رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"تصويبات لغوية خاطئة".. د. إبراهيم عوض يعيد للغة رحابتها

بوابة الوفد الإلكترونية

في الوقت الذي يسعى فيه مجمع اللغة العربية لإجازة بعض الألفاظ المستحدثة، وضمها لمعجم اللغة الفصيحة، مجاراة للتطور، دون النيل من قواعد اللغة العامة، تخرج علينا بعض الكتب التي تسير على خطى كتب أخرى ضاربة في القدم، لتخطِّيء بعض مفردات وتراكيب يستخدمها الأدباء والعلماء، غاضة الطرف عن كثير من الشواهد التي تجيز ما يمنعون.

 

إلا أن هناك بصيص ضوء في ظلام نفق التخطئة، يبشرنا بأمل التطور اللغوي وتجنب التجمد والمغالاة غير المحمودين.

 

ففي كتابه الأحدث "تصويبات لغوية خاطئة_ في مواجهة التنطع اللغوي"، يسلك الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض مسلكًا لم يأته أحد من قبله، إذ إنه من المعتاد لدينا أن يضع اللغويون كتبًا في تصويب بعض عبارات وكلمات تستخدم نثرًا وشعرًا، ويوجهوا لما يرونه صحيحًا، مستشهدين بما ورد في لغة الأولين، إلا أن الدكتور عوض قد خطَّأ ما أورده هؤلاء اللغويون، كاشفًا النقاب عن عدم صحة ومغالاة بعض ما وجهوا إليه، مجيزًا الكثير من المفردات التي سبق وخطأوها.

 

وقد انقسم الكتاب لثمانية عناوين ومقدمة، أورد عبرها أمثلة شتى قد خطأتها كتب التصويب اللغوي، رادًّا عليها بالشواهد، وتلك الكتب التي تناولها هي:


"درة الغواص في أوهام الخواص"، للحريري، "ت 1094  "، "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" للصفدي، "ت 1363  "،  كتب أبي تراب الظاهري في التصحيح اللغوي "ت 2002"، "لغة الجرائد" لإبراهيم اليازجي "ت  1906 "، "قل ولا تقل" لمصطفى جواد "ت   1969"، "معجم الأخطاء الشائعة" لمحمد العدناني "ت   1981 "، "معجم تصحيح لغة الإعلام" لعبدالهادي بوطالب "ت 2009".
بينما ضم القسم الثامن والأخير من الكتاب توضيح الكاتب لبعض التخطيئات والمواقف الشخصية التي صاحبتها أو دعته للرد على بعضها، بشيء من التفصيل.


ويسوق د. إبراهيم في مقدمة كتابه المبررات المنطقية لما يورده، إذ يقول إن هؤلاء اللغويين يريدون من الكتّاب والأدباء أن يحفظوا كل ما تتضمنه اللغة عند نقطة بعينها في الماضي بكل تفاصيلها، ولا يخرجوا عنه أبدا، وهو ما لا يمكن تحققه واقعيا ولا يمكنهم هم أنفسهم فعله، متناسين أن اللغة تقوم قبل كل شيء على قواعد عامة نحوية وصرفية وبلاغية، ويكفي أن يضع الكاتب نصب عينيه تلك القواعد العامة وينغمس في قراءة كبار كتابها حتى تنغمس اللغة الجميلة في عقله وقلبه، ومن ثم يكون قادرا على الإمساك بدفتها والتحكم بها.

 

وأكد د. عوض عبر كتابه أنه يجب على الأديب وعالم اللغة أن يكون سببًا في الإضافة للغة، وهو ما يبدو في قوله: "لا يكون عبدًا لأولئك المصوبين، يحفظ كلامهم ويردده كالببغاء".
واصفًا شعور من يفعل ذلك بأنه "محبوس في قفص من فولاذ لا يصح له التفكير  في الخروج منه".

   مضيفًا أن هؤلاء اللغويين "إنما ينسون أن هناك شيئًا اسمه التطور، وأن ما يدعون إلى التشبث به إنما هو رجعة مضحكة للوراء، وليس إلا تقعرا وظهورا أمام الآخرين".

 

وهو في بحثه المهم هذا، الذي ضمته دفتا كتابه، يستند إلى نصوص اللغة نفسها وقواعدها

العامة، بل وإلى الكثير جدا من الشواهد كالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وعدد ضخم من أبيات الشعر من عصور مختلفة "الجاهلي، الإسلامي، العباسي، الأندلسي"، وكثير من كتب اللغة وكتب التراث، والعديد من المعاجم مثل مختار الصحاح، تاج العروس، الوسيط، العين، الأزهري، الأصمعي، الزمخشري....

فمن الأمثلة التي خطأها اللغويون وأثبت صحتها الكتاب، قول الصفدي في كتابه "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف"، إن  كلمة "أرض"، لا تجمع إلا على "أرضين"، وإن "الأراضي" جمع خاطيء، بينما جاء رد د.إبراهيم عوض مؤكدا صحة الجمعين، وأن الصفدي قد استند في حكمه إلى أن الثلاثي لا يُجمع على أفاعل، وفاته أن "أرض" ليست اسم علم ولا صفة لعاقل حتى يمكن جمعها جمع المذكر السالم، مؤكدا أن كلمة "الأراضي" قد وردت في كتب الأقدمين، فقد ذكرها الطبري في "تاريخه"، وابن المعتز في "طبقات الشعراء"، والمقدسي في "البدء والتاريخ"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وياقوت الحموي في "معجم البلدان"، وغيرهم.

كما أخذ الدكتور إبراهيم عوض على إبراهيم اليازجي، في كتابه "لغة الجرائد"، تخطئته لاستخدام كلمة "تعيس"، وإجازته ل"تاعس، تعِس"، معللا ذلك بأنه لم يرد عن العرب سوى هاتين الصفتين، وقد رد د.عوض متسائلا: ما الضرر في استخدام صيغة المبالغة من الصفة، على وزن فعيل، فتكون تعيس؟
موضحًا أن صفة "تعيس" قد وردت في كتب التراث مذكرة ومؤنثة، فمن رجال الدولة من كان لقبه "تعيس الدولة" و "سعيد الدولة".

ويعد الكتاب فريدًا من نوعه، وإنجازًا لغويًّا، قد يفتح الباب متسعًا، ويلفت الأنظار لإعادة التفكير فيما ورد ببعض كتب التصويب اللغوي، وهو بحث ضخم، يتبدى جليا ذلك الجهد المبذول في جمع مادته ودراستها والتنقيب عن الشواهد للرد على كل كلمة، وهو ما استغرق حتما الكثير من الوقت أيضا.
 

ختامًا فإننا بحاجة إلى كتب مماثلة، تعيد أمور اللغة لنصابها، وتضع حدا لموجة تخطيئات لا هدف لها سوى الوقوف باللغة عند عصر معين، دون اعتبار لتطور أو احترام لعقول لغويين محدثين.