عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

داعش في عيون صناع السينما بمهرجان الجونة السينمائي

بوابة الوفد الإلكترونية

 

ما بين اليومين الثاني والثالث من أيام مهرجان الجونة السينمائي شهدت مسابقتي  الأفلام الطويلة والتسجيلية بالمهرجان عرو ضا لاربعة  أفلام مقدمين من أربعة مخرجين ينتمون إلى تيارات وإتجاهات فكرية وسينمائية مختلفة ولكن بدا وكأن الهم العام الذي يلقي بظلاله الكثيفة على المنطقة العربية منذ سنوات فيما يتعلق بالمد الظلامي لتيارات التطرف الديني وملحقاته الإجتماعية والسياسية قد صار هو الخط العنقودي الجامع لهذه التجارب حتى مع تباينها النوعي مابين روائي وتسجيلي وتعددها الجيلي. 

الأفلام الأربعة هي "يوم أضعت ظلي" للسورية سؤدد كعدان و"ولدي" للتونسي محمد بن عطية وريح رباني للجزائري مرزاق علواش و أخيرا الفيلم السوري "عن الآباء والأبناء" للمخرج السوري طلال دركي وهو الفيلم التسجيلي الوحيد في القائمة.

ينتمي كل من سؤدد وطلال دركي للجيل الأحدث من مخرجي السينما التسجيلية السورية، ورغم أن تجربة "يوم أضعت ظلي" هي التجربة الروائية الطويلة الأولى لسؤدد إلا أنها استطاعت قبل ذلك أن تطرح اسمها بقوة من خلال أعمال تسجيلية مميزة. أما طلال فهو مخضرم  تسجيلي هام لديه قدرات حكي مذهلة عبر كاميرات تسجيلية المعايشة  التي يتقنها بموهبة واضحة.

بينما يأتي محمد بن عطية كواحد من ابرز الأسماء الشابة في السينما التونسية خاصة بعد أن طرح اسمه بقوة في تجربته الروائية الاولى "نحبك هادي" قبل عامين، ويظل اسم مرزاق علواش سواء اتفقنا او اختلفنا مع اطروحاته السينمائية الأخيرة ومغامراته الشكلية والنوعية  اسما هاما ضمن تيار السينما العربية الذي ظهر خلال سنوات الملاحظة الأولى على التجارب الأربعة التي يجمعها سياق مشترك يخص ظلال المد الديني المتطرف أن انضجهم على المستوى التقني والسردي و أقلهم تماسا مع المباشرة والخطاب التلقيني هو الفيلم التسجيلي  "عن الآباء والأبناء،رغم ما قد يحمله النوع من احتمالية المباشرة أو التلويح بالخطابية، في حين جاءت الأفلام الروائية الثلاث الأخرى

تحمل قدرا كبيرا من القصدية  والافتعال ونبرة الصوت العالية التي تكسر شفافية الإيهام لصالح عرض الأفكار بأقل  جهد بصري والكثير من الدعائية المضادة للفكر المتطرف.

يبدو سياق الدعاية المضادة والمباشرة متجليا في فيلمي "ولدي" و"ريح رباني" فحكاية الأب الذي يفقد ابنه الوحيد نتيجة ذهابه إلى سوريا لكي يلتحق بالتنظيمات الدينية المسلحة وحكاية الشاب الواقع تحت تأثير الجماعات والذي يتورط في علاقة عاطفية مع ارهابية قادمة لتنفيذ تفجير انتحاري كلاهما حكايات سبق وان أكلتها سرديات فيلمية عديدة منذ ظهور الموجات الاولى للإرهاب خلال سنوات التسعينيات.

أزمة الفيلمين ليست في نمطية القصص المطروحة ولكن كما سبق و أ شرنا في مباشرة الخطاب العام وعدم قدرة السرد على الخروج من الأسر الضيق للدعاية المضادة رغم أن كلا الفيلمين يحملان احتمالات جمالية كثيرة أبرزها في فيلم "ولدي" تلك الاطروحات الاجتماعية الكامنة في التفا صيل الصغيرة خلال الفصل الأول من الفيلم بين الأب وابنه في مشاهد  شراء الحاجيات من السوبر ماركت أو مرض الأبن أ و مشاهد انتظار الأب لأبنه لكي يقضي بعض الوقت مع اصدقائه، بينما في الفيلم الجزائري فإن الخيار اللوني الأبيض والأ سود رغم نمطيته إلا أنه ا ضفى حالة شعورية قاتمة متسقة وشارحة للبيئة النفسية والشعورية العامة للفيلم التي غابت عنها ألوان الحياة بكل زهوتها.

ولكن في مقابل هذه الاحتمالات الجمالية المتحققة بصورة غير مكتملة تأتي المباشرة الحوارية الممجوجة في كلا الفيلمين خاصة في ريح رباني للدرجة التي يقف فيها أحد ضباط الاقتحام أثناء المطاردة الاخيرة للإرهابية وعشيقها أمام جثة السيدة العجوز التي اوتهم

في بيتها ثم وشت بهم

فقتلوها، يقف الضابط ليلقي كلمتين فاترتين عن ادعاء الجهاديين السماحة الأسلامية في مقابل ذبحهم لأي شخص يقف في طريق تنفيذ مخططاتهم.

ويأتي الفيلمان السوريان ليقدما زاويتي نظر متناقضتين مع بعضهما البعض بصورة ملفتة، فالمخرجة السورية سؤدد كعدان تتعامل بحيادية غريبة وربما بكثير من النظرات الاحادية مع القرية التي يبدو سيطرة النظام الديني عليها وا ضحة، حيث يتظاهر افرادها بسلمية  شديدة ضد النظام في اوائل الحرب السورية قبل ستة سنوات بل ويقدمون أعدادا من الشهداء كل جمعة تحفر لهن النساء المقابر لأن الرجال مشغولون بالتظاهر.

هل تريد سؤدد أن تقول أن طريقة تعامل النظام القاتلة مع اهالي القرى ذات التوجه الديني هو السبب فيما شهدته سوريا فيما بعد ! صحيح أن بعضا من فتائل الحرب السورية اشعلتها.

قنابل النظام الحارقة لكن لم تكن هذه هي كل الفتائل، والوقوف فقط على اعتبار أن الحرب هي رد فعل من الأ سلاميين تجاه قمع النظام هي نظرة قاصرة غير حيادية او موضوعية وتفتقد للرؤية الشمولية التي افرزتها سنوات الحرب الماضية، حتى لو كان الفيلم يتحدث عن فترة سابقة معتبرا اياها أصل كل ما حدث بعد ذلك.

في مقابل هذه الأحادية نجد أن طلال دركي في ابناء وابناء ا ستطاع من خلال اسلوب تسجيلية المعايشة أي البقاء ضمن البيئة المراد تصويرها وبالقرب من الشخصيات يريد أن يستخلص عبر حكاياتها رؤيته، استطاع  طلال عبر هذه الأسلوب الصعب الذي يتقنه ان يقدم رؤية من الداخل تتسم بالكثير من النضج عن نظرة الجهاديين إلى أنفسهم وإلى العالم الخارجي والأهم من ذلك إلى المستقبل ، ان ما يطرحه طلال في فيلمه ليس مجرد مغامرة تسجيلية من داخل معسكر الأعداء، ولكنه محاولة لأستشراف المستقبل المتمثل في جيل الأبناء ممن يتم اعدادهم للجهاد أو لما هو اخطر، لتكريس الفكر الجهادي في أعماقهم لضمان إستمرار أتون الحرب ) ضد الطواغيت والكفار) مشتعل، على أمل ان يجلب كل هذا نهاية العالم كما في حديث أبو أسامةعن أن الحرب الكبرى التي تسبق نزول المهدي وظهور المسيخ الدجال هي ما نشهده الأن ، وعن سعادته لأنه بما يفعله يجلب إلى العالم علامات الساعة الكبرى لتقوم القيامة على الأشرار ويدخل هو وصحبه من الأخيار والمجاهدين الجنة !! وهو منطق عبثي.