رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الممر».. مدفعية فنية ضد إسرائيل

بوابة الوفد الإلكترونية

فى زمن أصبح من المستحيل الوقوف أمام هذا الكم الهائل من الهجمات الأيديولوجية السياسية الموجهة إلى صدور وعقول المصريين بدعاية مبهرة تهدف لإثارة المشاعر والعواطف لدى الأفراد، وتدفعك دفعًا إلى الهجوم الاندفاعى بلا منطق، ضد مصر وجيشها، كان على السينما المصرية الدخول فى معركة حقيقية بالإبداع لمواجهة تلك الهجمات الشرسة ومن هذا المنطلق ربما كان تخوفى الأول قبل الذهاب لمشاهدة فيلم «الممر» أن أجد نفسى أمام عمل مباشر وكأنك تشاهد منشور سياسيى، أو خطاب أيدولوجى، ومع المشاهد الأولى من الفيلم زال هذا التخوف وبدأت الأحداث تنساب من خلال أسلوب سرد درامى متوازى، بين حياة هؤلاء الجنود فى الجبهة ومع أسرهم وعائلتهم قبل وبعد هزيمة حرب 67. لتتدفق الرسالة التى يريد الفيلم توصيلها للمشاهد بقوتها الإبداعية الباطنة بما تنطوى عليه، وكأنها مدفعية فنية تصدم وتزعزع كيان من أدعى كذبا خلال الفترة الماضية أن مصر تهادن مع اسرائيل، واستحالة إيجاد عمل فنى ضد اسرائيل، وإذا بك فى فيلم «الممر « أمام رؤية درامية تنصب فى المقام الأول على أن عدونا الأول على مر العصور هى اسرائيل، فمهما توقفت الحروب بيننا إلا أن مصر تعى تماما من هى اسرائيل وهدفها الاستيطانى المزروعم فى قلوبهم وعقولهم، والذى ردده أياد نصار ممثلا للضابط الاسرائيل بأن تلك الأرض أرض جدهم ابراهيم وأبنه أسحاق، فتكون المواجهة بكل القوة من الضابط «نور» «أحمد عز» بأن ابراهيم أنجب أيضًا ابنه الأكبر اسماعيل أبوالعرب، وكأنك بهذا المشهد تقف فى وجه هذ الجدل الصهيونى الذى الفت فيه الاف الكتب بأن أسحاق هو ذبيح الله، وانكارهم لسيدنا اسماعيل وهى مفردة تاريخية هامة أشار اليها السيناريو بتلقائية، ممايؤكد أنك أمام عمل لا يعتمد فقط على سرد أحدى بطولات الجيش المصرى ولكنه يدلف أيضًا بمرونة ويسر إلى قضايا عقائدية تعتمد عليه الصهيونية فى دعايتها؛ وبقدر تمكن أياد نصار من اداء دوره باقتدار وصل للأجيال الحالية هذا القدر الهائل من كره الصهاينة لعبد الناصر عندما نظر إلى صورته بع الاستياء على الموقع المصرى قائلا: «كنت بتقول هترمينا فى البحر يا جمال»!... وهذا ينطبق أيضًا على الاشارة إلى بعض المفاهيم الهامة فى الجندية المصرية وهى الانضباط وتنفيذ الأوامر وهى سمة هامة جدا وخاصة فى زمن الحروب وهى عقيدة أساسية وهو ما تم توصيلها بالحوار الدائر بين الضابطين أحمد عز وأحمد صلاح حسنى وهى عقيدة لن يكتب لها النجاح ما لم يعتنقها الجندى مهما كان استعداده للنضال من أجل الوطن فالهدف لن يحقق إلا من خلال خطة محكمة، وتنفيذ للأمر. وتلك الأهداف أشير اليها من خلال بناء درامى متقن وصل إلى قلب الجمهور وحواسه قبل عقله بشكل أشد تأثيرا، وخاصة أنه كان رصداً للحقيقة، والواقع ولم يعتمد على التضليل وقلب الحقائق؛ وهو الأسلوب الذى أوصلنا إلى هزيمة 67 والتى كانت المشاهد الأولى فى الفيلم بمثابة عرض شامل لسبب الهزيمة، باستعراض الموقف فى اسرائيل وعلى الجبهة المصرية بأسلوب الجراح الذى وصل إلى مكان الداء فيتعامل معه بحرفية ووضوح. وهو ما جعل المشاهد يراقب العدو فى هذا الميدان وهو يتفجر غيظاً لإغفالنا خطر الموقف، فكانت الصورة هى التبرير الحسى لما رفضه المنطق من أسباب الهزيمة. وكأن تلك المشاهد بمثابة مراجعة للذات كما حدث فى أعقاب الحرب، وخاصة أنها طعمت بأجزاء من خطابات عبدالناصر، يبدو فيها أيضًا مراجعة القيادة السياسية للوضع، وهى الخطوة التى أنجحت حرب الاستنزاف وكانت الخطوة الهامة إلى حرب أكتوبر، وتزامن هذا فى الفيلم مع ظهور صور تداعيات الجبهة الداخلية بتناول غاية فى الشاعرية لجوانب أخرى، إنسانية ترتبط بالفرد المقاتل، والمأزق الذى كان يتعين عليه مواجهته وهو يحارب فى بيئة صعبة، وما تركته الحرب عليه من جروح نفسية قاسية؛ والصدمة الحقيقية التى عانى منها بالفعل المجتمع المصرى من السلبية، والتى تعامل السيناريو معها من خلال مشاهد متنوعة وجعل المشاهد يرتبط بها وبتفاصيلها.

ورغم مدة الفيلم التى تجاوزت الساعتين والنصف، فإن الأحداث الساخنة والقدرة على التوثيق الإبداعى لما حدث أعقاب الهزيمة على الجبهة أثناء القتال والتعبير عنها فى سياق فنى مقنع. وبالطبع الشخصيات مهما كان بها من خيال إلى أنها تقترب من وقائع وشخصيات حقيقية، اعتمدت عليها المعالجة الدرامية فتلك الاعمال

تقتضى عادة قدراً من «الخيال» الفنى وإعادة الصياغة، لكى تصبح قابلة لتترجم إلى فيلم سينمائى يبرز تلك البطولات الحقيقية، لنعرف واقع كيف يقاتل الجندى المصرى فى الماضى والآن، وكيف تبدو المهمة الحربية بكل صعوبتها إلى جانب الإشارة إلى انعكاسات الهزيمة وتأثيراتها المدمرة على المقاتل والمحيطين به نفسياً واجتماعياً. والرائع أنه رغم دعم المؤسسة العسكرية للفيلم بالمعدات وأماكن التصوير إلا أننا أمام فيلم درامى حقيقى لم ينتج ليشيد بالإنجازات فقط دون معالجة الاخفاقات، ولذلك صدقه المشاهد، وتعايشوا مع أبطالها ومهمتهم العسكرية والتى كانوا خلالها مهددين بالموت فى كل لحظة، ونجح شريف عرفة فى توصيل كل لحظات توترهم العصبى نتيجة للهزائم وإصراهم على الثأر من العدو، ومواجهته، حتى يعودوا إلى الوطن ومعهم بشائر النصر. وفى الحقيقة أن البناء المتقن للشخصيات، وأهمها الشخصية الرئيسية للضابطين شديدا الانضباط كل بأسلوبه وطريقته، والدخول إلى حياتهم الأسرية من خلال رب الأسر والزوج والأب فى شخصية أحمد عز، والضابط الذى يحمل أحزان خالته للبحث عن ابنها الضابط الأسير من خلال زميله، ورغم اعتراض البعض على شخصية الصحفى أحمد رزق إلا أن الفيلم أراد بها اظهار حالة انهيار الجبهة الداخلية والتى أيضًا بداخلها طاقة أمل لخوض الحرب وتحقيق النصر، فرغم تكوينته الشخصية فإنه يمتلك روحاً إنسانية تنعكس فى تفاعله مع الجنود وهو دور برع فيه أحمد رزق وكان صادقاً فى إبراز مفردات الشخيصة، والتحولات التى حدثت لها.. وأحمد فلوكس انفعالاته كانت تعبيراً حقيقياً لضابط فى وضع الأسر بالحرب ومصر أن يكون فى المواجهة الأمامية، وكيفية استخدام إرادته لعرض قوة المقاتل المصرى. وبالطبع محمد فراج يزداد توهجاً مع كل دور يؤديه لامتلاكه ميزة الاهتمام بمفردات كل شخصية بأدائه الذى يشدك تجاهه بهدوء ثم يستحوذ عليك ولا يدعك تذهب بعينك بعيدًا عنه.. ورغم المشاهد القليلة لعمر زهران فإنه وصل للمشاهد تكوينة القادة فى إدارة الحروب بمزيج من الهدوء الذى يبدو ان وراءه دراسة للواقع بكل تفاصيله.

وشريف عرفة فى هذا العمل كان اهتمامه الشديد بالتفاصيل فى كل مرحلة من مراحل الفيلم كألوان الملابس العسكرية، مستعرضاً ما حدث فى ذلك الوقت من خلال قصص إنسانية بسيطة على خلفية أحداث الحرب، التى برز فيه تمكنه من استخدام التقنيات والمؤثرات السمعية والبصرية بأقصى درجة، وفى بعض أجزاء الفيلم قد تتخيل نفسك مشاركاً فى تلك المعركة، وبالطبع هذا الاتقان سبقه خضوع الأفراد المشاركين كجنود بالفيلم للكثير من التدريبات القاسية، مع تجنب شريف عرفة الكثير من أكليشيهات الأفلام الحربية.

وفى النهاية فيلم الممر عمل على إعادة تنشيط الذاكرة الوطنية كما هو جلى فى احداث الفيلم، وإعادة الاعتبار لشخصية المصرى الحقيقية والتى تعد بمثابة القوة المنتصرة والقادرة على أن تكون الرمز للشباب وكأن الممر يعبر بنا من جديد لتصحيح العديد من المفاهيم التى دمرتنا من قبل.