رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب: «ولد الغلابة» ملحمة صعيدية أخرجت ممثليها من جلودهم

بوابة الوفد الإلكترونية

«ولد الغلابة» توليفة فنية تدخل إلى عالم الملاحم الإنسانية الصعيدية وهى تحمل معها تغييرا شاملا فى نوعية الأعمال التى يقدمها «أحمد السقا» والذى أصبح فى المسلسل «عيسى» بمثابة البطل التراجيدى الذى تقسو عليه الدنيا فيقوم بتحديات تدمره، نتيجة لحظة ضعف شخصية حتمية، جعلته يتنازل عن مكانته السامية أمام ذاته على الأقل ليسقط ويدمر، ومن خلاله تم رصد المأساة العائلية لكل أفراد أسرته التى جعلت حياة كل واحد فيه أحد المستحيلات، الرائع فى هذا البناء الدرامى الذى خلقه السيناريست أيمن سلامة هو أنه جعل مشاعر الشفقة والخوف التى يثيرها العمل لا تنشأ من عطفنا على الشخصية الرئيسية للعمل فقط بل تتعداها إلى كل أفراد المسلسل وذلك لأن كل الشخصيات بهذا المسلسل بنيت لتثير فينا شيئا من الرأفة، فهى تبدو بالنسبة لنا وكأنها تقف على باب قلوبنا، وأعطاه المخرج مستوى الرؤية الإبداعية التى تجعلهم أشبه بحالة التطهير الوجدانى لكل لحظات الإخفاق التى يمر بها الأبطال، فمع كل مشهد يلعب المخرج محمد سامى بكادراته على إثارة عاطفتى الشفقة والخوف التى حولت الأبطال من السعادة إلى الشقاء، مع إظهار كل هذا الضعف والانكسار الذى يواجهون به مصيرهم. ورغم أن الشخصية الرئيسية كانت تتسم بالسمو والاقتراب من الفضيلة بشكل كبير، فهو رجل فاضل وقور محبوب من أهله، إلا أنه يملك داخله كما هائلا من الإحساس بالضعف والهوان.

إن أيمن سلامة فى «ولد الغلابة» الأميل إلى الطرح الإنسانى عند أرسطو فعيسى لا يقع فى الخطيئة نتيجة لرذيلة تعيبه فى تكوينه النفسى، وإنما بسبب سوء تقدير للأمور أو شدة الظروف المحيطة به فينتج عدم التوازن، وتتصرف الشخصية تبعا لمشاعرها الجياشة، والرائع أن الشخصيات فى هذا العمل من لحم ودم فهى لا تملك الخير المطلق كما فى شخصية أحمد السقا ولا الشر الشيطانى كما فى ضاحى الذى فى قلبه قدر هائل من الحب لصفية، مما جعل الصراع فى هذا العمل طبيعيا وإنسانيا حسب مفاهيم وقدر التعليم لدى أبطاله، فقد نجد فى مشاهد تضاربا بين الخير والشر فى أعماق الشخصية، وهناك اختلاف واضح بين شخوص المسلسل وهذا يؤكد أن السيناريست قادر على خلق تباين بين الشخصيات بعضها وبعض، بل أنه أحياناً يحدث تباين بين تصرفات الشخصية الواحدة من وقت لآخر ويبدو هذا بشكل جلى فى شخصية صفية التى أدتها باقتدار إنجى المقدم، التى تملك نواصى كل عمل تؤديه مما يجعل المشاهد يثق فى وجودها فى أى دراما على أنها ستبحر معه فى روح الشخصية المكتوبة وتلبسها من روحها وإبداعها فأنت هنا مع شخصية ذات مزاج اندفاعى حاد إلى درجة الانتقال من إحساس إلى آخر، فهى شخصية لا تتبع قانون الضرورة والاحتمال فى أفعالها، حتى تكون مقنعة وتسير وفقا لمنطق الأمور، ومع ذلك فالمقدمات التى أعطاها السيناريو لشخصيتها تؤدى للنتائج، لذلك لم تقم صفية فى

الأحداث بأفعال غير مبررة، أو أفعال لا أهمية لها ولا تساعد فى تعميق الأثر الدرامي. ولم تكن مشاهدها مقحمة على العمل، أو أفعالا زائدة عن تلك التى تصل بنا إلى ما حدث لشخصيتها. أما شخصية ضاحى فتتبع قانون الضرورة والاحتمال وما يحدث له فى الأحداث إنما هو محصلة أفكاره وبالتالى تكون نهايته مأساوية بشكل أو بآخر. ومحمد ممدوح بأدائه شخصية ضاحى يؤكد أنه فى كل عمل فنى يقدمه يثبت أنه وصل إلى مرحلة النضج الفنى، التى تكتمل بالشخصية التى يقدمها وتختلف بشكل كبير عن الشخصية التى قدمها قبلها، وخاصة أن الشخصية بها الكثير من التفاصيل.

وقد تتفق أو تختلف على محتوى العمل من حيث حالة «الحزن» التى عكسها المسلسل، والمغزى الذى أراد المخرج أن يقدمه فى استغراقه أحياناً كثيرة فى التفاصيل، ولكنك لا تستطيع إنكار أن محمد سامى له بصمته الواضحة فى كل مشهد وخاصة أنه قادر على التحكم بين التكوين البصرى والإضاءة والموسيقى إلى جانب إدارته لحركه الممثل مما يؤكد أنه مخرج يعرف ما يريد أن يقدمه مما جعله قادرا على أن يعكس حالة الحزن التى عكسها المسلسل دون مبالغة، وحالات التوتر التى تنتاب أبطاله، ويبدو أن هناك حالة من التناغم بين أيمن سلامة ومحمد سامى منذ مسلسل مع سبق الإصرار، وحكاية حياة. ويحسب له أنه لم يخلق لزوجته مى عمر مشاهد مقحمة على العمل ولكن كل مشهد لها لا يمكن الاستغناء عنه. ومحمد سامى يؤكد بهذا العمل أنه مخرج لديه خبرة كبيرة، ويعرف كيف يضع الفنان فى قالب مختلف وغير نمطى، ويستطيع إعادة اكتشافه مرة أخرى، ويلفت الأنظار إليه مرة أخرى، ويبدو هذا واضحا أيضاً مع الممثل القدير هادى الجيار وصفاء الطوخى.. وفى النهاية لكل عمل فنى ناجح مفرداته ويبدو أن سر نجاح «ولد الغلابة» أن الخلطة الدرامية قدمت أبطالها خارج المألوف عنهم سابقا.

 

حنان أبوالضياء