهاد بشرى خالص..
وعن كتابه «أصول الشريعة» و قصته مع الرئيس السادات يقول العشماوى فى أحد حواراته «لهذا الكتاب قصة أحب أن يعرفها القارئ فقد كنت ممثلاً لمصر فى مؤتمر «حق المؤلف»، المنعقد فى مقر «اليونسكو» بباريس أواخر عام 1977م وأوائل 1978م، وكان (توفيق الحكيم) ممثلاً لمصر بمؤتمر المسرح فى باريس وبذات الفترة، وكان جارى بنفس الفندق وبعد الظهيرة كنا نتناول الغداء سوياً ونتناقش حول أمور شتى وجاء فى حديثى معه بيان الفرق بين الشريعة والفقه، وأن الشريعة هى ما نُزّل من الله، والفقه هو ما صدر من الناس، ولا يمكن لأحد أن يعرف حقيقة الآيات، والمقصد منها إلا الله منزل القرآن والنبى نفسه وما عداهما فهو يقول رأيه غير الملزم، ولا يمثل الدين، لأنه اجتهاد بشرى، وعندما نعارضه فنحن نفعل ذلك حيال فكر إنسانى، ولا نتعرض للدين

نفسه، وفى وصايا النبى عليه الصلاة والسلام لبريدة عامله «وإذا حاصرت أهل حصن فأنزلوك على حكم الله فلا تنزل لأنك لا تعرف ما هو حكم الله فيهم، وإنما أنزلهم على حكمك أنت»، وأعتقد أنه لا يوجد ما يفرق بين الفقه والشريعة أكثر من هذا القول، ورأيى أنه لن يتم أى إصلاح فى مصر إلا إذا بدأ بإصلاح التراث المصرى والعربى والإسلامى وفى القلب منه التراث الدينى.
وعندما عدت إلى مصر، وقدمت تقريرى عن مؤتمر «حق المؤلف» لوزير العدل قال لى: إن مؤتمراً لوزراء العدل العرب انعقد فى غيبتى، وأن وزراء العدل جميعاً طلبوا منه أن يبحث عن قاضٍ مصرى يكتب كتاباً فيه تجديد للفكر الإسلامى، فقال الوزير إنه لا يجد من يمكنه ذلك إلا أنا، وبناءً عليه طلب منى الوزير التفرغ لهذا العمل، على أن أكتبه بآرائى الشخصية، التى لم يكن يعرفها، وبالعنوان الذى أتخيره، ومع أن وزراء العدل العرب قدروا أن يكون الاسم «مساقى الشريعة» لكن رأيى كان أنه عنوان غير ذى بريق، فاقترحت أن يكون اسم الكتاب «أصول الشريعة»، ووافق الوزير على أن أبدأ العمل فوراً، لأنتهى منه بعد ستة أشهر، وأقوم بتسليمه فى أول يوليو، وانقطعت لهذا الكتاب ليل نهار فى المدة المطلوبة، فأنجزته وقدمت صورته للوزير، لكن وزراء العدل العرب كانوا قد قرروا عدم عقد مؤتمرهم التالى فى سبتمبر 1979م، نظراً لتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ومقاطعة جميع الدول العربية لنا ما عدا السودان واليمن.
بعد فترة طلبت من الوزير النسخة التى قدمتها له، فسألنى عن السبب فقلت له إننى سوف أطبعها فى كتاب ليكون كتابى الخامس، وتم هذا بالفعل وصدر الكتاب فى شهر مايو من سنة 1980م.
و طلب «السادات» مقابلتى فى استراحة القناطر الخيرية، وذهبت له بعد أن عرفت السبب، ومعى نسخة من كتابى رجعت بها إلى منزلى ولم أتركها له، لأنه استفسر منى شفوياً عما كان يجب أن يقرأه فى الكتاب، وفى هذه المقابلة أحسنت توضيح ما هو الفارق بين الدين والفقه، وقلت له إنى قرأت المسودات التى صدرت عن لجنة تقنين الشريعة، التى كان قد شكلها إرضاءً للجماعات الإسلامية، وبرئاسة الشيخ «عبدالمنعم النمر» الذى كان زميلاً لـ «السادات» فى معتقل الزيتون، أثناء الحرب العالمية الثانية.
نعى عدد من الكتاب والمثقفين العشماوى عبر صفحاتهم للتواصل الاجتماعى منهم المخرج خالد يوسف والدكتور محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون وتاريخه بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق والفقيه الدستورى، وقد وصفه بالصديق.فقال إنه نشر للمستشار العشماوى، أكثر من ثلاثين كتابًا باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، فضلاً عن عشرات المقالات التى نشرت فى الصحافة.وأوضح الدكتور فرحات، أن المستشار العشماوى، أول من صك مصطلح الإسلام السياسى فى كتابه الشهير، وأنه تعرض بسبب كتاباته التنويرية لهجوم ضارٍ على صفحات الصحف من مفكرى الإسلام السياسى، واختتم فرحات تدوينته التى نعى فيها المستشار العشماوى، داعيًا الله له قائلاً:«رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة والجزاء».
كذلك استنكر المخرج السينمائى خالد يوسف التجاهل الإعلامى لوفاة المفكر الكبير وقال عبر تغريدة له بموقع «توتير» :«هل معقول أن نفقد رجلا بقامة وقيمة المستشار سعيد العشماوى ولا نسمع حسا ولا خبرا ولا تغطية إعلامية..».