رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المؤامرة الدّنيئة لإجهاض الثورة

أخطر ما يمكن أن يحدث لمصر الآن هو أن تسير نحو المستقبل بدستور مرقّع، قبيح، لا يصلح حتّى لحكم دولة في العصر الحجري. هذا بالضّبط ما يحاك لمصر الآنَ في الخفاء. أرجو وأتمنى ألّا يكون جيش مصر متورطًا في هذه المؤامرة الدّنيئة، برغم كلّ الضّغوط الّتي يتعرّض لها. يقينًا ليس الأمر سهلًا بحيث نستطيع أن ننتقل من عصر الدّكتاتوريّة إلى عصر الدّيمقراطيّة بين يوم وليلة. فالمنتفعون من النّظام البائد يعدّون بالملايين. والفساد استشرى بدرجة مذهلة. والفاسدون مازالوا يستقتلون من أجل الدّفاع عن مصالحهم، وتوجيه ضربة قاضية إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١م. من ناحية أخرى مازال بنو صهيون يتآمرون، ويهدّدون، ويتوعّدون، ويضغطون، ويألبون، ويبذلون قصارى جهدهم من أجل إجهاض ثورة مصر.

 

ثورة مصر لديها الآن عدوان لدودان: عدوّ داخلي، وعدوّ خارجيّ. العدوّ الدّاخلي هو مؤسّسات النّظام القديم ورموزه، والعدو الخارجي يتمثّل في بني صهيون وجميع القوى الاستبداديّة في الدّول العربيّة الّتي أصابتها ثورة مصر بالرّعب والذّعر والفزع. أقطاب النّظام البائد في مصر، سواء في السّياسة أو قطاع الأعمال، يعلمون تمامًا أنّ نجاح الثّورة في مصر يعني الإعدام والموت بالنّسبة لهم. القوى الاستبداديّة في المنطقة العربيّة، بما فيها إسرائيل، تعي تمامًا أنّ نجاح ثورة مصر يعني امتداد فتيل هذه الثّورة قريبًا إليها، بما في ذلك إسرائيل الّتي يمارس قادتها سياسة مدمّرة لمواطنينهم أنفسهم على المدى البعيد. من المنطقيّ إذًا أن تهرول كلّ هذه القوى، وتسارع كلّ هذه الأطراف، إلى بحث سبل القضاء على ثورة مصر، ومناقشة وسائل إجهاض صحوة المصريّين.

بدأت المخطّطات بقرار الرئيس المخلوع تنصيب العسكري شفيق رئيسًا لوزراء مصر. فقام هذا  الأخير بتوجيه ضربات موجعة إلى ثورة مصر، رافضًا حتّى الآن تسميتها «ثورة». ويكفي أن نتأمّل نظرته المتعجرفة للشّعب المصريّ. وهي نظرة لا تختلف كثيرًا عن نظرة ضبّاط الجيش المصريّ إلى العساكر البسطاء، نظرة ازدراء، واستحقار، واستخفاف، واحتقار. لكنّنا نقول لشفيق إنّ شعب مصر أرقى، وأنبل، وأذكى، من أن يستحقّ مثل هذا الاحتقار. بل إنّ شعب مصر لا يكنّ لأمثال شفيق إلّا كلّ الاحتقار والاشمئزاز والتّقزّز، لأنّه فاسد، ومجرم، وكذّاب، وخائن، وينبغي تقديمه فورًا إلى المحاكمة، إن شاء اللّه.

أضف إلى هذا أنّ معظم الوزراء الّذين يعملون في وزارة شفيق محسوبون على النّظام القديم، ويستميتون من أجل مقاومة الثّورة، وإعادة النّظام القديم. لم ينسَ الشّعب الأداء الهزيل للوزير «الغيط»، الّذي لا نعلم من أين أتى به الرّئيس المخلوع. فعند سماع كلامه، نشعر وكأنّه لم يحصل حتّى على الشّهادة الابتدائيّة، ومع هذا فيحلو له أن يتمخطر، ويتعربد، ويكابر، ويتنمرد. وجّه هذا «الغيط» أدنئ الإهانات لثورة مصر المجيدة. ويمكن أن نقول إنّ غالبية المشاركين في وزارة شفيق يعملون ضدّ ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١م بطريقة أو بأخرى.

من ناحية أخرى يقوم من يُطلق عليهم «رجال الأعمال» في العهد البائد ببذل قصارى جهدهم من أجل توجيه ضربة موجعة للثّوّار المصريّين. فكلّ هؤلاء الّذين نهبوا الملياردات من ثروة شعب مصر، وجميع الّذين لم يتوقّفوا لحظة واحدة عن مصّ دماء الشّعب الطّيّب، كلّهم جميعًا يعملون على مدار السّاعة من أجل إرجاع عقارب السّاعة إلى الوراء.

بنو صهيون والأنظمة الاستبداديّة في المنطقة العربيّة لم يتوقّفوا لحظة واحدة عن تعبأة جميع قواهم من أجل إجهاض ثورة مصر المجيدة. لديهم جميعًا الاستعداد للتّضحية بكلّ ما يمتلكون من أجل القضاء على ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١م، وإعادة تنصيب المخلوع مرّة أخرى رئيسًا للبلاد، بل قاهرًا للعباد.

عندما أيقن العدو الدّاخلي، وتيقّن العدوّ الخارجي، أنّ شباب ثورة مصر مصرّون على مطالبهم، وليس لديهم أدنى استعداد للتّنازل عن حقوقهم، قرّر بنو صهيون والمنتفعون بالنّظام البائد أن يحيكوا مؤامرة محكمة لضرب ثورة مصر في مقتل:

مارسوا ضغوطًا رهيبة على المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة. طالبوا جيش مصر بعمل رتوش تجميليّة، وترقيعات جراحيّة، في دستور مصر الحالي الّذي أجهدوه تعديلًا، وأتعبوه تغييرًا. هدف هذه الرّتوش والتّرقيعات هو تضليل العباد، وخداع الشّباب، من أجل ضمان استمرار النّظام المقهور، لكن بصورة مختلفة توحي أنّنا دخلنا عصرًا جديدًا.

أخطر ما يحاك الآن لثورة مصر هو إقناع شعب مصر بأنّ التّرقيعات الّتي أدخلتها لجنة طارق البشري هي أفضل ما يمكن تحقيقه من مكاسب. الخطورة هنا تمكن في أنّ الدّستور بعد هذه التّرقيعات التّجميليّة يكرّس الاستبداد، ويضمن لأعداء مصر تكديس السّلطات في يد شخص واحد لا يجد بديلًا أمامه سوى الاستبداد، ويسارع بنو صهيون بإحكام قبضتهم عليه، لتنفيذ مخطّطاتهم وتلبية رغباتهم. ليس يريد شعب مصر بعد الآن دستورًا يحوّل منصب رئيس الجمهوريّة إلى مركز قوّة يجعل من الحاكم إمبراطورًا مستبدًا. بل نسعى ونريد تغيير هذه الأوضاع فورًا.

كيف تنطلي هذه الحيلة على شعب مصر؟ كيف نقبل أن يقوم المجلس الأعلى للقوّات المسلحة بدفعنا دفعًا إلى التّصويت على هذه التّرقيعات القبيحة في الدّستور في مارس ٢٠١١م، ثمّ نجد أنفسنا مجبورين على الدّخول في انتخابات مجلس الشّعب في يونيو ٢٠١١م، على أن تعقبها انتخابات الرّئاسة في أغسطس ٢٠١١م؟

مستحيل أن يحدث هذا، وإلّا فسيكون الأمر، وكأنّك يا زيد ما غزيت. وستضيع دماء شهداء الثّورة هدرًا، إن حدث هذا.

لقد قرأت لتوي عن مباحثات سرّيّة عقدها عمرو موسى مع بعض أعضاء الكونجرس الأمريكيّ، هرول بعدها إلى شفيق، ليخرج علينا بطريقة عنتريّة معلنًا ترشحه لرئاسة الجمهوريّة. مثل هؤلاء المهرولين هم الّذين خرّبوا مصر، لأنّهم يعتبرون المنصب غنيمة. في حين أنّ الإنسان المخلص الشّريف ينبغي أن يصاب بالذّعر من تحمّل مثل هذه المسؤوليّة الثّقيلة.

عمرو موسى والمهرولون جميعًا لا يصلحون أصلًا لرئاسة مصر، لأنّ مصر أبعد ما تكون الآن بحاجة  إلى سماع بلاغة سئمت منها، وجعجعة ظلّت تسمعها ليل نهار منذ ١٩٥٢م. الرّئاسة مسؤولية في المقام الأوّل، وليس مجرّد خطابة، ومؤتمرات صحفيّة، ومنظرة، وتمثيل، وكاميرات تليفزيون، ومؤتمرات صحفيّة. كلّ هذه السّلوكيّات غير المسؤولة من المسؤولين المصريّين عبر العقود السّتة الماضية ألقت بمصر بعيدًا عن حضارة العصر، وجعلتنا في مؤخرة البلدان المتقدّمة في العالم في مختلف ميادين الحياة.

نحن نطالب لذلك بمقاومة هذا المخطط الخطير الّذي أقحم أعداء الثّورة جيشَ مصر فيه، وضغطوا عليه من أجل تنفيذ مؤامرتهم. نحن - المصريّين - نريد دستورًا جديدًا يضمن لنا ما يلي:

١- أن يكون منصب الرّئاسة شرفيًّا، من أجل إنهاء عصر الحكم الفرديّ الاستبدادي.

٢- أن تقوم الأحزاب بانتخاب الرّئيس مثلما يحدث في ألمانيا، لأنّ وظيفة الرئيس ستكون شرفيّة فقط.

٣- إدخال النّظام الفيدراليّ، اقتداء بتجارب ألمانيا، وسويسرا، وأمريكا. وهو نظام يضمن عدم تكديس السّلطات في يد فرد واحد، بل يوزّع السّلطات، ويمنح الجميع فرصة المشاركة في تشكيل واقع مجتمعه ومستقبل بلاده.

٤- النّظام الفيدراليّ سيضمن أن يقوم مواطنو كلّ محافظة باختيار محافظهم. لا نريد أن نرى بعد اليوم رئيسًا لمصر من العسكر، يحرص على تنصيب زملائه من العسكر محافظين على محافظات مصر. عصر التّعيين ينبغي أن ينتهي الآن. نأبى إلّا أن يقوم الشّعب باختيار من يحكمه. شعب مصر لن يقبل أن يعامله رئيس بعد اليوم، وكأنّه رضيع بحاجة إلى من يعطيه البزّازة في فمه. لا نريد أوصياء بعد اليوم. سكّان كلّ قرية ينتخبون عمدتهم، مواطنو كلّ مدينة يختارون رئيسهم، سكّان كلّ محافظة يختارون محافظهم، إلخ. عصر التّعيين التّعسفي قد ولّى، يا مجرمون!!

٥- أملى أن ينظّم المصريّون أنفسهم بطريقة حضاريّة خلال الأيّام التّالية. أتمنى ألّا نؤسّس عشرات الأحزاب. نستطيع الاقتداء بالدّول الأكثر عراقة في الدّيمقراطيّة. أمريكا ليس لديها إلّا حزبان كبيران: الدّيمقراطيّ والجمهوريّ. أحزاب سويسرا الرّئيسيّة أربعة: اليمين المتطرّف، الأحرار، اليسار، الخضر. الاختلاف بين الأحزاب ينبغي أن يكون على قيم محدّدة معروفة في الدّول الغربيّة، مثل تصوّرنا عن دور الدّولة، أهو شامل كبير مثلما يطالب الدّيمقراطيّون في أمريكا، أم أنّه محدود ضيئل مثلما يطالب الجمهوريّون؟ إذا نجحنا في تأسيس أربعة أحزاب رئيسيّة تتنافس فيما بينها على الحكم، نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا في معركة استرداد حرّيّتنا.

٦- وأخيرًا أتمنى ألّا نصاب بالجمود، ونتوهّم أنّ ديمقراطيّة الغرب هي الطريقة الوحيدة للحكم. بل نحن مطالبون بتطوير الأشكال الغربيّة للحكم، والاتّعاظ بما وقع فيه الغرب من أخطاء في تطبيقه للدّيمقراطيّة، بحيث لا يقتصر دورنا على مجرّد التّقليد والنّقل. فالتّقليد مذموم مستقبح، وإعمال العقل مطلوب مستحسن.

باختصار: أدعو إلى إفشال هذه المؤامرة الخطيرة على ثورة مصر: لن نذهب للاستفتاء على هذه التّرقيعات الدّستوريّة، ولن نسمح بعمل انتخابات لرئيس ديكتاتوريّ. بل نريد حكومة مؤقتة من التّكنوقراط، تقوم بتسيير الأعمال في البلاد، حتّى يتمّ وضع دستور جديد لمصر يضمن لنا، نحن الشّعب، حقوقنا الأساسيّة كبشر، في اختيار من يحكمنا، ومتى يحكمنا، وأين يحكمنا. لا وصاية بعد اليوم.