عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبو الضياء تكتب عن: «وحيد حامد».. العائش بين السطور!

وحيد حامد
وحيد حامد

رصيده الإنسانى أكبر من رصيده الإبداعى

 

وحيد حامد.. لازلت أراه بين السطور بنفس الابتسامة الهادئة، متأهبًا بقول جديد يعبر به عن رأيه، فيما يدور حولنا.. منذ رحيله الجسدى صباح يوم 2 يناير 2021، كنت أراه غير متألم لفراق هذا العالم، فالموت بالنسبة له ليس حجابًا لمن ارتبطوا معه إنسانيا أو فكريا، فلا انفصال أبدا فى عالم المبدعين الخيرين.

 

وحيد حامد له رصيد إنسانى أكبر بكثير من رصيده الإبداعى، لذلك عندما تحتاج إليه بعد يوم 2 يناير 2021 فلا تطلبه هاتفيا، أو تذهب اليه فى المكان الذى كان يبدع فيه، ويستقبل الاصدقاء. ولكن الاتصال به روحى أو ما بين السطور التى كتبها، والإبداع الذى أورثنا إياه. نحن نتحدث اليه ِدونِ كلمات.

 

وحيد حامد الذى خرج من أرض خصبة، وحبلى دوما بالمبدعين، فأنجبته، كما أنجبت يوسف إدريس، أحمد عرابى، عبد الله النديم، عبد الحليم حافظ، عبد الحليم محمود، عبد الحليم نويرة وعبد الله غيث. تركت القاهرة تحتفى برفاته ليسكن فى سالم أرضها.

 

لقد اعتدت منذ يوم 2 يناير 2021، أن أسأله ويجيب من خلال هذا الرصيد الهائل من اللقاءات معه، وما خلفه من سطور، وأعمال تحمل رؤى تنبت فى كل مرة تشاهد فيها عملا له، فكرة كنت لا تعرفها من قبل.

وحيد حامد

فى كل يوم أرى التشدد الدينى الذى يعود بنا الوراء آلاف السنين الضوئية فأذكره عندما كتب بدون أسماء، ودم الغزال ومقالات عدة، فهو يقول: منذ أن دفع الرئيس المؤمن أنور السادات بالتيار الإسلامى المتشدد الجامح إلى عمق المجتمع ومكّنه من الجامعات والمعاهد المصرية مسلحاً بالجنازير والمطاوى، بالإضافة إلى جانب إطلاق سراح جماعة الإخوان المسلمين فى أنحاء الوطن لتنشر فكرها الدينى المختلط بالفكر الماسونى النازى، ومن يومها والمجتمع المصرى فى حالة تحول فكرى وإنسانى وثقافى.. كل طاقات النور تحولت إلى حفر مظلمة، واختفى الحلال وساد الحرام، وتراجع الإسلام الحقيقى وانتشر التأسلم القائم على البدعة.

 

ذهبت جماعة الإخوان، أو توارت بعض الشىء، لتسلم الراية إلى التيار السلفى بكل تنويعاته -وكأنك يا أبوزيد ما غزيت- وتظل الكراهية للآخر وغير الآخر منتشرة ومتوهجة وتملأ النفوس حقداً وغلاً وغدراً.

 

- كان ينحاز فى أعماله إلى القيم النبيلة

 

وفى الآونة الخيرة عانى المجتمع المصرى من انهيار الإعلام، وتحوله إلى إعلام «التريند»، ومنذ ذلك الحين كان يقول: صار الإعلام المصرى فى موقف لا يُحسد عليه، رغم أنه كان الإعلام الصادق والمؤثر والمستنير، وصاحب الريادة والشعبية، أيضاً كان داعماً لسياسة الدولة بمنطق خافت وقليل من الحكمة، ولم يحدث أن غلبه أى إعلام آخر، مهما كثرت أمواله أو انتشرت خدعه.. وكان هناك الرأى والرأى الآخر، الذى يُثرى الحياة السياسية والاجتماعية ويغذيها بالروح الوطنية، ويحارب ولو كذباً نماذج الفساد والإهمال والنفاق، إذ ربما تحدث نتيجة، وكان يبث من خلال المسلسلات والبرامج القيم الإنسانية والأخلاقية، وكانت برامج السهرة مختارة بعناية بحيث تسعد المشاهد قبل أن يغلق عينيه وينام.. أيضا كانت نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية كافة فى غاية الحياد والمصداقية، بحيث كانت المصدر المعتمد لدى المشاهد.. وكانت كل النوافذ الثقافية والدينية والفنية مفتوحة، وكنا نحقق أعلى نسب النجاح بواسطة إعلاميين وإعلاميات بحق، أعطوا بكل المعرفة والحب والإتقان والوطنية. أما الآن.. ومن المؤسف حقاً أن يتم التخلّى عن القواعد الإعلامية الثابتة والتى لا يجوز تغييرها، وإنما يجوز تطويرها.. فالإعلام لا يدار إلا بواسطة إعلاميين.. وأهل الرأى والحكمة يقولون بكل بساطة (كل واحد يشتغل شغلته)، الطبيب طبيب.. والمدرس مدرس.. والقاضى قاض.. والمطرب عليه أن يغنى، ولا يجوز لأى واحد من هؤلاء أن يحل محل الآخر.. لو حدث ذلك تحدث الكوارث.. ولأن الإعلام المصرى الآن فى قبضة غير المتخصصين فى الإعلام، فقد سقط فى حفرة عميقة، الخروج منها ليس بالأمر الهين.

وحيد حامد

«وحيد حامد» كان يرى أن الإبداع الحقيقى وعدم سيطرة أنصاف الموهوبين على المشهد هو الذى سينقذنا، فعبقرية الجملة وحسن استخدامها يتوقف أمامها ويقيس عليها أحوالنا، فلا شك أن عندنا تعساء وأشقياء يسكنهم الحزن ليل نهار وهؤلاء هم الأغلبية. ومثل هذه العبارة تبشرهم بأمل قادم حتى لو كان بعيداً ووقتنا أفضل حتى لو كان قصيراً.. هؤلاء هم الذين طحنهم الفقر وأحيطوا بالذل والهوان وأهدرت كرامتهم وضاع صوتهم فصار لا يسمع وتفرض عليهم القوانين الجائرة، ويعاملون معاملة القطيع بأن يتوفر إلى حد ما بعض الطعام والشراب، مع التأكيد على إلغاء العقل الذى هو نعمة الله لعبده الإنسان، الوقت الذى تقتل فيه الأفكار وفيه يصبح الإبداع بدعة.. الوقت الذى يغيب فيه العلم وتنتشر فيه الخرافة، ويتحول فيه التاريخ إلى أكاذيب.. الوقت الذى يتألق فيه الفساد وينمو ويعلو ويتحصن ويحكم.

 

وحيد حامد كان يرى اننا شعوب غُرس بداخلنا النظرة الوحدوية، نفكر تحت أرجلنا؛ وربما ندمر من حولنا لجشعنا، وهذا ما نراه حولنا الآن من حالة الجشع التى أصبحت تميز كل التجار. وحينها قال وحيد حامد: فى شبابى شاهدت أحد الأفلام الإيطالية القصيرة، ورغم السنوات العديدة التى مرت، ورغم ما أصاب الذاكرة من ضعف، إلا أن أحداث هذا الفيلم ظلت ثابتة تسكن عقلى حتى إنها قفزت إلى السطح وفرضت نفسها علىّ وأنا أشرع فى كتابة هذا المقال.. والقصة، فى إيجاز شديد، أن العجوز الثرى والإقطاعى قد مات، وطقوس الموت تختلف من بلد إلى بلد، فى إيطاليا وربما الدول الأوروبية كلها يرتدى الميت حُلة فاخرة ويتولاه خبير تجميل بحيث يكون فى أبهى صورة ويرقد فى التابوت، حيث تلقى عليه النظرات الأخيرة.. واجتمعت الأسرة فى ملابس سوداء والحزن القاسى يشمل الجميع وأيضاً المحامى الكبير الذى أودعه وصيته، واشترط عليه أن تُفتح وكل الأهل والأصدقاء ملتفون حول جثته.. وكان الحزن العميق حاضراً.. ومآثر الفقيد تتردد على كل الشفاه.. وحان وقت فتح الوصية.. يرث كل شخص من الملتفين حول جثتى بقدر ما يأكل من لحمى!

 

سيطر عليهم الوجوم.. وشملتهم الحيرة، وهزتهم الفجيعة.. وساد الصمت الخانق.. تبادلوا النظرات القصيرة.. ثم انسحبوا فى سرعة وهرولة.. منهم من توجه إلى المطبخ.. ومنهم من توجه إلى مخزن الحديقة.. ومنهم من ذهب إلى غرفة أسلحة الصيد.. وعادوا جميعاً.. أحاطوا بالجثة من كل جانب وهم يتزاحمون وكل منهم يرفع آلة القطع التى أحضرها.. سكاكين.. ومناشير وسواطير وأيضاً فؤوس حادة.. وأعتقد - وكلى صدق وإخلاص - أن

هذا هو حال مصر الآن.. نحن نأكل جسد مصر بعد أن قتلناها ومازلنا نبكى عليها ونحن نأكلها.

 

وحيد حامد من بين سطوره التى يعيش بين ضفافها الآن يرى أن أولى خطوات التطهر السياسى والاجتماعى هى مواجهة الحقائق والاعتراف بها، دون ذلك لا تطهر ولا طهارة، ما يحدث هو بقاء الحال على ما هو عليه، واستمرار حياة الزيف والخداع والتعتيم، وكلها أمور باتت مكشوفة ومفضوحة ويصعب سترها.. وأولى الحقائق التى تتطلب المواجهة الحاسمة هذه النقائص والآفات الاجتماعية والسياسية التى تمكنت من عقولنا وأجسادنا وسيطرت على أفعالنا واحتلت غرائزنا، وبسببها إذا خطونا خطوة إلى الأمام كان لزاماً علينا أن نتراجع ثلاث خطوات إلى الخلف، وتكون النتيجة النهائية هى التراجع لا التقدم، نهبط من أعلى الجبل ولا نصعد أبداً وكأننا نحمل على ظهورنا صخرة سيزيف، لن ننهى طريقاً سلكناه، ولن نزرع حقلاً حرثناه، وبداية... هل نريدها دولة أم شبه دولة أم لا دولة..؟! الدولة بشكلها المتعارف عليه فى كل الأمم والأوطان أساسها وجود القانون وإعماله، ونحن لدينا قانون مهدر يتم التعامل معه بتراخ شديد وتهاون مقيت، ولدينا شعب لا يضع القانون فى حسبانه ووجدانه، لا يحفل به ولا يرحب ولا يرى فى غالب الأحيان أنه الأساس فى ضبط حياة الشعوب وضمان سلامتها وأمنها واستقرارها..

وحيد حامد

مازال وحيد حامد يرى أن الحل فى إعمال القانون، فعندما غاب القانون غابت الدولة وتراجعت هيبتها ولانت قبضتها فكانت الفوضى هى الحاضرة فى سرعة وهمة ونشاط.

الفوضى التى أدمنها الناس وصاروا عبيداً لها حتى صارت هى القاعدة والقانون هو الاستثناء... يحدث هذا كله بفعل أناس غابت عقولهم وضعفت بصيرتهم وهربت الهمة من داخلهم.. وتشربوا البلادة عن عمد فأصبحوا أهل بلاء يجلبون الشقاء مطرزًا وملونًا.. هؤلاء هم الصغار والكبار الذين تغلغلوا فى حياتنا وأصبحوا كوارثها وأحزانها وأيضاً انكسارها وهوانها.. وهؤلاء مصابون بعدة آفات.. نتحدث فى شأنها من خلال هذه السطور.

 

صار الشارع المصرى منفلتًا وبائسًا وفوضويًا، لدرجة مثيرة للغضب وتدعو إلى السخط، وصار الصمت على هذا الهوان والتدنى عارًا ما بعده عار. من غير المعقول أن تحاول الدولة وبخطوات جادة القضاء على العشوائيات المحيطة بالمدن الكبرى، وتترك هذه العشوائيات تتسلل فى سهولة شديدة إلى داخل هذه المدن ذاتها، وبصورة أكثر قبحًا وعدوانية، حتى صارت هذه المدن مسخًا مشوهًا وكريهًا بعد أن كانت يومًا ما جميلة؛ كل هذا بسبب إهمال المحليات التى تخلت عن القيام بواجبها عن عمد، وانصرفت إلى مهام أخرى غير قانونية وغير إنسانية، وكانت الرشوة والتحايل على القانون والجهل أحيانًا، وفساد الذوق فى أحيان أخرى، من أهم العوامل التى دمرت المدن تمامًا.

 

 وحيد حامد يرى أنه مع غياب الوعى صار الخطأ صوابًا؛ بحكم التكرار والإعادة وغياب العقاب وتقاعس أولى الأمر.. وعلى سبيل المثال انتشار القمامة بكل أنواعها فى جميع الشوارع صار من الأمور العادية والمألوفة، حتى إننا أصبحنا لا نرى الشوارع النظيفة إلا فى أفلام الأبيض والأسود.. صحيح أن عندنا كناسين يرتدون الزى البرتقالى وفى أيديهم مكانس إلا أنهم لا يكنسون بل يتسولون، وهكذا صارت القذارة عنوانًا لشوارعنا، مع أن النظافة من الإيمان.. فإذا علمنا أن الفوضى تكون مثل حريق فى غابة لا يوقفه شىء، وجب علينا أن نعرف أن النار التى تحرق الغابات تحرق المدن أيضًا.. ويكفينا فوضى المرور التى أصبحت من علامات ودلالات قهر المواطن فى رحلة الذهاب والعودة، والذى يعانى من عربدة سيارات الميكروباص وعدم التزامها بأى قانون، بالإضافة إلى عنجهية وجبروت سيارات النقل ورعونة الملاكى، بالإضافة إلى الطامة الكبرى؛ وهى الفئران السوداء التى تمرح فى الشوارع والمسماة بالتوك توك الذى جلب معه الجرائم المتنوعة.. وإذا استرسلنا فى سرد أنواع الفوضى فإننا لن نصل إلى نهاية.. ويرجع هذا كله إلى غياب الإدارة الحاسمة الغيورة القادرة على فرض القانون وإعماله.. وصدقونى إذا استمر الحال على ما هو عليه فنحن إلى جهنم ذاهبون.

 

وحيد حامد من أكثر الناس الذين نبه إلى كدابى الزفة فى كل العصور وضررهم على البلد.

 

هل غيب الموت «وحيد حامد» يوم 2 يناير 2021؟ لا أظن، إنه عائش بين إبداعه، وفى قلوب محبيه.. إنها الأبدية للصادقين.