رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المساعدات الأمريكيّة بين الرشاوي والفساد

قبل أكثر من خمسة عشر عاًما ربطتني بأحد سفراء مصر في سويسرا علاقة صداقة وثيقة. بعكس غالبية سفراء مصر في سويسرا، كان هذا هو السّفير المصريّ الوحيد الّذي شهد له الجميع بدماثة الأخلاق، وحبّ العلم، والحرص على خدمة مصر. في هذه الفترة تمكنت من معرفة بعض أسرار ما يُسمّونه «المساعدات الأجنبيّة»!

 

قال لي أحد موظّفي السّفارة المصريّة في برن: «إنّنا نتوسّل إلى الأجانب لكي يقدّموا لمصر المساعدات، والقروض. وبعد ذلك نتوسّل إليهم لكي يلغوا كلّ ما على مصر من ديون»!!

فما هي يا تُرى خلفيات هذه المساعدات المزعومة؟

قرأت اليوم خبرًا عاجلًا يقول إنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة أعلنت تقديمها مئة وخمسين مليون دولار معونة عاجلة إلى مصر، لكي تتعافى مِما لحقها من خسائر من جَرَّاءِ ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١م:

١- المساعدات المزعومة هذه لا يتمّ دفعها من الحساب الخاصّ لهيلاري كلينتون أو رئيسها أوباما، بل هي جزء من حصيلة ما يدفعه الأمريكيّون من ضرائب.

٢- ليس يوجدُ في دنيا السّياسة  صداقات وأصدقاء، بل مصالح وحلفاء. الغرب بالذّات لا يعرف شيئًا اسمه الرّحمة أو الشّفقة أَوِ الصّداقة. كلّ دولار يقال ظاهريًا إنّه معونة، لابد أن يجلب عشرة دولارات بالتّمام والكمال، وإلّا: “يفتح اللّه”!!

٣- الولايات المتّحدة بالذّات لم تفكّر ثانيةً واحدةً طوال كلّ هذه العقود الطويلة، والسّنين المديدة، في مصلحة المواطن المصريّ العادي - عندما تقرّر ما يسمّونه «معونات»!! بل تفكّر في مصالحها الخاصّة فقط لا غير، هي مساعدات ذاتيّة، هدفها فرض الهيمنة الأمريكيّة على مصر، وتكريس الحكم الدّيكتاتوريّ المستبد.

٤- يمكن أن نقول إنّ المساعدات الأمريكيّة، مثلها مثل أي مساعدات أجنبيّة أخرى، هي نوع من المساعدات الذّاتيّة، أي أنّها أموال تُنفق من أجل تشجيع اقتصاد الدّول المانحة، والدّفاع عن مصالحها في المقام الأوّل. هي وجه قبيح من أوجه السّياسة الغربيّة.

٥- قيل لنا إنّ مصر تتلقّى من الولايات المتّحدة معونات سنويّة قد تصل إلى مليار ونصف أو حتّى ملياري دولار. فكيف يتمّ إنفاق هذه المبالغ؟ وهل يُخصّصُ ولو جزءٌ بسيطٌ منها مثلًا في رفع مستوى معيشة المواطن العادي؟ هل فكّر أحد مثلًا في تخصيص هذه الأموال من أجل حلّ مشكلة طوابير رغيف العيش في مصر؟

بالطّبع لا. فليس الهدفُ من المساعدات الأمريكيّة والأجنبيّة رفعَ مستوى معيشة المصريّين، أو وقف معاناة المصريّين، لأنّ شعب مصر هو آخر من يهمّ صُناع القرار في واشنطن، بل إنّ من مصلحتهم الإبقاء على إملاق المصريّين وإفقارهم.

٦- بدلًا من السّعي إلى تخفيف أعباء المعيشة على المواطن المصريّ العاديّ، يقوم الأمريكيّون بتخصيص نسبة غير معلن عنها يتمّ تحويلها مباشرة على الحسابات السّرّيّة الخاصّة بقادة العصابة الّتي يتعاملون معها. ذلك أنّ الأنظمة الاستعماريّة والصّهيونيّة لا تتعامل مع الشّعوب الّتي تعتبرها قطعانًا من الماشية، بل تعتمد على أفراد من المستبدين، العملاء، ضعفاء النّفوس، غير المنتمين، المتفرعنين، المتنمردين، ممن يسهل تحريكهم كالدُّمَى وقطع الشّطرنج، فَيُنَفّذونَ الأوامر بمجرّد إصدارها، بدون جدل أو نقاش. وهذا أحدُ  أسباب تفضيل الأنظمة الاستعماريّة، الإمبرياليّة، الصّهيونيّة، التّعامل مع مجموعات العسكر المتطفّلين على السّياسة والحكم، فأهمّ ما يتعلّمه العسكر: «الطّاعة العمياء»!! وهذا يناسب الاستعمار والصّهيونيّة جدًّا !!

٧- دفع رشاوي للقادة يساهم في تطويعهم، وإحكام القبضة عليهم. فالمرتشي باع نفسه، وتورّط، ولا يستطيع بعد ذلك إلّا تنفيذ كلّ

ما يُطلب منه: إمّا تنفيذ الأوامر، وإمّا الفضيحة، وربّما التّصفية الجسديّة!! تخيّلوا مثلًا أفراد عصابة مبارك - الّذين كانوا يقسمون بالغالي ويحلفون بالثّمين أنّهم لا يقبلون أبدًا أيَّ إملاءات خارجيّة - إنّ أي مجرم من هذه العصابة يعلم تمامًا أنّ الأمريكيّين لديهم ملف كامل لكلّ منهم يحتوي على سوابقه وجرائمه، فيتمّ استخدام هذه المعلومات لابتزاز كلّ من تسوّل له نفسه أن يتمرّد على أسياده، أو يتردّد في تنفيذ الأوامر.

٨- يقوم الأمريكيّون بعد ذلك بفرض شروطهم على  قادة مصر. فيقرّرون تخصيص الجزء الأكبر من هذه «المعونات» لشراء «معدّات عسكريّة». هذا هو اللّفظ الظّاهريّ المستخدم، لكنّ المقصود هو أدوات لقمع الشّعب: سيّارات شرطة، رصاص مطّاطي، ذخيرة حيّة، سيّارات شرطة مصفّحة، معدّات مختلفة لعساكر الأمن المركزي، فول حمير لتغذية عساكر الأمن المركزي، عليف حيوانيّ لتصنيع خبز للشّعب، مسامير كأحد مكوّنات العيش، أسلحة قمع الشّعب وضربه وتعذيبه. كم حاولت إقناع البطل مجدي حسين طوال السّنوات الماضية بضرورة مخاطبة ضمير المواطن الأمريكيّ العادي، بطرح السّؤال البسيط عليه: أترضى يا أمريكيّ أن تقوم حكومتك بتخصيص جزء من الضّرائب الّتي تدفعها أنتَ للدّولة من أجل قمع حرّيّة الشّعب المصريّ، والتّجسّس عليه، وانتهاك حقوقه الإنسانيّة كافّة؟

٩- بعد هذا التّوزيع الجائر لما يُسمّونه «مساعدات أمريكيّة لمصر»، يتمّ تسجيل كلّ هذه الأموال - أو بعضها - على أنّها «ديون» على مصر. ونحن نتذكّر ما فعلته القوى الاستعماريّة مع الخديوي إسماعيل، عندما نصبوا له فخّ ما يسمّونه مساعدات أجنبيّة، فأغرقوا مصر في «الديّون»، ليسهل عيلهم بعد ذلك إخضاعها، واستعمارها، ونهبها، وإذلال شعبها. فكيف يا عالم، يدّعون أنّ هذه المعونات لمصر، في الوقت الّذي لا يصل منها إلى الشّعب مليم واحد، بل تخصّص فقط لتكريس الاستبداد، وقمع العباد، ونهب الأجانب للبلاد؟ مستحيل أن نقبل بمثل هذه المسرحيات بعد الآن.

١٠- باختصار أدعو مثقفو مصر وسيّاسييها الشّرفاء إلى إعادة النّظر كلّيّة في مسألة ما يطلق عليه «المساعدات الأمريكيّة لمصر». لا نريد أن ندع أَي ثغرة للقوى الاستعماريّة تنفذ منها، لتدمير مصالح مصر، والقضاء على أحلام شعبها. مساعدات بمثل هذه الشّروط تستطيع مصر تقديمها إلى أمريكا قريبًا، إن شاء اللّه!!