رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السّويسريُّ هَانسُ كُينجَ صَاحِبُ نظريّة "المقاييس العالميّة للأخلاق"

ارتبطَ مصطلح "المقاييس العالميّة للأخلاق" (= بالألمانيّة:ّ Weltethos) بالمفكّر السّويسريّ الكبير هانس كيُنج Hans Küng، كبير علماء اللّاهوت في عصرنا هذا. وُلِد هانس كينج في مدينة سورسيه Sursee  بكانتون لوتسرن Luzern  في سويسرا في التّاسع عشرَ من شهر مارس سنة 1928م. بعد دراسات لاهوتيّة وفلسفيّة  في جامعاتِ إيطاليا وفرنسا،

عاد إلي سويسرا سنة 1957م  حيثُ عمل في مدينة لوتسرن واعظًا دينيًّا لمدّةِ سنتينِ، قبل أن يقضي سنةً باحثًا في جامعة موينستر في ألمانيا الاتّحاديّة. عُيّن أستاذ كرسي لأصول اللّاهوت في جامعة تويبنجن في ألمانيا سنة 1960م. وبرغم قيام البابا يوحنّا الثّالث والعشرين بتعيينه مستشارًا لاهوتيًّا رسميًّا للمجمع الملّيّ سنة 1962م، ثُمَّ تعيينه أستاذًا في كلّيّة اللّاهوت الكاثوليكيّة في جامعة تويبنجن  من 1963م حتَّى 1980م - إِلَّا أنّ هذا لم يفلح في منع وقوع الصّدام العنيف بينه وبين إمبراطوريّة الفاتيكان. طبيعة كُينج الثّوريّة حالت دون وقوع أيّ انسجام بينه وبينَ الفاتيكان. فكينج يدرسُ، ويبحثُ، ويفكّر، ويتأمّل، ويحلم، ويطوّر، وينقد، ويُصلحُ، ويعجز عن السّكوت على أيّ شيء يعتبره ظلمًا، أو خطأ، أو انحرافًا.

أَمَّا الفاتيكان، فمكبّل بالقوانين، ومحكوم بالرّتب، ومقيّد بالنّظام الهرميّ. كينج يريد الإصلاح، والفاتيكان يأبى الإصلاح. كينج يريد التّطوير، والفاتيكان لا يعترف بشيءٍ اسمه التّطوير. كينج ينادي بالحرّيّة والمساواة، والفاتيكان يأبى إلّا التّشبث بالقيود والتّفرقة بين العباد. وصلتِ الخلافات الفكريّة-اللّاهوتيّة بينَ هانس كينج والفاتيكان إلى ذروتها عندما نشرَ كتابه الشّهير: "معصوم؟ Unfehlbar? " سنة 1970م. انتقد كينج في كتابه هذا عقيدة من أَهَمَّ  عقائد الكنيسة الكاثوليكيّة، وهي مسألة عصمة بابا الكنيسة الكاثوليكيّة. وهي عقيدة أدخلتها الكنيسة الكاثوليكيّة على المعتقدات الكنسيّة حديثًا، دون أن يكون لها أيّ أساس في أناجيل المسيحيّة. فقد وضع المجمع الفاتيكانيّ الأوّل (المسكونيّ العشرون) سنة 1870م أسسَ هذه العقيدة الغريبة على رسالة المسيح الأصليّة:

أقرّ المجمع الفاتيكانيّ الأوّل (المسكونيّ العشرون) في جلسته الثّالثة (24-4-1870م) في الفصل الثّالث منَ الدّستور العقائديّ Dei Filius ״ابن اللّه״ ما يلي: "الفصل الثّالث: سلطة رئاسة الحبر الرّومانيّ وطبيعتها: ولذلك فبالاستناد إلى شهادة الكتاب المقدّس الواضحة، وبحسب القرارات الّتي حدّدها صراحةً أسلافنا الأحبار الرّومانيّون، إلى جانب المجامع العامّة، نجدّد تحديد مجمع فلورنسا المسكونيّ، الّذي يفرضُ على المؤمنينَ أن يؤمنوا ״بأنّ للكرسيّ المقدّس الرّسوليّ والحبر الرّومانيّ الرّئاسةَ في الأرض كلّها، وبأنّ هذا الحبر الرّومانيّ هو خليفة الطّوباويّ بطرس، هامة الرّسل، ونائب المسيح الحقيقيّ، ورأس الكنيسة كلّها، وأبو جميع المؤمنينَ ومعلّمهم، وبأنّ إليه، في شخص الطّوباويّ بطرس، عهد ربّنا يسوع المسيح بالسّلطة التّامّة لرعاية الكنيسة كلّها وسياستها وإدارتها، كما ورد في أعمال المجامع المسكونيّة وقراراتها المقدّسة״.

وبناء على ذلك، نُعلّمُ ونُعلنُ أنّ كنيسةَ رومة تتمتع، بالنّسبة إلى سائر الكنائس، بتدبير من الرّبّ، بأوّليّة في السّلطة العاديّة، وأنّ هذه السّلطة القضائيّة الخاصّة بالحبر الرّومانيّ، وهي سلطة أسقفيّة حقًّا، هي مباشرة. فإنّ الرّعاة من كلّ صنف وكلّ جماعة والمؤمنين، كلّ واحد على انفراد وكلّهم مجتمعينَ، ملزمون بواجب الخضوع التّراتبيّ والطّاعة الحقيقيّة، لا في المسائل المختصّة بالإيمان والأخلاق فقط، بل في الّتي تتناولُ نظام الكنيسة المنتشرة في العالم كلّه وإدارتها. وبذلك، فإنّ الكنيسة، بحفظها وحدة المشاركة وشهادة الإيمان مع الحبر الرّومانيّ، هي قطيع واحد بإمرة راعٍ واحد. هذا هو تعليم الحقيقة الكاثوليكيّة، الّذي لا يستطيعُ أحدٌ أن يحيدَ عنه دون أن يتعرّضَ إيمانه وخلاصه للخطر.

إنّ سلطة الحبر الأعظم هذه لم تحل على الإطلاق دونَ السّلطة القضائيّة الأسقفيّة العاديّة والمباشرة، الّتي يرعى بها الأساقفة، الّذين أقامهم الرّوح القدس (رسل 20/28) خلفاء الرّسل، ويديرونَ كلّ واحد القطيع الموكّل إليه. لا بل إنّ الرّاعي الأعلى والشّامل يؤكّد هذه السّلطة ويُثبّتها ويحميها، بحسب ما قال القدّيس غريغوريوس الكبير: ״إكرامي هو إكرام الكنيسة الجامعة. إكرامي هو قوّة إخوتي المتينة. وحين يؤدَّى لكلّ واحد الإكرام الّذي يعود إليه، أُكْرَمُ أنا״.

وبالتّالي، فمن تلك السّلطة الّتي يدير بها الحبر الرّومانيّ الكنيسةَ كلّها يُسْتَنتَجُ حقّه في الاتّصال بحرّيّة، في ممارسة وظيفته، برعاة الكنيسة كلّها وقطعانها، ليتمكّن من تعليمهم وإرشادهم في طريق الخلاص. ولذلك نشجبُ ونستنكرُ آراء الّذين يقولونَ بأنّه يمكنُ الحيلولة شرعيًّا دون اتّصال الرّئيس الأعلى بالرّعاة والقطعان، أوِ الّذينَ يُخضعونه للسّلطة المدنيّة، زاعمينَ أنّ ما يقرّره الكرسيّ الرّسوليّ أو سلطته في ما يختصّ بإدارة الكنيسة لا قوّة ولا قيمة له، ما لم تثبّته موافقة السّلطة المدنيّة.

ولأنّ الحقّ الإلهيّ في الرّئاسةِ الرّسوليّة يضعُ الحبرَ الرّومانيّ فوقَ الكنيسة كلّها، نعلّم ونُعلنُ أيضًا أنّه قاضي المؤمنين الأعلى، وأنّه ممكن، في جميع القضايا الّتي تختصّ بالسّلطة القضائيّة الكنسيّة، أن يُستندَ إلى حكمه. ولا يجوزُ لأيٍّ كانَ أن يشكَّ في حكم الكرسيّ الرّسوليّ، الّذي هو فوقَ كلّ سلطة، ولا يحقّ لأيٍّ كانَ أن يدينَ قراراته. ولذلك، فإنّ الّذين يقولونَ بأنّه يجوزُ رفعُ أحكام الحبر الرّومانيّ إلى المجمع المسكونيّ وكأنّه سلطة تفوق سلطة هذا الحبر، يحيدون عن طريق الحقّ.

فإن قالَ أحدٌ بأنّ وظيفة الحبر الرّومانيّ هي وظيفة تفتيش وإدارة، لا سلطة قضاء تامّة وعليا على الكنيسة كلّها، لا في ما يختصُّ فقط بالإيمان والأخلاق، بل في ما يختصُّ أيضًا بنظام الكنيسة المنتشرة في العالم كلّه وإدارتها، أو بأنّ له نصيبًا أكبر من تلك السّلطة العليا، لا كمالها التّامّ، أو بأنّ سلطته ليست عاديّة ومباشرة على جميع الكنائس وعلى كلّ واحدة منها، كما هي على جميع الرّعاة والمؤمنين، وعلى كلّ واحد منهم، فليكن مُبسلًا (= هَالِـكًا)"(3).

نشرَ هانسُ كينجَ الطّبعةَ الأولى مِنْ كِتَابِهِ: "مَعْصُوم؟" سنةَ 1970م مُشكّكًا في هَذِهِ العقيدةِ. وَذَلِكَ بعدمَا أعلنَ الفاتيكانُ مُمَثَّلًا في بَابَا الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ رفضَهُ لوسائلِ منعِ الحملِ وتنظيمِ الأسرةِ كَافَّةً، وَهُوَ مَا اعْتبرَهُ كثيرٌ من العلماءِ مَوقفًا سَلْبِيًّا تجاهَ مشكلةِ الانفجارِ السّكّانيّ في مختلفِ أنحاءِ العالمِ. لم يتردّدِ الفاتيكانُ فِي اتّخاذِ موقفٍ عنيفٍ تجاهَ هانسَ كينجَ، حيثُ سارعُوا بفصلِهِ مِنْ كلّيّةِ اللّاهوتِ الكاثوليكيّةِ في جامعةِ تويبنجنَ سنةَ 1979م، دونَ أن يتجرؤوا على إصدارِ حكمٍ بطردِهِ مِنَ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ برمّتهَا، لأنّهُ مَا انفكّ يؤكّدُ أنّهُ مسيحيُّ الدّيانةِ، لكنّ فهمَه للمسيحيّةِ يختلفُ عَنْ فهمِ الفاتيكانِ لَهَا. انكبّ كينجُ بعدَ ذلكَ عَلَى دراسةِ أديانِ العالمِ. ثُمّ صَاغَ متأثّرَا بِهَذِهِ الدّراساتِ نظريّتَهُ عَنِ السّلامِ العالميّ سنةَ 1984م: "لا سَلامَ عالميًّا، بلا سَلامٍ بينَ الأديانِ. وَلا سلامَ بينَ الأديانِ، بِلَا حوارٍ بينَ الأديانِ". وفي عَامِ 1990م نشرَ كتابِهِ عَنْ "مشروع مقاييسَ عالميّةٍ للأخلاقِ". وَفي سنة 2006م نشرَ كتابَهُ "لماذَا مقاييسُ عالميّةٌ للأخلاقِ؟". وبلغَ عددُ مَا نشرَهُ من كُتُبٍ نَحْوَ سَبعينَ كِتَابًا. يقولُ هانسُ كينج في كِتَابِهِ "لِمَاذَا مَقَاييسُ عَالميّةٌ لِلْأَخْلَاقِ؟":

"إِنَّ سَحْبَ رُخْصَةِ ٱلتَّدْرِيسِ ٱلْكَنَسِيَّةِ قَدْ مَنَحَنِي بِلَا شَكًّ - رَغْمَ أَنْفِ هَؤُلَاءِ ٱلْمَسْؤُولِينَ عَنْهُ - مَزِيدًا مِنَ ٱلْحُرَّيَّةِ وَٱلْوَقْتِ، لِلْٱنْفِتَاحِ عَلَى قَضَايَا ٱلْأَدْيَانِ ٱلْعَالَمِيَّةِ. لَـكِنَّ هَذِهِ ٱلْمَسْأَلَةَ كَانَتْ قَدْ أَثَارَتِ ٱهْتِمَامِي بِدَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ مُنْذُ سَنَوَاتِ دِرَاسَتِي فِي رُومَا، مِنْ عَامِ 1948م حَتَّىٰ عَامِ 1955م. لَقَدْ شَارَكْتُ حِينَئِذٍ فِي حَلْقَةٍ دِرَاسِيَّةٍ Seminar عَنِ ٱلْخَلَاصِ خَارِجَ ٱلْكَنَائِسِ،

خَلَاصِ ״ٱلْوَثَنِيَّينَ״. كَانَتْ مُسْوَّدَةُ أَوَّلِ بَحْثٍ لَاهُوتِيًّ صَغِيرٍ كَتَبْتُهُ فِي خَمْسِينِيَّاتِ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشّرِينَ عَنْ ״عَقِيدَةِ ٱلْوَثَنِيَّينَ״ Glaube der Heiden. فِي عَامِ 1955م زُرْتُ شَمَالَ أَفْرِيقْيَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. سَافَرْتُ بِٱلْقِطَارِ مِنْ تُونِسَ إِلَى هِيبُونَ Hippo، ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي عَمِلَ فِيهَا أُغُوسْطِينُ  Augustin، عِنْدَمَا لِمْ يَعْرِفِ ٱلطَّرِيقَ إِلَىٰ أَفْرِيقْيَا فِي خَمْسِينِيَّاتِ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ إِلَّا قِلَّةٌ مِنَ ٱللَّاهُوتِيَّينَ.

زُرْتُ جَمْعِيَّةَ رُهْبَانِ ״ٱلْآبَاءِ ٱلْبِيضِ״ Die Weißen Väter  فِي قَرْطَاجَةَ، وَأَتَذَكَّرُ كَيْفَ تَبَادَلْتُ أَطْرَافَ ٱلْحَدِيثِ لَيْلًا عَلَىٰ سَطْحِ كَاتِدْرَائِيَّةِ قَرْطَاجَةَ مَعَ ٱلرَّئِيسِ ٱلْإِقْلِيمِيَّ حِينَئِذٍ عَنْ أَسْبَابِ عَدَمِ إِحْرَازِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ أَيَّ تَقَدُّمٍ يُذْكَرُ فِي ٱلْوَاقِعِ فِي شَمَالِ أَفْرِيقْيَا، حَيْثُ يَسُودُ ٱلْإِسْلَامُ.

كَانَ ٱلْٱشْتِغَالُ بِذَلِكَ إِذًا، وَٱلْحِوَارُ مَعَ أَدْيَانِ ٱلْعَالَمِ ٱلْكُبْرَىٰ، مِنَ ٱهْتِمَامَاتِي ٱلْمُبَكَّرَةِ. لَكِنَّي لَمْ أُخَطَّطْ مَسِيرَتِي ٱللَّاهُوتِيَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بِوُسْعِي ٱلتَّخْطِيطُ لَهَا عَلَىٰ ٱلْإِطْلَاقِ. كَانَتْ تُوَاجِهُنِي تَحَدَّيَاتٌ جَدِيدَةٌ بِصُورَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ. لَقَدْ عَمِلْتُ، إِنَّ صَحَّ ٱلتَّعْبِيرُ، حَسَبَ نَمُوذَجِ تُويِنْبِي ״ٱلتَّحَدَّي وَٱلْٱسْتِجَابَةُ״ challenge and response. كُنْتُ أَتَرَاجَعُ أحْيَانًا عَنْ خُطَطٍ لِنَشْرِ كُتُبٍ، لِأَنَّ هَذَا وَذٰاكَ جَاءَ فِي تِلْكَ ٱلْأَثْنَاءِ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ. كُنْتُ قَدْ أَرَدْتُ بَعْدَ ٱلْٱنْتِهَاءِ مِنْ أُطْرُوحَتِي لِنَيْلِ شَهَادَةِ ٱلدُّكْتُورَاةِ فِي عِلْمِ ٱللَّاهُوتِ عَنْ مَوْضُوعِ ٱلتَّبْرِيرِ Rechtfertigung ٱلتَّقَدُّمَ أَوَّلًا لِلْحُصُولِ عَلَىٰ دُكْتُورَاةٍ فِي ٱلْفَلْسَفَةِ مِنْ پَارِيسَ، وَأَعْدَدْتُ لِذَلِكَ مُسْوَّدَةً شِبْهَ كَامِلَةٍ عَنْ هِيجَلَ Hegel. تَرَاجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ ٱسْتِدْعَائِي لِجَامِعَةِ تُوِيبِنْجِنْ Tübingen كَأُسْتَاذِ كُرْسِيًّ، ثُمَّ صِرْتُ بَعْدَ ذٰلِكَ لَاهُوتِيَّ مَجْمَعٍ Konzilstheologe.

بَعْدَ قَضَايَا ٱلْوُجُودِ ٱلْمَسِيحِيَّ die christliche Existenz، وَتِبْرِيرِ مُقْتَرِفِ ٱلْمَعَاصِي، ٱلَّتِي شَغَلَتْنِي فِي خَمْسِينِيَّاتِ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ، كَانَتْ سِتَّينِيَّاتُ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ بَعْدَ ذٰلِكَ مَطْبُوعَةً كُلَّيَّةً بِمَسَائِلِ ٱلْمَجْمَعِ (= ٱلْمَجْمَعِ ٱلْفَاتِيكَانِيَّ ٱلثَّانِي)، وَٱلْكَنِيسَةِ، وَٱلْحَرَكَةِ ٱلْمَسْكُونِيَّةِ. كُنْتُ مَشْغُولًا بِمَا فِيهِ ٱلْكِفَايَةُ لِٱسْتِيعَابِ كُلَّ مَا ٱنْهَالَ عَلَيَّ ذِهْنِيًّا حِينَئِذٍ. أَلَّفْتُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ كِتَابِي عَنِ ״ٱلْكَنِيسَةِ״ Die Kirche“  (عَامَ 1967م)، ٱلَّذِي مَازَالَ يُسْتَخْدَمُ مَرْجِعًا فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ حَتَّىٰ يَوْمِنَا هَذَا، بِٱسْتِثْنَاءِ ٱلْأَمَاكِنِ ٱلَّتِي تَمَّ حَظْرُهُ فِيهَا.

بَعْدَ ذٰلِكَ كَانَتْ سَبْعِينِيَّاتُ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ مُخَصَّصَةً لِأُسُسِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. كَانَ ذٰلِكَ نَتِيجَةً لِأَنَّ كِتَابِي: ״مَعْصُومٌ؟״  Unfehlbar?“ (عَامَ 1970م) طَرَحَ ٱلسُّؤَالَ إِنْ كَانَ مِنَ ٱلْمُمْكِنِ حَقًّا تَأْسِيسُ عِلْمِ لَاهُوتٍ عَلَىٰ عَقَائِدَ مَعْصُومَةٍ، خَاصَّةً عِنْدَمَا تَكُونُ عَقَائِدَ مَشْكُوكًا فِيهَا هَكَذَا، مِثْلَ عَقِيدَةِ ״لَا خَلَاصَ خَارِجَ ٱلْكَنِيسَةِ״ مَثَلًا.

تُكوَّنُ ٱلْكُتُبُ ٱلثَّلَاثَةُ: ״هُوِيَّةُ ٱلْمَسِيحِيَّ״  Christ sein، وَ״هَلِ ٱللّهُ مَوْجُودٌ؟״ Existiert Gott?“، وَ״حَيَاةٌ سَرْمَدِيَّةٌ؟״ Ewiges Leben?“ بِٱلنَّسْبَةِ لِي أَسَاسَ عَمَلِي ٱللَّاهُوتِيَّ حَتَّى ٱلْيَوْمِ. لَمْ أُضْطَرَّ إِلَى تَنْقِيحِ أَيًّ مِنْ هَذِهِ ٱلْمَوَاقِفِ حَتَّىٰ يَوْمِنَا هَذَا. بِٱلْعَكْسِ، فَإِنَّ ٱلْفَصْلَ ٱلْأَوَّلَ مِنْ كِتَابِ ״هُوِيَّةِ ٱلْمَسِيحِيَّ״  Christ sein قَدْ وَصَفَ أُفُقَ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ ٱلْحَدِيثَةِ moderne Säkularität وَأُفُقَ ٱلْإِلْحَادِ ٱلْحَدِيثِ moderne Atheismus مِنْ نَاحِيَةٍ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَىٰ أُفُقَ ٱلْأَدْيَانِ ٱلْعَالَمِيَّةِ. أَمَّا كِتَابِي ״هَلِ ٱللّهُ مَوْجُودٌ؟״  Existiert Gott?“ ، فَهُوَ يُعَالِجُ مَُصْطَلَحَ ٱلْإِلَهِ عِنْدَ ٱلصَّينِيَّينَ، وَفِي ٱلدَّيَانَةِ ٱلبُوذِيَّةِ ٱلَّتِي لَا تَعْرِفُ مَذْهَبَ ٱلتَّأْلِيهِ. وَيَتَنَاوَلُ كِتَابِي ״حَيَاةٌ سَرْمَدِيَّةٌ؟״ Ewiges Leben?“ عِلْمَ ٱلْآخِرَةِ  Eschatologie، وَأَوْجُهًا أُخْرَىٰ لِلدِّيَانَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةِ.

بِهَذِهِ ٱلْخَلْفِيَّةِ كُنْتُ فِي نِهَايَةِ عَامِ 1979م، عِنْدَمَا وَقَعَتِ ٱلْمَعْرَكَةُ ٱلْكُبْرَى بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْفَاتِيكَانِ بَخُصُوصِ مَوْضُوعِ ״ٱلْعِصْمَةِ״  Unfehlbarkeit مُسْتَعِدًّا بِدَرَجَةٍ لَا بَأْسَ بِهَا لِهَذَا ٱلْٱنْفِتَاحِ عَلَى ״ٱلْحَرَكَةِ ٱلْمَسْكُونِيَّةِ ٱلْكُبْرَىٰ״ (أَيِ ٱلْحِوَارِ بَيْنَ أَدْيَانِ ٱلْعَالَمِ). وَإِلَّا فَمِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ لِأَتَجَاسَرُ عَلَى مُنَاقَشَةِ ٱلْمُتَخَصَّصِينَ فِي ٱلْإِسْلَامِ وَٱلْهِنْدُوسِيَّةِ وَٱلْبُوذِيَّةِ عَلَانِيَّةً عَامَ 1982م فِي قَاعَةِ ٱلْمُحَاضَرَاتِ ٱلْكُبْرَى بَجَامِعَةِ تُوِيبِنْجِنَ Tübingen حَوْلَ ٱلْقَضَايَا ٱلْأَسَاسِيَّةِ لِهَذِهِ ٱلْأَدْيَانِ. لَقَدْ مَنَحَنِي ٱلْأَسَاسُ ٱلْمَتِينُ فِي ٱللَّاهُوتِ ٱلْمَسِيحِيَّ ٱلطُّمَأْنِينَةَ بِأَنَّهُ سَيَخْطُرُ عَلَى بَالِي إِجَابَةٌ عَنْ كُلَّ مَا يَرِدُ إِلَيَّ مِنَ ٱلْأَدْيَانِ ٱلْعَالَمِيَّةِ ٱلْأُخْرَىٰ. إِنَّ مَا وَضَعْتُ أَسَاسَهُ قَبْلَ ذٰلِكَ بِكَثِيرٍ، تَمَكَّنْتُ مَنْ تَطْوِيرِهِ مِهْنِيًّا فِيمَا بَعْدُ. مِنْ خِلَالِ ٱلْحِوَارِ مَعَ زُمَلَائِي فِي جَامِعَةِ تُوِيبِنْجِنْ: أُسْتَاذِ ٱلدَّرَاسَاتِ ٱلْهِنْدِيَّةِ هَايِنْرِيخَ فُونْ شْتِيتِنْكُرُونَ Heinrich von Stietencron، وَأُسْتَاذِ ٱلدِّرَاسَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ يُوسُفَ فَانْ إِسَ Josef van Ess، وَأُسْتَاذِ ٱلدِّرَاسَاتِ ٱلْبُوذِيَّةِ فِي جَامِعَةِ تُوِيبِنْجِنْ بِيخَرْتَ Bechert، وَٱلزَّمِيلَةِ ٱلصَّينِيَّةِ يُولْيَا تِشِينْجَ، جَاءَتْنِي بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلْوَاقِعِ تِلْقَائِيًّا فِكْرَةُ ٱلسَّلَامِ بَيْنَ ٱلْأَدْيَانِ، كَأَسَاسٍ لِلسَّلَامِ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ.

لَقَدْ تَمَّ صِيَاغَةُ هَذِهِ ٱلْفِكْرَةِ عَامَ 1984م، قَبْلَ أَنْ يَلْفِتَ صَامْوِيلُ هَانْتِجْتُونَ ٱلْأَنْظَارَ إِلَيْهِ بِمَقَالِهِ عَنْ ״صِدَامِ ٱلْحَضَارَاتِ״  Clash of Civilization  بِوَقْتٍ طَوِيلٍ. وَلِأَنَّي كُنْتُ قَدْ تَحَدَّثْتُ عَامَ 1989م، ٱلْعَامَ ٱلْكَبِيرَ لِلثَّوَرَاتِ ٱلْأُورُوبَّيَّةِ، فِي كُلًّ مِنَ ٱلْيُونِسْكُو UNESCO عَنْ سَلَامِ ٱلْأَدْيَانِ، وَٱلسَّلَامِ ٱلْعَالَمِيِّ، وَفِي ٱلْمُنْتَدَىٰ ٱلْٱقْتِصَادِيَّ ٱلْعَالَمِيَّ فِي دَافُوسَ عَنْ مَسْأَلَةِ ״ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ״، كُنْتُ مُهَيَّأً بِصُورَةٍ جَيَّدَةٍ فِي ٱلْعَامِ ٱلتَّالِي لِنَشْرِ كِتَابِي: ״مَشْرُوعُ مَقَايِيسَ عَالَمِيَّةٍ لِلْأَخْلَاقِ״  Projekt Weltethos (عَامَ 1990م). لَقَدْ تَحَدَّانِي ٱلْآخَرُونَ (= طَلَبُوا مِنَّي) أَنْ أُفَكَّرَ فِي ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ فِي عَصْرِنَا هَذَا، وَحَاوَلْتُ بِدَوْرِي تَقْدِيمَ إِجَابَاتٍ"(4).

هوامش

(4) انظر: هانس كينج، لماذا مقاييس عالميّة للأخلاق، عيد للإعلام، زيورخ 2010م، ص46-49.