عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة

افلام عاطف الطيب
افلام عاطف الطيب

عاطف الطيب... أكثر الناس توءمة مع اسمه، فلقد كان حسن الخلق، مشفقًا على الجميع، وخاصة والديه وأخوته، عطوفًا على الناس، يقف بين الحين والآخر ليسلم على عسكرى مرور بكل التواضع والمحبة، حنونًا على الجميع، وكم شهد بلاتوه السينما الكثير من مواقفه الانسانية مع البسطاء. وفى ذكرى رحيله التى جاءت يوم 23 يونيو 1995 نقترب من هذا الانسان المفعم بالمحبة والموهبة.
 

لكون عاطف فى اللغة تعنى الذى يكرُّ على الأعداء فى ساحة الحرب فالجميع يعلم أن شخصية حسن فى سواق الاتوبيس كانت الأقرب الى شخصيته الحقيقية الى جانب التحاقه بالجيش مجندًا فى قسم التصوير السينمائى بإدارة الشئون المعنوية، وكان قائده السيناريست محسن زايد، وفيه تعرف على المخرج خيرى بشارة، وعندما عمل مساعدًا للمخرج شادى عبد السلام كان فى فيلم «جيوش الشمس». أما عن طيبته فحدث ولا حرج عن شخصية لا يعرف قلبها سوى الحب والاحساس بالآخرين... وعاطف كان مثل المصريين البسطاء ولكن جذوره الصعيدية لم يكن يحملها فقط وجهه ذو السمرة، ولكن سلوكياته وسماته الشخصية وكأن اصوله من جزيرة الشورانية مركز المراغة بمحافظة سوهاج هى مفتاح شخصيته، فهو الذى يرى المرأة كأنها كنز عاش طول حياته من أجل حمايته، بداية من أمه وأخواته وزوجته.. عاشق الشاى ولكن بدون تدخين.
حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة

الكريم دوما لأن صفة البخل فى الشخصية الصعيدية عيب. صاحب الشقة البسيطة التى عاش فيها مع زوجته، والعربية الفولكس القديمة. محترم العادات والتقاليد، فهى بالنسبة له القانون الحاكم الذى لا يجب خرقه. الخيانة ليس لها مكان في قاموس حياته. البسيط للغاية والذى ظل معتزًّا بأنه تربى فى بيت بسيط ببولاق الدكرور، ويبدو أن خوف أمه من الحسد عندما أنجبته وإحساسها أنه «ابن موت» كان حقيقيا.
 

عاطف الطيب كانت له عزة نفس وترفع الى حد رفض العلاج على نفقة الدولة وكان يردد دوما: «طالما قادر أعيش بالأدوية خلاص وأهى ماشية»، لذلك لم يسافر الى ألمانيا كما نصحه البعض عند اجراء العملية لتغيير أحد الصمامات فى القلب، كان يشعر بين الحين والآخر بقرب الأجل، ومع ذلك يحول ذلك الى نكتة ودعابة. وللأسف أنه رغم اكتشاف سوء حالته الصحية فى فيلم «ملف فى الآداب»، عندما كان يواصل العمل لما يقرب من 18 ساعة يوميًا الى أنه تغاضى عن ذلك، وأكمل المسيرة بنفس المجهود.
حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة

«عاطف» كان يشبه أفكاره لذلك اقترب من حقيقة مأساة القضية الفلسطينية، وتحمس بشدة لسيناريو فيلم ناجى العلى لبشير الديك صديق عمره ولم يهتز للهجوم الذى طالهما مع نور الشريف، هو الذى اختار بدراية وعمق مواقع التصوير فى لبنان، الاختيار بكل الواقعية، وسط آثار الحرب الأهلية. إنه ابن الطبقة المتوسطة والتى تكونت شخصيته من مفردات التجربة الناصرية لذلك تصدق رؤيته فى فيلم «ضد الحكومة»، وكأنه يردد مع أحمد زكى: «إحنا فعلا ولاد ثورة يوليو، وشوفنا كل انتصاراتها وانكساراتها».
 

عاطف الطيب مر بالعديد من الأزمات فى حياته التى شكلت شخصيته ووجدانه بداية من بيع محل الألبان الذى يمتلكه والده بمنطقة الدقى، فى مزاد علنى، فى الثالثة عشرة من عمره وقتها، ليعمل بجانب دراسته لمساعدة أبيه. وعندما دخل معهد السينما ظل كما هو يعيش حياته بأقل القليل، وكثيرا ما كانت عيناه تلمعان من السعادة وصوته يمتلئ بالقليل من الشجن عندما يتذكر تلك الأيام وسط أصدقائه الذين كانوا يشبهونه تماما، مثل بشير الديك ومحمد خان الذى قدم له قصة فيلم «سواق الأتوبيس» الذى كتبه برفقة بشير الديك، بعد فشل فيلمه الأول «الغيرة القاتلة» والذى اختار له نور الشريف ونبيلة السيد الاسم «سائق الأتوبيس»، بدلا من «حطمت قيودى»... تلك الفترة من أجمل فترات حياته حيث تعرف على قصة الحب الوحيدة فى حياته زوجته «أشرف» عندما تعرف عليها فى معهد جوته، بعد طلبه منها تذاكر لمهرجان الفيلم الألمانى فى معهد جوته الذى كانت تعمل به، فى خريف 1982، لقاء عابر أثمر قصة حب كبيرة، ليطلب يدها بعد فترة وجيزة، ويتزوجها بمبلغ 2000 جنيه بعد فيلم «الحب فوق هضبة الهرم»، ليعيشا أجمل 12 عاما فى حياتهما، وخاصة أن أشرف ماتت بعده بمرض فى الصدر، فى مستشفى الشبراويشى القريبة من مستشفى مصر الدولى التى توفى بها عاطف، لقد كان متشابهين فى الكثير من الأشياء فبينما أشرف تعانى من مشاكل فى الصدر كان عاطف الطيب منذ الصغر يعانى من القلب بعد حمى روماتيزمية لم يتم علاجها بشكل جيد، ثم مرض السكر.
حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة
عاطف الطيب كان شخصًا مسالمًا جدا ولكنه يعتز برأيه جدا، وربما هذا سر خلافه مع أحمد زكى فى فيلم «ضد الحكومة» بسبب مشهد المرافعة فأحمد زكى كان يريد تصوير المشهد بلقطات «‏Close-up» وعاطف الطيب أصر على اللقطات البعيدة مستعرضا المحاكمة، وهو ما تم تنفيذه فى الفيلم.
 

قدم 21 فيلمًا فى 15 عامًا، دخل 3 منها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية... أهم أعمال عاطف الطيب فيلم البرئ، ضد الحكومة، وسواق الأتوبيس، كشف المستور، أبناء وقتلة، الحب فوق هضبة الهرم، كتيبة الإعدام، ملف فى الاداب، ليلة ساخنة.
 

تخرج في المعهد العالى للسينما - قسم الإخراج عام 1970. التحق، بعد تخرجه، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به فترة «1971-1975»، والتى شهدت حرب أكتوبر 1973. وخلال الفترة التى قضاها بالجيش، أخرج فيلماً قصيراً هو «جريدة الصباح 1972» من إنتاج المركز القومى للأفلام التسجيلية والقصيرة. ثم عمل فى عام 1973 مساعداً للمخرج شادى عبد السلام فى فيلم «جيوش الشمس» وفى عام 1978 قام بإخراج فيلم قصير من إنتاج المركز التجريبى اسمه «المقايضة». فى عام 1979 عمل مساعد مخرج ثانى مع المخرج يوسف شاهين فى فيلم «إسكندرية... ليه؟»، وفى عام 1981 مع المخرج محمد شبل فى فيلم «أنياب».عمل كمساعد مخرج فى أفلام أجنبية عديدة والتى تم تصويرها فى مصر، مثل فيلم جيمس بوند الجاسوس الذى أحبنى عام 1977، وجريمة على نهر النيل عام 1978، وأبو الهول عام 1980. حتى بدأ فى إخراج أول أفلامه الروائية «الغيرة القاتلة» عام 1982 وتوالت بعدها الأعمال.
 

تعاون عاطف الطيب مع المؤلف وحيد حامد فى خمسة أفلام، ومع المؤلف بشير الديك فى أربعة أفلام، ومع الكاتب مصطفى محرم فى ثلاثة أفلام، ومع الكاتب أسامة أنور عكاشة فى فيلمين.
 

فى البرئ تم حذف مشهد النهاية من قبل لجنة رقابة شكّلها مجلس الوزراء للمرة الأولى فى تاريخ السينما المصرية وضمت 3 وزراء هم: وزير الدفاع الأسبق الراحل المشير عبدالحليم أبوغزالة، ووزير الداخلية الأسبق الراحل أحمد رشدى، ووزير الثقافة الأسبق الراحل أحمد هيكل، وقررت تلك اللجنة العليا حذف المشهد بحجة أن الزمن لا يتناسب مع عرضه!
 

على الرغم من أن المخرج الراحل عاطف الطيب، مخرج فيلم «البرئ» لجأ لحيلة للهروب من الرقابة، وهى كتابة تنويه قبل الفيلم قال فيه: «وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر»، فإن «البرئ» واجه حملة كبيرة لمنعه ورغم أن نعيمة حمديت الرقيبة السينمائية وقتها أجازته.
 

لكن أحد المثقفين طالب السلطة وقال فى العرض الخاص للفيلم كيف يمكن لمجند يحمل سلاحًا أن يفتح النار على الناس، وماذا لو أطلقنا العنان للمجندين بأن يضربوا الجمهور بالنار، تبع ذلك مقالات نقدية فى الصحف.
حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة

أزمة فيلمه «الغيرة القاتلة» أن نور الشريف كان عطيل ونورا بدور زوجته ديدمونه ويحيى الفخرانى بدور ياجو، السيناريست وصفى درويش لم يقدم مبررات منطقية للغيرة بين الصديق وصديقه.. وكان تقليديا لا يعالج أى قضية.
 

«سواق الاتوبيس» واللى يحتل المرتبة الثالثة فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى عن التفكك الأسرى، حيث السائق حسن «نور الشريف» الذى يعانى من سوء الحالة المادية، فيضطر للعمل على سيارة أجرة كعمل إضافى، خاصة مع ضغط زوجته «ميرفت أمين» التى ترفض تدنى حالتهما المادية، وفى نفس الوقت يتولى حسن مشاكل أسرته بعد أن يعلن والده الحاج سلطان «عماد حمدى» إفلاسه، ولا يجد أحدًا من شقيقاته بجواره فى تلك المحنة الصعبة، فيضطر إلى بيع سيارة الأجرة حتى يساعد والده، ويكافح بمرارة لتحقيق الشرف والأمانة والوطنية. إنه فيلم يقدم أزمة الانسان المصرى مع الانفتاح بدون مواعظ وخطب رنانة ومباشرة. ومشهد النهاية كان فى قمة الانفعال ضد تلك المرحلة.
 

عاطف الطيب تحمس لفيلم التخشيبة مؤكدا أن الفيلم له مقاييسه وظروفه، وكان يقول: كل ما أتمناه أن يحاسبونى على مدى ارتباط أعمالى بالواقع ومدى تعبير الكاميرا وحركات الممثلين عن الموضوع الذى يطرحه الفيلم. حيث تهاوي القيم الاجتماعية والمبادئ الإنسانية، تميز أسلوب عاطف الطيب بالبساطة وزوايا زادت من احساس المشاهد بالأحداث.
 

عرض فيلم الزمار فى عام 1985 بعد رحيل الشاعر عبدالرحيم منصور، وشارك فى كتابة السيناريو السيناريست رفيق الصبان ومأخوذ عن مسرحية هبوط أورفيوس لتينسى وليامز، وسرد الفيلم قصة شاب يدعى حسن كان يعمل زمارا وهو مُطارد بعد أن كان طالبًا فى كلية الهندسة وقدم مسرحية لم ترق للسلطات مع فريق التمثيل بالكلية، ينتقل من قرية إلى قرية فى الصعيد، بحثًا عن الأمان والاستقرار، ويستقر به المقام فى قرية «العرابة» بائعًا فى بقالة. وللأسف كانت هناك مشكلة لمنتج الفيلم نبيل بلّان، الذى تعثر ماديا، فأصبح فيلمه خارج دائرة العرض، وجزءا من النزاعات المادية.
 

فى فيلم «ملف فى الآداب»، ثالث تعاون بين عاطف الطيب والسيناريست وحيد حامد بعد «التخشيبة» «البرئ»، باتهام ثلاث فتيات ورجل، بإدارة شبكة للدعارة ثم براءتهم من هذه التهمة. ربما تبدو هذه القصة بسيطة، إلا أنها قضية شائكة، فهذه البراءة التى حصلوا عليها لا تمنع فى أن يكون لكل واحد منهم ملف عند شرطة الآداب. أى أن البراءة القانونية شيء، والسمعة شيء تانى.. عاطف الطيب استطاع إقناع المتفرج بفكرة الفيلم الجريئة، ووازن بين الإيقاع البوليسى للفيلم، وهدفه الانسانى والاجتماعى.

فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» مشاكل الشباب المصرى فى الثمانينات من السكن والعادات والتقاليد، والجنس.
حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة

فى البرئ أصر الممثل أحمد زكى أن يلقى عليه محمود عبد العزيز ثعابين حقيقية سامة داخل الزنزانة الصغيرة ليكون التعبير عن الخوف حقيقياً وليس تمثيلاً، يقول أحمد زكى: شعرت بخوف حقيقى من الثعابين وحاولت القضاء عليها جميعاً، لكن كانت تجربة لا تنسى.
 

الفيلم يتناول حادثة وقعت للمؤلف وحيد حامد شخصياً خلال انتفاضة 17 و18 يناير 1977.
 

يعتقد بعض النقاد أن السيناريو قد نجح فى الخروج من إطار المعتقل،

عندما كانت الكاميرا فى الريف مع سبع الليل، تنقل لنا الخلفية الاجتماعية لبطل الفيلم، لكى تكون تصرفاته بعد ذلك مبررة ومنطقية، فى افتتاحية الفيلم كانت هناك لوحة تقول: وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر؟. الفيلم يحتوى على أغنيتين بصوت الموسيقار عمار الشريعى، ومن أشعار عبد الرحمن الأبنودى الأولى هى أغنية يا قبضتي.
حنان أبوالضياء تكتب عن: «عاطف الطيب».. أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة

ينتهى الفيلم بطريقه غير التى تم اقتطاعها لتكون نهاية الفيلم وهى حالة من الثورة تصدر عن أحمد سبع الليل رضوان الفولى عندما يرى مجموعة معتقلين جدد تدخل الى قلب المعتقل، فلا يستطيع التحكم فى أعصابه ويرى أن الحل الأمثل هو إطلاق النار بشكل عشوائى على الجميع حتى زملائه من صغار المجندين ويترك السلاح من يده ليمسك بالناى ليعزف كما اعتاد قديماً، ويموت فى هذا المشهد جميع من بالمعتقل إلا مجندًا واحدًا يقوم بإطلاق الرصاص على أحمد سبع الليل فيسقط الناى بجوار السلاح، ويبدأ صوت العبقرى عمار الشريعى ليشدو: يا قبضتى دقى على الجدار.. لحد ما ليلنا ما يتولد له نهار يا قبضتى دقى على الحجر.. لحد ما تصحى جميع البشر. البرئ فيلم مصرى جرئ يحمل أكثر من فكرة واحدة، يتحدث الفيلم عن الحرية بمعناها الشامل، وذلك عن طريق إظهار لمحات من الفساد السياسى فى مصر بعد سياسة الانفتاح، وبالتحديد خلال فترة ما سمى بانتفاضة 17 و18 يناير 1977, كما أن الفيلم يتحدث عن فكرة تحول الإنسان إلى آلة مبرمجة من أجل خدمة سلطة معينة، ويختصر بعض النقاد فكرة الفيلم بالعبارة: قمع الحرية بجهل الأبرياء.
 

وافق وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى فى عام 2005، فى انتصار نادر لحرية الرأى والتعبير فى العالم العربى على عرض النسخة الكاملة لفيلم البرئ من دون حذف للمرة الأولى على شاشة السينما، بعد 19 عاماً من إنتاجه. وكان الفيلم قد واجه اعتراضات رقابية، وشاهده وزراء الداخلية والدفاع والثقافة فى عام 1986, وطالبوا بحذف عدد من مشاهده وتغيير نهايته. تم عرض الفيلم كاملاً وبدون تقطيع أو رقابة فى أبريل 2005 فى مهرجان السينما القومى تكريماً للفنان الراحل أحمد زكى.
 

كتب فيلم «قلب الليل» السيناريست محسن زايد، عن رواية بنفس الاسم للروائى الكبير نجيب محفوظ. تعالج قضية فلسفية هامة، أتعبت الفكر الإنسانى كثيراً، ألا وهى قضية الحرية والاختيار، مروراً بالأشواق والرغبات التى تعتمل فى أعماق وروح الشخصيات، فتنطلق لتحطم النواهى والممنوعات. بطل الفيلم جعفر الراوى «نور الشريف». يرى النقاد أن عاطف الطيب كان فى فيلمه «قلب الليل» أميناً للعمل الروائى الى درجة فقدانه للغة السينمائية وارتباكها فى أحيان كثيرة.
 

يتناول فيلم «البدرون» موضوع الانحراف نحو الرذيلة والفساد، ودور الفقر فى انتشار هذا المرض الذى يهدد الكيان الاجتماعى ويدفع بالمجتمع نحو حافة الانهيار. وسيلة موظفة سينمائياً لتوصيل المفهوم وإبراز التناقض الطبقى فى مجتمع الانفتاح الاقتصادى وما بعده، وما أفرزه هذا التناقض من سلبيات سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية، والفيلم مجرد محاولة للاقتراب من الواقع المعاش لاستجلائه وفهمه وتحليله، والخروج منه بنتائج تساهم فى إكمال وعى المواطن المصرى البسيط.. وهذه هى رسالته كمخرج وفنان، بعيداً عن الخطابة أو التسلية أو التخدير أو الدجل.
 

«الهروب» أحد أيقونات السينما المصرية فى التسعينيات، وقد تم تقديمه عام 91، وهو من أهم الأفلام التى يرجع تاريخها لجيل الثمانينيات فى السينما المصرية.
 

إنه «الهروب»، حيث يعلن الفيلم بإيحاء فنى أن السلطة ليست دائمًا الشرطى الذى يطارد المجرم، ولكن أحيانًا يصبح المجرم الذى يحاول التهرب من عقوبة الشرطة.

 

يوصف بأنه الأكثر جرأة فى تاريخ السينما المصرية، وقد يكون هذا صحيحًا إلى حد كبير، ولكن ليست الجرأة فقط هى سر هذا الفيلم، بل يوصف أيضًا بأنه أول فيلم انتقد العديد من السلبيات الاجتماعية والسياسية. ربما كان هذا صحيحًا أيضًا، حيث يناقش الفيلم قضايا الناس الملحة، لكن ليس الأسبقية هى السر الوحيد لهذا الفيلم. قد تكون هناك أفلام سابقة أو أكثر جرأة، ولكن ليس هناك شك فى أن «الهروب» هو الأكثر صدقًا.
 

منتصر عبد الغفار البدرى «أحمد زكى» شاب من قرية الحاجر من مركز الصقيلات بسوهاج. والد منتصر هو صقار يمضى شهورًا فى الصحراء متتبعًا الصقور لمطاردتها، وكان منتصر مولعًا بعمل والده، ويتأثر بحقيقة أن الصقر يطير عالياً فوق الجميع ولا ينزل إلا للصيد، وهكذا لا يرث منتصر عمل أبيه، فقد أحرقت والدته بعد وفاة زوجها جميع أدوات الصيد التى كانت بحوزته، حتى لا يرث منتصر الذى كانت مغامراته شابة وصغيرة تضغط على والدته، التى كانت أكثر فخراً بابنها الأكبر عبد الله الذى كان مطيعاً لأمرها وساعدها فى فلاحة الأرض.
 

ثلاثة مجرمين يحاصرون الشاب الصعيدى منتصر «أحمد زكى» لتحويله إلى سفاح، الأول هو مدحت «يوسف فوزى» مدير مكتب سفر العمال للخليج بتأشيرات مزورة، حيث ينضم إليه منتصر ويدفع له مقابل الحصول على نقود من العمال. بعد ذلك، يزرع مدحت قطعة من الحشيش لمنتصر ويبلغ عنها للشرطة التى ستتم محاكمته وسجنه. عندما يخرج، يواجه الشخصية الثانية، رجوت، التى أغرت زوجة منتصر فى الدعارة فى تركيا من أجلها. منتصر متهم بقتلها ويواصل هروبه. والثالث هو صديقه القديم سعيد الذى خانه وسرق ماله وأبلغ الشرطة عنه. يتولى الضابط سالم «عبدالعزيز مخيون» مهمة توقيف منتصر.
 

ناجى العلى رسام كاريكاتير فلسطينى، تميزت رسوماته بالسخرية والنقد السياسى اللاذع، ابتكر شخصية «حنظلة» الطفل الصغير الذى يعقد يده خلف ظهره، وكان رمزًا للتعبير عن المواطن الفلسطينى وقضاياه. تعرض ناجى العلى يوم 22 يوليو 1987، لمحاولة اغتيال على يد شخص مجهول، أثناء تواجده فى لندن، ودخل فى غيبوبة حتى وفاته يوم 29 أغسطس 1987.
 

اشترك نور الشريف مع إحدى شركات الإنتاج الفلسطينية فى تمويل مشروع فيلم «ناجى العلى» عام 1992، ولعب دور البطولة فيه، فيما كتب السيناريو والحوار بشير الديك وأخرجه عاطف الطيب.
 

تم منع عرض الفيلم فى العديد من الدول العربية، كما تعرض نور الشريف لحملات انتقاد فى الصحف المصرية، بسبب تجاهل الفيلم لدور مصر فى لبنان وانتصار حرب أكتوبر 1973، مع طرح موقف ناجى العلى المعارض للقادة العرب وعلى رأسهم الرئيس الراحل أنور السادات. مساهمة نور الشريف فى انتاج الفيلم تسببت فى أزمة كبرى بينه وبين الكاتب الراحل إبراهيم سعدة رئيس تحرير جريدة اخبار اليوم فى هذا الوقت.
 

الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات سافر إلى القاهرة ليطلب من الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك منع عرض فيلم «ناجى العلى» فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى، وهو ما ينفى عنه تهمة الحصول على التمويل من منظمة التحرير.
 

أشار نور الشريف إلى أن «مبارك» أخبر «عرفات» بعدم مشاهدته للفيلم، واحتكم إلى مستشاره الدكتور أسامة الباز، الذى أكد له أن الفيلم لا يسئ إلى القضية الفلسطينية، وتم عرض «ناجى العلى» فى المهرجان.
 

عاطف الطيب أنشودة إنسانية مفتاحها البساطة، التواضع وعزة النفس، والإحساس الدفين بقصر العمر.