رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عَيْشٌ، حُـرِّيَّةٌ، عَدَالَـةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ، كَرَامَةٌ إِنْسَانِـيَّةٌ -1

عِنْدَمَا انتفضَ شعبُ مصرَ العظيمُ في الخامسِ والعشرينَ من يناير 2011م، كَانَتْ مَطَالبُهُ وَاضِحَةً، جليّةً: عَيشٌ، حُـرّيّةٌ، عَدَالةٌ اجْتِمَاعِيّةٌ، كَرَامةٌ إِنْسَانِيّةٌ. ثورة يناير 2011م هِـيَ ثورة على تراكمت هائلة من الظّلم، والقمع، والقهر، والكبت، والإملاق، والتّجهيل، والتّضليل، والتّجويع.

 مظالم شديدة وقعت على الشّعب المصريّ منذ انقلاب العسكر سنةَ 1952م حَتَّى لحظة كتابة هذه السّطُور. استيلاءُ عسكرِ مصرَ عَلَى الحكمِ سنة 1952م لمْ يكُنْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ حَدَثًا فريدًا أَوْ ظَاهرةً محدثةً في تاريخِ البشريّةِ. فتاريخُ الانقلاباتِ العسكريّةِ في العالمِ بَدَأَ قبلَ انقلابِ مصرَ بكثيرٍ، وظاهرةُ الاستبدادِ والدّيكتاتوريّةِ عرفتْها الإنسانيّةُ في دولٍ أخرى كثيرةٍ، قبلَ أنْ يبتلي اللّهُ بها مصرَنَا سنة 1952م. فَيُقَالُ إنّ الدّيكتاتوريّاتِ بدأتْ مَعَ الإمبراطوريّةِ الرّومانيّةِ(1).

حَكَمَ العسكرُ مصرَ ستّةَ عقودٍ من 1952م تمثّلُ أحلكَ وأسوأَ فترةٍ تاريخيّةٍ مرّتْ عَلَى مِصْرَ مُنْذُ. فقد قَامَ حكمُ العسكرِ لمصرَ منذُ البدايةِ عَلَى أسسٍ هشّةٍ، واهيةٍ، ضعيفةٍ، فَكانَ لَابدَّ لَهُ أنْ ينهارَ عاجلًا أو آجلًا. أقامَ عسكرُ مصرَ حكمَهُمْ على الكذبِ، والظّلمِ، والجهلِ، والتّضليلِ، والفهلوةِ، والطّاعة العمياءِ، والولاءِ، والقمعِ، والإرهابِ، وكبتِ الحرّيّاتِ، والسّرقةِ، والنّهبِ، وتجويع العلماءِ، ومعاداةِ العلمِ، والتّحالفِ مَعَ أعداءِ البلادِ والعبادِ.

مَازالَ لَدَيْنَا بعض المصريّينَ الّذينَ يتحدّثونَ عَنْ فترةِ حُكمِ عبدِ النّاصرِ باحترامٍ وتقديرٍ. والسّببُ في رَأْيهم أَنَّهُ كانَ منحازًا للفُقَرَاءِ، وَكَان ينتصرُ للعروبةِ والقوميّةِ العربيّةِ.

 نَسَى هَؤلَاءِ أَنَّ المستبدينَ يتحايلونَ دائمًا لكسبِ تعاطفِ العامّةِ، بشتّى الحيلِ والألاعيبِ. فيُحكَى مَثَلًا أنّ الطّاغيةَ القذّافي كَانَ يُقدّمُ خدمةَ المواصلاتِ العامّةِ مَجّانًا للشّعبِ اللّيبيّ، حتّى تَزْدَادَ شعبيّته!! والمتأمّلُ لسياسةِ عبدِ النّاصرِ، وَمَا آلتْ إليه مِنْ نتائجَ مدمّرةٍ للاقتصادِ المصريِّ، لا يحتاجُ إلى جهدٍ كبيرٍ، ليدركَ أنّ مصرَ كانَت تديرُهَا مجموعةٌ مِنَ المغامرينَ، الطّامعينَ، الهواةِ  الّذينَ وضعوا أسسَ حكمِ هَذَا الشّعبِ بالحديدِ والنّارِ.

الدّكتاتوريّاتُ العسكريّةُ هِيَ أسوأُ أَنْوَاعِ الدّيكتاتوريّاتِ عَلَى الإطلاقِ. فَالعسكرُ بطبيعتهم لا يفهمونَ إلّا لغةَ القوّةِ. هُنَا يحدثُ تعطيلٌ للقانونِ، بَلْ يتمُّ تفصيلُ قوانين خاصّةٍ بالحكمِ العسكريِّ الاستبداديِّ.

ديكتاتوريّةُ هتلرَ العسكريّةُ كلّفتِ الإنسانيّةَ أكثرَ مِنْ خمسينَ مليون قتيلٍ سقطوا في الحربِ العالميّةِ الثانيّةِ. وَيُقدّرُ بعضُ النّقّادِ ضحايا ديكتاتوريّةِ ستالينَ بخمسينَ مليون نسمةٍ.

ديكتاتوريّةُ عَسْكَرِ مِصْرَ قتلتْ، بَلْ فتكتْ بأكثر منْ ثمانينَ مليون مصريٍّ، فتكتْ بهم بالرّصاصِ، والجوعِ، والإملاقِ، والقمعِ، والتّعذيبِ، والمعتقلاتِ، والتّضليلِ، والتّزويرِ، والكذبِ، والنّهبِ. القتلُ بالرّصاصِ يمكنُ أنْ يكونَ أرحمَ مِنَ القتلِ جوعًا، أو فقرًا، أو مرضًا. لِكُلِّ ديكتاتوريّةٍ مُنَظِّرُوهَا وَمُفَكِّرُوها. ديكتاتوريّةُ عسكرِ مصرَ استعانتْ منذُ البدايةِ بصعاليكِ الكُتّابِ مِنْ أمثال محمّد حسنين هيكل الّذي يُعدّ أكبرَ مضلّلٍ في تَاريخِ مصرَ الحديثِ. في ألمانيا يرى بعضُ النّقّادِ أنّ هيغل وَآخرينَ قَدْ مهّدُوا بكتاباتهم لقيامِ ديكتاتوريّةِ هتلر وموسوليني. يَقُولُ سَامِي هَابيل: "وَفي القرنِ التّاسعَ عشرَ الميلاديِّ، كَانَ الفكرُ الألمانيُّ يشهدُ تداعياتِ الثّورةِ الفرنسيّةِ، عَلى يدِ أبنائها، ويجدّدُ نفسَه عَلى معارضةِ أفكارِ فلاسفةِ عصرِ التّنوير، ويدعو إلى تمجيدِ دورِ الدّولةِ، وتحريضِ النّزوع القوميّ، وَعدّت أفكار هيغل وليست ولاسال ودوهرنج واشبنغلر وغيرهم، أَنَّهَا هِيَ الّتي مهّدتْ لِقيامِ أشهر ديكتاتوريّتيْنِ بَعْدَ الحربِ العالميّةِ الأولى. وَهُمَا نازيّةُ هتلرَ، وفاشيّةُ موسوليني. وَمِنَ اليسارِ الهيغليِّ، وَنَقْدِ أفكارِ هيغل، نشأتِ الماركسيّةُ، وظهرتْ معها مقولةُ ديكتاتوريّةِ البروليتاريّةِ"(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) انظر: سامي هابيل، الموسوعة العربيّة، هيئة الموسوعة العربيّة، دمشق 2004م، المجلّد التّاسع، ص306.

(2) انظر: المرجع نفسه، ص 306.