رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب: الثلاثية الإبداعية «الديك - الطيب وخان»…سيمفونية دروب الكادحين

بشير الديك
بشير الديك

تجاوز السيناريست بشير الديك أزمته الصحية التى ألمت به مؤخرًا.. الكتابة عن بشير الديك بها قدر هائل من الاستمتاع لعشقى لأسلوبه السينمائى الذى يدفعك دوما الى الوقوف كثيرا مع كل مشهد لتأويله، والغوص مع كل جملة حوارية، لتعرف ما يريد منها وهذا يتطلب كتابا وليس مقالا، ولكننى سأدلف بكم الى أوائل الثمانينيات، عندما قرر بشير الديك، محمد خان وعاطف الطيب، تكوين شركة «الصحبة» للإنتاج الفني، والتى أنتجت فقط «الحريف» لأتكلم عن الابداع بين بشير الديك ورفيقي الحلم الفنى الطيب وخان... إنها الثلاثية الابداعية ذات المذاق الفنى المختلف.. 

بداية فيلم «سواق الأتوبيس» الخطوة الأهم ليس فقط فى مشوار بشير الديك وعاطف الطيب ولكن ربما  تعد الأبرز للفنان نور الشريف، خاصة أن هذا العمل جمع الثلاثى، فالإخراج لعاطف الطيب والقصة محمد خان والسيناريو بشير الديك، إنه حالة رصد لبداية التغيير فى طبيعة وتكوينة المصريين بعد الحرب إبان أواخر السبعينيات وفترة الثمانينيات وما خلفه الانفتاح الاقتصادى من حالة من انهيار العلاقات الاجتماعية فى الأسرة المصرية وسيطرة المادة على كل القيم والمثل المصرية، وسيظل هتاف نور الشريف فى اخر الفيلم يا ولاد الكلب، تعبيرا صادقا عن ما حدث فى مصر من تفسخ، واختفاء المشاعر الحقيقة بين الناس، وتأكيدا على حال الزمن القادم الينا فى العقود التالية والى الآن وكأنه تحذير سابق عصره فنيا. فنحن هنا أمام الأسطى حسن سائق أتوبيس نقل عام صباحاً وسائق تاكسى بعد الظهر وأبيه المعلم سلطان المريض أثر تراكم الديون على ورشته التى أسسها من زمن بعيد وخمس بنات هن أخواته ساعدهن أبوهن وساعد أزواجهن فى مواقف كثيرة إبان النكسة التى كانت احوالهن فيها سيئة وظروفهن معدمة ولكنهن يصبحن جميعا ناكرات الجميل، باستثناء واحدة منهن، بل ويتعدى الأمر الى طلب الحجر على الأب  ومحاولة تقسيم كل شىء على حياة عين  الأب، وعندما حاول حسن بيع البيت لإنقاذ الورشة وانقاذ أبيه، بعد رفضهن جميعا المساعدة فى انقاذ الورشة التى تعنى للأب  كل شىء، بل إن زوجة حسن هى نفسها تتغير وتطلب الطلاق وتنسى قصة حبهما بعدما قرر أن يبيع التاكسى لإنقاذ الورشة. وفى الحقيقة إن مشهد التجمع الأسرى لمناقشة مشكلة الورشة كتب بحرفية بالغة وكانت كادرات الطيب وانفعالات عماد حمدى بدون كلام فى غاية الابداع. واجتمع الثلاثى  الطيب والديك ونور الشريف فى «ضربة معلم» الذى تناول قصة جريمة قتل ارتكبها «شريف منير» انتقاماً للشرف، وملاحقة ضابط الشرطة «نور الشريف» له، ومحاولات والد الشاب «كمال الشناوي» انقاذ ابنه من حبل المشنقة، مضحيا بكل شىء فى سبيل ذلك. إنه مباراة برع الديك فيها لإظهار الصراع الأبدى بين القانون ورجاله والفساد، ورغم أنه أحد أفلام الحركة ولكن الطيب والديك صاحبي الواقعية الجديدة أكدا أن حماة الفساد الأقوى، مستعرضين ذلك من خلال خلفيات اجتماعية وسياسية للأبطال  والأحداث وهو إحدى مميزات أسلوبهما معا دوما، طارحا أفكارا جديدة، كسفر الآباء للعمل بالخارج من تفكك أسرى وضياع عائلى، أما اللقاء الثلاثى بين الطيب والديك ونور الشريف فى فيلم ناجى العلى فله مذاق يصل الى حد العلقم فالجميع اتهموا بالخيانة حتى قبل عرض الفيلم لأنهم قدموا شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى من خلال فيلم سينمائى. والعلى رسام كاريكاتير فلسطينى، تميز بالنقد اللاذع الذى يعمّق عبر اجتذابه للانتباه الوعى الرائد من خلال رسومه الكاريكاتورية، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على ريادة التغيّر السياسى باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف. له أربعون ألف رسم كاريكاتوري، اغتاله شخص مجهول فى لندن عام 1987م. حنظلة شخصية ابتدعها ناجى العلى تمثل صبياً فى العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة فى الكويت عام 1969م فى جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره فى سنوات ما بعد 1973م وعقد يديه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجى العلى على رسوماته. لقى هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وبخاصة الفلسطينية، لأن حنظلة هو رمز للفلسطينى المعذب والقوى رغم كل الصعاب التى تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحداً. ولد حنظلة فى 5 1967م، ويقول ناجى العلى إن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التى تمثل الانهزام والضعف فى الأنظمة العربية. ناجى العلى أثار ضجة فى وقتها وطالب بعض المحسوبين على الحكومة المصرية بمنع الفيلم، بسبب انتقاده للنظام المصرى. وكانت حملات غاية فى الشراسة لإفشال الفيلم ومنعه ولكنه نجح فى التغلب عليه، وإن كان ممنوعا حتى الآن!

أما ليلة ساخنة والتجمع الفنى المميز بين بشير الديك وعاطف الطيب ونور الشريف مع رفيق الصبان الصرخة المدوية ضد العهر الانسانى والمجتمعى من خلال ليلة واحدة فقط هى ليلة رأس السنة راصدا المفارقات التى نراها عن حقيقة التحول الاخلاقى فى المجتمع، الذى لا يعرف الآدمية ولا يحترم حقوق المهمشين، تدور أحداث الفيلم عن سعى سائق تاكسى خلال ليلة رأس السنة فى جمع مصاريف العلاج للمستشفى فيقابل أثناء عمله امرأة تسعى لترميم البيت من خلال بيع جسدها.

ومن خلال الجملة الأشهر عند احمد زكى فى افلامه «كلنا فاسدون.. كلنا فاسدون.. لا أستثنى أحدا.. حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة».. كان فيلم “ضد الحكومة” والتجمع بين الطيب ونجمه أحمد زكى من خلال ابداع الديك  المتضمن المرافعة الرائعة والتى  أبدع فيه بشدة أحمد زكى.

والحكاية بدأت بقراءة الديك تحقيقا للصحفى وجيه أبو ذكرى عن حوادث الطرق وخاصة حادثة انقلاب أتوبيس طلاب مدرسة فى الإسماعيلية وراح ضحيته عدد كبير من الأطفال، ليقترب من عالم مافيا التعويضات بكل قوة من خلال قصة هذا المحامى

الشهير فى تلك النوعية من القضايا والذى يجد أن ابنه أحد ضحاياها. الفيلم  تم حذف مشهدين منه جمع بين لبلبـة واحمد زكى الأول عند إلقاء القبض عليه واحتجازه داخل مبنى أمن الدولة، وتحذيرها له من بطش ضباط أمن الدولة، ولكن لأن صورة حسنى مبارك كانت فى الخلفية لذلك تم حذف المشهد من الفيلم. ومشهد آخر يتناول الانتهاكات التى يتعرض لها المعتقلون فى مصر. الفيلم يتناول أحمد زكى المتزوج من جارته بالمطرية «عفاف شعيب» الباحثة بمركز البحوث، وتكتشف أنه مرتشٍ فتطلب الطلاق، وتوهمه أنها تخلصت من حملها، وتتزوج من دكتور تكتب الطفل باسمه وعند اصطدم اوتوبيس مدارس بقطار، أسفر عن مصرع 20 تلميذا وإصابة الآخرين، وبدأت مافيا التعويضات ومنه أحمد زكى ليكتشف وجود ابن طليقته بين المصابين، الذى يعرف أنه ابنه هو، لتنقلب حياته للنقيض، ويقرر الدفاع عن حق ابنه الذى فقد قدرته على مواصلة رياضة التايكوندو، باختصام وزيرى التعليم والمواصلات، ورئيس هيئة السكة الحديد، واتهامهم بالإهمال، ولا يجد حلا فى النهاية سوى الاستنجاد بالقضاء أمام فساد الحكومة.

أما رحلة بشير الديك مع المبدع الراحل محمد خان، فلها أسلوبها، خاصة فيلم الحريف الذى قال خان فى مدونته «كليفتى»، إن أحمد زكى كان البطل الذى كتب له الفيلم ولكن انتهى الى عادل إمام، ربما لأن هناك أدوار مشابهة لعبها أحمد زكى، رغم أن أحمد زكى حزن كثيرا على الدور وفيلم الحريف لم يستقبله الجمهور بحماس ربما لأنهم لم يعتادوا عادل أمام فى تلك النوعية من الأفلام . وفى الحقيقة إن فيلم «الحريف» كان بمثابة صرخة  فى وجه سياسة الانفتاح التى أطلقها السادات منتصف سبعينيات القرن الماضي، من خلال الغوص فى شخصية البطل  «فارس» راصدا نموذج بطل هذا الزمن من جلال الجوانب النفسية والاجتماعية. تلك الشخصيات المشوهة المليئة  بالتناقضات، مع المحيطين بهم وأنفسهم أيضا. لذلك فلا  عجب من قيامه ببيع مباراة بالتراخى فى اللعب محققا الفوز لصالح الخصم مقابل الفلوس، بينما يساعد رجلا جار عليه الزمن بالمال. انه عمل ملىء بتفاصيل حياة المهمشين، أما فى فيلم «موعد على العشاء» فنحن من جديد فى أحد دروب الكادحين، بمساعدة احمد زكى وسعاد حسنى التى نرى من خلال ابتسامتها المصطنعة المغلفة بها وجهها فى صورة الزفاف المعلقة على أحد جدران شقة الزوجية، نحن هنا فى سينما تدلف بقوة الى التفاصيل الموحية من خلال «نوال» وحكايتها  من خلال سيناريو شارك فيه «خان» مع بشير الديك، وجمع حوارا غاية فى النضج والواقعية باحثا فى ماهية المشاعر الانسانية، واستكملت الصورة من خلال شخصية «شكرى» «أحمد زكى» ليضعنا امام حالة خاصة من التأمل والتعايش مع مأساة بطلى الفيلم، إننا هنا أما انشودة شجن اعتمدت على قصة «نوال» التى تعانى من إهمال زوجها «عزت» «حسين فهمى» رجل الأعمال المعروف، الذى لا يبادلها العواطف والمشاعر، فتضيق بحياتها وتقرر الانفصال، وتقع بعد ذلك فى حب «شكرى» الذى يغرقها فى بحر من العواطف، ولكن عزت يحاول التفريق بينهما، ويقوم بقتل شكرى بسيارته حتى لا يتمكن من الزواج من نوال، وتقرر نوال الانتقام من عزت فتدعى له أنها عادت إلى حبه، وتدعوه للعشاء وتضع السم فى الطعام الذى يحبه، وعندما يأكل عزت ويطلب من نوال مشاركته الطعام فتأكل نوال مقررة أن تموت بعد أن انتقمت من عزت الذى أكل هو الآخر من الطعام المسموم.

وفى النهاية يبدو أن بشير الديك برحيل المبدعين الذين نسجوا معه أعمالا سينمائية لها مكانتها فى التاريخ السينمائى المصرى عاطف الطيب، محمد خان، أحمد زكى، نور الشريف، فقد الرغبة فى الابداع ويحتاج الى قوة دفع انسانية ابداعية جديدة  تجعله يخرج من صومه الفنى.