رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في يوم ميلادها.. ملامح من حياة باية محيي الدين التي أخذها الفن من الظلام إلى عاصمة النور

باية محي الدين
باية محي الدين

قالت "باية"، ذات مرة في حوار لها "أرسم لأنفس عما بداخلي، أنا أحب ملامسة الفرشاة.. عندما نرسم والفرشاة في اليد، فإننا نهرب من كل شيء إننا في عالم مختلف ونخلق كل ما أردنا خلقه.. إنه مسار نوعا ما فردي.. وأحبه، إنه ضرورة بالنسبة لي عندما لا أرسم أحيانا لعدة أيام، فإن ذلك ينقصني ويجب أن أعود إليه".

 

إذا كنت تتسائل عن صاحبة تلك الكلمات، والتي يحتفي بها اليوم  محرك البحث، "جوجل"، فإليك هذا التقرير الذي يوضح بعض ملامح حياتها.

هى فتاة من مناطق القبائل بالجزائر، لم تدخل مدرسة في حياتها، وبالتالي لم تتعلم الرسم، ولكن أهلتها موهبتها الفذة للإنتقال من كونها عاملة صغيرة في مزرعة يملكها أحد المستعمرين كما كانت جدتها، إلى مكانة صارت فيها واحدة من أشهر رسامات باريس، يوم كانت مدينة النور عاصمة الرسم في العالم.

 

اسمها الأصلي "فاطمة حداد"، ولكنها تعرف بإسم "باية محي الدين"، جاءت إلى عالمنا عام1931، ورحلت منه عام1998، وخلال تلك السنوات، استطاعت، أن تصبح واحدة من الأسماء المميزة في الفن التشكيلي بصفتها المؤسسة الأولى لمدرسة الفن البدائي.

 

كانت حياتها قاسية، وبائسة كأي فتاة يتيمة الوالدين تعيش تحت سلطة احتلال، فقيرة ومحرومة، تعيش مع جدتها التي تعمل في حقول يسيطر عليها المستعمرين الفرنسيين.

 

ولأن الحياة تولد من رحم الموت، تبدل حال باية، وانتهى البؤس صدفة، عندما كانت ترافق جدتها في العمل، وهى تبلغ من العمر الثانية عشرة، بينما كانت أخت صاحب المزرعة الفرنسية مارجريت كامينا، تجلس في الشمس تتابع الفلاحين، فلاحظت الطفلة "باية"، تلهو بالطين وتشكل به تحفا فنية، فأعجبت كامينا بالفتاة، و اصطحبتها معها إلى بيتها بالجزائر العاصمة لتساعدها في أعمال البيت، و لتعتني بموهبتها، ثم تبنتها فيما بعد.

 

وفي هذا البيت وجدت باية الفرصة كاملة لتتعرف على عالم جديد، هو في الحقيقة عالمها الذي كانت تبحث عنه لا شعوريا، ففي هذا البيت كان الفن يسيطر على كل جوانبه، مارجريت فنانة ترسم على الحرير، وزوجها فنان إنجليزي يرسم البورتريه.

 

ومع انبهار الفتاة الصغيرة بهذا العالم الذي ساقتها الأقدار إليه، ومع كل الفرص المتاحة من تشجيع، وأقلام وفرش وألوان، سرحت "باية"، بخيالها إلى حكايات جدتها في الحقل، من أشكال، لحيوانات وأزهار، وعصافير، فلم تستطع المقاومة واستغلت الفرصة، ورسمت أولى لوحاتها، معتمدة على حكايات جدتها، وعندما اطلعت مارغريت، "أمها بالتبني"، على الرسومات انبهرت وشجعتها.

 

حتى هذه الفترة كان لازال اسمها

فاطمة، ولكن مع انتشار فنها وشهرتها لقبت بباية، واسم "باية"، هو نسبة إلى "باي" على غرار "داي"، وهو رتبة تركية كانت تمنح لحكام الولايات أثناء الحكم العثماني للجزائر، ولقبت بهذا اللقب لما ظهر من موهبة لدى الطفلة بأنها ستكون باية الرسم الجزائري.

عندما وصلت للسادسة عشر من عمرها، أصبحت تحتل مكانة لافتة في الفن التشكيلي الجزائري، وفي هذه الفترة زار النحات والمنتج السينمائي، إيمي ماغ، وقدم له الرسام جون بايريسياك، صديق عائلة "مارجريت"، أعمال باية الفنية فانبهر بها، ووجدها تتميز عن غيرها بالبدائية والعفوية، وفي نفس العام نظم ماج، لباية أول معرض بمؤسسة ماغ الفنية في باريس.

​بعد أقل من عام على معرضها الأول دعاها الرسام الإسباني العالمي "بابلو بيكاسو"، إلى ورشته بجنوب فرنسا، لتقضي عدة أشهر برفقته، وأنجزت تحفا فنية من الفخار، ورسمت العديد من اللوحات التي من بينها لوحات "السيراميك" الشهيرة.

 

وتعاونا في إنجاز عدة تحف جميلة، ولم يكن بيكاسو وحده الذي أعجب بأعمالها، ففي باريس انفتحت أمامها آفاق واسعة، وأصبحت وجها بارزا للفن المعاصر الجزائري والعالمي، والتقت جورج براك، وهو من مؤسسي المدرسة التكعيبية، وكتبت عنها مجلة "Vogue الفرنسية ونشرت صورتها، واعترف بها الوسط السوريالي.

 

عادت بعد ذلك "باية"،  إلى الجزائر وتزوجت من محفوظ محيي الدين، أحد أبرز مغنيي موشحات المالوف الأندلسي في الجزائر، الذي تحمل اسمه، إذ أصبحت توقع باسم "باية محي الدين"، بعد سنة من زواجها انطلقت الثورة التحريرية، في الجزائر، وجمد الزوجان نشاطهما لعشر سنوات، وعادت باية إلى مزاولة فنها سنة 1963، حتى وافتها المنية في 1998.