عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«إنسانيتنا».. التى نراها فى «يوم الدين»!

بوابة الوفد الإلكترونية

كتبت - حنان أبوالضياء

منذ سنوات عدة لم أتحمس لفيلم بقدر تحمسى لفيلم «يوم الدين» التجربة السينمائية الروائية الطويلة الأولى للمخرج أبو بكر شوقى والذى خطى خطوته الأولى نحو الاهتمام به عالميا بالدخول ضمن المسابقة الرسمية فى النسخة 71 لمهرجان كان، وحصل فيه على جائزة «فرانسوا شاليه» للأعمال التى تكرس قيم الحياة والصحافة. وتاريخ تلك الجائزة يصل إلى عام 1997 لتكريم الصحفى الفرنسى والمؤرخ السينمائى فرانسوا شاليه. وكان رد الفعل تجاه تجاه يوم الدين ليلة عرضه فى كان، والتى حضر فيها الممثل «كريستوف والتز» و«جوليان مور» مبشراً لأننا أمام عمل فنى يعزف بكل جمال داخل منظومة المحلية لتكون هى تأشيرة الوصول له للدخول إلى العالمية، ورغم أنه كان أول مشاركة مصرية فى الحدث الرئيسى للمهرجان منذ «بعد الموقعة» ليسرى نصر الله فى 2012. ولكن الأمر فـ«يوم الدين» مختلفاً ليس فقط لأنه فيلمه الروائى الطويل الأول، ولكنه بعيد عن الأطروحات السياسية المباشرة وخاصة بالنسبة للأفلام التى تناولت الربيع العربى فكانت صك الدخول للمهرجان بدون النظر لمستواها الفنى، وماذا تريد أن تقوله كفيلم 18 يوم المصرى المنتج عام 2011 المنتمى لفئة الأفلام المستقلة، وتناول عدة قصص تدور حول ثورة 25 يناير وشارك فيه 10 مخرجين و8 مؤلفين وعدد كبير من الممثلين المعروفين، وأيضاً فيلم «اشتباك» لمحمد دياب الذى عرض فى قسم «نظرة ما» ضمن الاختيارات الرسمية عام 2016، مع تحفظى التام على مايعرضه هذا العمل الذى أنتجه الداعية الإسلامى «معز مسعود»!

ومن المعروف أن «يوم الدين» سيشارك فى مهرجان الجونة الأيام القادمة ضمن المسابقة الرسمية وقد يكون الأوفر حظا لنيل أحد جوائزه، ويمثل مصر فى مسابقة الأوسكار والذى نعول عليه جميعاً لتخطى المرحلة ويدخل ضمن القائمة القصيرة للترشح لأوسكار أحسن فيلم أجنبى والتى تضم خمسة أفلام، وخاصة أن مفرداته الإبداعية تجعله جدير بالوصول إليها، فنحن أما تجربة لمخرج يبدو أنه مهتم بقضية مرضى الجزام ومعاناتهم الإنسانية لذلك قدم قبل عشر سنوات فيلماً آخر وثائقياً بعنوان «المستعمرة» عن مستعمرة الجذام فى أبو زعبل، ومنها شحذ خياله ومشاعره الإنسانية التى يجب أن تكون ممتزجة بتفكيره وإبداعه، ليخرج فيلم «يوم الدين» بهذا الفيض المتدفق من الإنسانية التى لاتسهب فى اجترار دموعك لتحظى باهتمامك، ولكنها تجعلك تعيش بكل خلجاتك رحلة تلك الشخصية الرئيسية «بشاى»، الرجل القبطى جامع القمامة الذى وضعه أبوه وهو فى العاشرة من عمرة أمام مستعمرة الجذام الذى كان يعانى منه، وسبباً رئيسياً فى ترك والده له، ومع أنه شفى منه إلا أن آثاره من جروح شوهت جسده ووجهه هى هويته التى يعرفه الناس بها، ولكنه داخل المستعمرة يعيش حياة مليئة بالتفاصيل يغلب عليه حالة التعاطف الجميل التى يحظى بها من العاملين بالمستشفى وبالأخص مديرها الذى يبدو بملامح وجهه الطيب وصوته الحنون كأب له، مما يجعل المشاهد متقبلاً مأساة بشاى بقدر من الشجن الذى يسمو بالروح، لأن هؤلاء المرضى لم يكن العاملون بالمستعمرة أداة لتعذيبهم ولو بكلمة، ولكن بلسم روحى شافى بكلمة طيبة تبعها فعل إنسانى راقى، ونرى هذا بوضوح بعد أن توفيت زوجته المريضة عقلياً والتى كانت مصابة أيضاً بالجذام، وكانت تقيم معه بالمستعمرة من قبل، أمام قبرها البسيط وقف جميع العاملين بالمستعمرة بمن فيهم المدير يشدون من أزر «بشاى» الذى غلب الحزن على عينيه المختفية وسط الندبات التى تركها المرض على وجهه، ولكنك تشعر بها فى صوته الوهن وكلماته البسيطة بتقبل الواقع، بل أنه يتجاوز هذا الحزن بإطلاق صوت التسجيل الذى وجده بين القمامة وحاول إصلاحه لزوجته، ولكن قدرها سبقه، ويعود إلى غرفته البسيطة فى المستعمرة ويركز المخرج على صورة زفافهما على الحائط متنقلاً بين وجه «بشاى» والصورة فى حوار صامت أقرب إلى سيمونية تسمعها البصائر متجاوزة الأذان، الصمت الكامن بكل التفاصيل والحافل بالمشاعر، والذكريات، والتأملات، فى الموت، ولعل مشاهد قدوم الأم لزيارة قبرها شاعرة بالندم لأنها تركتها ولم تزورها مرة واحد بمثابة الرسالة الأولى الموجهة من المخرج بالفيلم لهؤلاء الأهالى الذين يتركون أولادهم فى تلك الأماكن ويتناسون أنهم بشر يحتاجون إلى مشاعر أهاليهم، ولو من خلال الزيارة بين الحين، لتكون لقطة اليد المبسوطة من الأم إلى بشاى بمثابة كلمة التعارف والوداع فى وقت واحد، أتبعه المخرج بتعبير عن الحزن شامل وكامل، بضغطة يد بشاى على صدره. وبهدوء ورضا هما ثمة بشاى منذ المشهد الأول يقرر ترك مستعمرة الجذام فى شمال مصر ليبحث عن عائلته حاملا متاعه البسيط على عربة كارو مع حماره «حربى» ويكون دليله ماقاله له «عادل عبدالسلام» (بومبا) والذى توفى منذ فترة قريبة من السير بمحاذة النيل ليصل إلى قنا وهو صغير للبحث عن جذوره فى جنوب البلاد. ويترك أوباما وراءه الميتم المجاور

الذى نشأ فيه، لينطلق مع صديقه على متن عربة يجرها الحمار «حربى» عبر أنحاء مصر فى اتجاه محافظة قنا، ورافقه فيها الطفل النوبى اليتيم «محمد» الملقب «أوباما» والذى جمعتهما أبوة الظروف، والذى اكتشف اختباءه فى العربية بعد بداية الرحلة، ولعل الجمع بين معاناة اليتم والعيش فى ملجأ، ومعاناة الهجر فى مستعمرة جعلت المشاهد أمام تدفق مسمتر من الأحاسيس إلى قد تديننا أكثر مما نتصور!

قد يرى البعض أن العلاقة بين رجل وطفل قد شوهدت فى أفلام عدة مثل «إبراهيم وزهورالقرآن» لعمر الشريف وخاصة أن هذا العمل تعامل مع طفل يهودى ورجل مسلم، والطفل (The Kid) سنة 1921. الفيلم من إخراج تشارلى تشابلن وكتابة تشارلى تشابلن (خروج أم فقيرة من المستشفى لكنها لا تريد من الرضيع أن يعيش حياتها فتلقى به فى سيارة أمام منزل أحد الأكابر لكن تتم سرقتها من قبل لصين فيتفطنان إليه ويضعونه تحت حائط فى الأحياء الفقيرة فيعثر عليه الصعلوك (تشابلن) ويسميه جون ويربيه رغم الفقر)، وهناك تجربة تجربة سينمائية مميزة للمخرج البلجيكى مارك هنرى واينبرج امتزج فيها الوثائقى بالروائى فى فيلم أطفال كينشاسا عازفا على حالة بؤس الأطفال إلى يمثلها الطفل محمد فى يوم الدين. فى تلك الرحلة ترك المخرج كاميراته حرة بلا قيود لتنقل حقيقة الناس بلا زيف أومبالغة، فهناك من قست قلوبهم كالحجارة كالشباب الذى حولوا «بشاى» إلى وسيلة للسخرية عندم عن كيفية الوصول إلى قنا، وهناك من يتفجر إنسانية أمام حالته وبمجرد معرفتهم أنه شفى وأن مرضه غير معدى يأكلون معه من طبق واحد ويساعدونه للوصول إلى بيته، وهى الرسالة الثانية للمخرج بأن المرض الذى عشنا عمرنا نخاف منه غير معدى. وخلال يوم الدين وهو من نوعية movie road تقديم نظرة مختلفة للمجتمع أهمها أننا جميعاً أميل للوسيطة من التطرف وظهر هذا جليا عندما أخبر بشاى أعضاء الجماعة الإسلامية أن اسمه محمد، فضحك أحدهما وكأنه يعرف هويته الحقيقية قائلا:((نمشيها محمد))، بل أن بشاى يجد فى المسجد ملاذاً للأمان والنوم، ومشهد صلاة بشاى مع أوباما فى المسجد. وكما يقول بشاى «لن نصبح متساوين إلا فى يوم الدين»، إلى جانب أن المخرج فى الفيلم تطرق إلى بعض المشاهد التى تضمنت انتقاداً للمجتمع وخاصة عندما أعطاه الطفل قبعة عليها «بيشة» يخفى بها وجهه حتى لايخاف منه الناس، بل أن جملة «بشاى»: (أنه سيركب فى عربة الحيوانات بالقطار حت لايخاف منه الناس) كانت بمثابة المشرط الذى يفتح (دمل) ضد بعض الفئات من المهمشين.

ويجد المشاهد نفسه فى الفيلم أمام ممثل عملاق من أول دور وهو راضى جمال الذى لعب شخصية بشاى ومن المعروف أنه مصاب بالجذم وليس من الممثلين المحترفين، ونفس الشىء بالنسبة للطفل أحمد عبدالحفيظ متقمص شخصية الطفل «أوباما». ولعل أختيار المخرج للمصور الأرجنتينى فيديريكو سيسكا ليقدم صورة لمصر بعيدة عن الكارت بوستال وفى نفس لا تعتمد على إظهار القبح فى كل شىء بل هى صورة شديدة لواقعية ترى بعين الإنسان مصر بكل مافيها، وهى نقطة تحسب للعمل، إلى جانب مشهد موت الحمار حربى الذى كان فيضاً من الإبداع من المخرج والمصور والممثلين.