رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحكومة السودانية برئاسة حمدوك.. الفساد والفقر والحرب والإخوان قنابل موقوتة

الدكتور عبدالله حمدوك
الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني عقب أداء اليمين

 تطورات متسارعة في السودان تصب جميعها في مصلحة بناء الدولة الديمقراطية التي يتوق الشعب السوداني لها، اكتمل مشهد العهد الجديد مع مباشرة المجلس السيادي (أعلى سلطة في الدولة)، برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان أول لقاءاته، الأسبوع الماضي عقب أداء اليمين الدستورية، وكذا أداء رئيس الوزراء - د. عبدالله حمدوك اليمين الدستورية، في القصر الجمهوري أمام رئيس المجلس السيادي، ورئيس القضاء.

 بتشكيل الأجسام والهياكل الانتقالية ومباشرة عملها للتعاطي مع التحديات الكبيرة التي تنتظرها، تقلب السودان صفحة قديمة من تاريخها.. تاريخ الحاكم الواحد والسلطة العسكرية الدينية (الإخوانية) إلى سلطة مدنية مشتركة انتقالية، فمن الناحية النظرية السودان يخطو خطواته الأولى على درب الديمقراطية.

 فالمشهد الحالي يمكن وصفه كشهادة ميلاد السودان الحديث التي ستغير تاريخ هذا البلد الذي عاش على مدار 7 أشهر ثورة شعبية تخللتها بعض النكسات والآلام انتهت بالتوقيع على اتفاق المرحلة الانتقالية لمدة 39 شهرًا ستسبق الانتخابات، وجسد رغبات الشعب السوداني في تحقيق الدولة المدنية، بحضور دولي رفيع، وحضور إقليمي مميز، عكس جانبًا من عمق علاقات السودان بجيرانه الأفارقة.

تشكيل الحكومة.. أزمة تحت الرماد:

 لا يتوقع محللون مخاضًا عسيرًا لميلاد الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، باعتبارها سلطة تنفيذية، قوى سياسية عدة أعلنت عدم المشاركة فيها والوقوف موقف المراقبة والاستعداد للانتخابات التي ستلى المرحلة الانتقالية، فالحكومة الجاري تشكيلها تأتي في أوضاع مأزومة، وستحمل تركة اقتصادية ثقيلة، وحربًا لم تخبُ نارها بعد، وقائمة مطالب رواها الثوار بالدماء، وأزمات تفاقمت عبر  3 عقود أحكم فيها تنظيم الإخوان عقب ما يسمى بـ(ثورة الإنقاذ) - عام1989-  قبضتهم على البلاد، وينتظر الشعب السوداني في القريب العاجل بوادر للتنمية علها تسهم في محو آثار السنوات العجاف من نفوس وعقول الشعب الذي ذاق ويلات الفقر والقهر والحرب والنزوح طوال 30 عامًا.

 في المقابل يرى آخرون أن تشكيل الحكومة ليس سهلًا كما يروج، بل تحدٍ كبير أمام حمدوك من جانب، وقوى الحرية والتغيير من جانب آخر، وستكشف حجم الهوة بين مكونات قوى الحرية التغيير، فاختيار (5) أشخاص ممثلين لتلك القوى في مجلس السيادة أحدث شرخًا كبيرًا وكشف حجم التباينات وهشاشة التكتل، ورغبة الجميع في جنى الثمار، وتقاسم السلطة، وأن أغفلت تلك القوى المحاصصة الحزبية في توزيع مقاعد المجلس السيادي إلا أنها اعتمدت على المحاصصة المناطقية، التي لم تراعِ متطلبات الجبهة الثورة التي خرجت عن توافق قوى الحرية التغيير، واعتبرت الوثيقة السياسية معيبة ولا تعبر عن  الثورة.

 ثمة أطراف سياسية تأمل في مشاركة أكبر لها وحصة مناسبة في كل مؤسسات وتشكيلات المرحلة الانتقالية، أطراف ترى أنها مؤسسة لنهاية العهد القديم، ولاعب رئيس في النضال ضد نظام الإنقاذ طوال 30 عامًا، وحامل للواء الثورة ومدافع عنها، وداعم لها وقدم شهداء حتى سقوط النظام ورحيل البشير.

حكومة حمدوك أم الحرية والتغيير:

 في خضم حالة الحراك المتسارعة داخل قوى الحرية والتغيير، ومحاولات رتق وتجسير الخلافات التي أنتجتها مرحلة اختيار أعضاء المجلس السيادي، يعد تحرر حمدوك من تأثير قوى التغيير بالسودان أكبر معضلة ستواجهه بالمرحلة المقبلة، وكذلك اختيار الطاقم المرشح لتولى المناصب من الحرية والتغيير، فيما تبرز مخاوف تجاوز الترشيحات واختيار من يراه مناسبًا لحكومته، بما يتوافق مع رؤيته للمرحلة، وليس رؤية وخطة وبرنامج الحرية والتغيير، فالواقع الاقتصادي المنهار دافع قوي رئيس لحمدوك للانعتاق من قبضة الحرية والتغيير والظهور كرئيس وزراء السودان وليس الحرية والتغيير، خصوصًا أن الفترة المضروبة بـ28 أغسطس لإعلان تشكيل الحكومة قصيرة للغاية وأقصر فترة تشكل فيها حكومة سودانية.

 

 على الجانب الآخر تمرست قوى الحرية والتغيير وتعلمت من عثراتها خلال جولات المفاوضات المستمرة طوال 4 أشهر، وتمضي قُدمًا واختارت شخصيات متسقة مع روح الثورة وفكر حمدوك لتلاشي الاختلافات المحتملة، فشكلت في البداية لجنة خماسية لاختيار مرشحي الحكومة الـ18، بخلاف وزيري الدفاع والداخلية التي نصت الوثيقة الدستورية على أحقية العسكريين في اختيار  الوزيرين.

 ولتفادي اختلاف الرؤى بين الحرية والتغيير وحمدوك، وحرصًا منها على تحقيق أكبر قدر من التوافق، شكلت تلك القوى لجنة جديدة تضم 15 شخصًا من ممثلي كتلها الـ5، لاختيار 60 مرشحًا للحكومة، طبقًا لمعايير الكفاءة والنزاهة وعدم الارتباط بالنظام السابق، ولتوسيع دائرة الاختيار أمام حمدوك.

 وفي ضوء ذلك الواقع تبرز تساؤلات عن قدرة الرجل في حفظ التوازنات داخل المرجعية السياسية التي عينته، وهي مرجعية تتكون من طيف واسع من الأحزاب والحركات المسلحة المتباينة في الرؤى، 181 مكونًا سياسيًا وفصيلًا، وهو أكبر تحالف سياسي في تاريخ السودان السياسي.

 

ترقب وهواجس:

 يترقب الشارع ويراقب الأوضاع عن كثب، فهناك مئات من الشهداء والآلاف من الضحايا تم تقديمهم قرابين للثورة، بهدف الوصول لدولة ديمقراطية بها تعددية وحرية وتعبير وحقوق للمرأة وحرية تكوين أحزاب سياسية وحرية الإعلام والقضاء.

 قلق وترقب يقابله تفاؤل كبير بين السودانيين لتجنب الثورة الأخطاء التي وقع بها غيرهم بالمنطقة، فعلى رغم حجم التحديات الكبيرة، النجاح أو الفشل سيكون رهنًا لمن سيختاره السودانيون قادةً لهم، فالمشكلة في الدول العربية التي لم تؤسس فيها الديمقراطية ليست النصوص والوثائق والدساتير، ولكن المشكلة الحقيقية تطبيق هذه النصوص، فالوثيقة الدستورية الموقعة بين المدنين والعسكريين بمثابة اختبار حقيقي لمن يملك القوة الحقيقية ومن يؤمن بالفكرة ويعلى مصلحة الوطن على المكاسب الضيقة والسلطة.

 فالوقع السوداني الحالي يشير إلى أنه ليس أمام المكونات المدنية والعسكرية سوى التوافق والانسجام لمواجهة التحديات التي تواجههم معًا، فهم شركاء في المسئولية في ظروف سياسية مأزومة، وأوضاع اقتصادية معقدة، وقنابل موقوتة في جبهات عدة، ومتربصين كثر بالمرحلة راغبين في عرقلتها.

 

أولويات برنامج الحكومة:

 (دعونا نعمل سويًا من أجل وطن ونظام ديمقراطي تعددي نحترم

فيه اختلافاتنا)، كانت ذلك ترجمة للمشروع الوطني الذي أعلن عنه د. عبدالله حمدوك، رئيس الوزارء السوداني، في مؤتمر صحفي عقب أداء اليمين الدستورية، مؤكداً أن التركة مثقلة وليس معه عصا موسى، معتبرًا الدعم الشعبي هو سفينة العبور بالبلاد لبر الأمان.

 

 حمدوك يرى أن البلاد في حاجة لإعادة بناء وطن يسع الجميع، والتوافق علىى مبدأ– كيف يحكم السودان وليس مَنْ يحكم السودان؟ التي ستظل ضمن خيارات الشعب السوداني، معلنًا أن شعار (حرية سلام وعدالة) سيشكل برنامج الحكومة الفترة الانتقالية- وسيتم ترجمته في إيقاف الحرب وبناء السلام المستدام- ونظام اقتصادي يقوم على الإنتاج وليس المنح- ومحاربة الفساد، وبناء دولة القانون، وصياغة سياسة خارجية معتدلة تأخذ المصالح العليا للبلاد كهادٍ لها، وتمثيل النساء التمثيل العادل والمستحق في كل مؤسسات الدولة.

 

تحديات وعراقيل المرحلة الانتقالية:

 بأداء حمدوك اليمين القانونية رئيسًا للحكومة الانتقالية يدخل السودان المرحلة الثانية من العهد الجديد، سبقها تشكيل المجلس السيادي، للتحرر من 3 عقود مضت، حبس فيها النظام البائد السودان، وعزله عن محيطه، ونهب ثرواته، وأفقر الشعب، وأفسد الحياة السياسية.

 ويقع على عاتق المجلس السيادي والحكومة الانتقالية الكثير من العمل على المستويات كافة،  فتداعيات عقود من الأخطاء وتحقيق مقاصد الثورة واستقرار البلاد تتطلب سباقًا مع الزمن، وفي مواجهة ذلك هناك تحديات رئيسية عدة ستواجه الحكومة والمجلس السيادي، وعليها تجاوزها لتحقيق برنامج ومشروع الإنقاذ وإعادة بناء الدولة الجديدة، يمكن حصرها فيما يأتي:

التحدي الأول:

 - حجم الميراث الثقيل التي توراثته السودان من منظومة حكم سادت لمدة 30 عامًا أورث البلاد الفقر والفساد والشتات والحرب والنزوح، واقتصاد منهار، فإحلال السلام الدائم ووقف رحى الحرب، مطلب رئيس للعبور بالدولة للعهد الجديد.

 

التحدي الثاني:

 - الشروع في نقل السودان لمرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية، فمنظومة الحكم السابقة عزلت السودان عن العالم بفضل العقوبات التي فرضت على البلاد، والرئيس البشير ، وأدخلت البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتقديم عرابين للدول التي تضررت من سياسات النظام السابق، وإعادة تأهيل السودان في محيطيها الإقليمي والدولي بحيث تنفض عن نفسها رداء الدولة العاصية.

التحدي الثالث:

 -تفكيك دولة الإخوان العميقة التي ظلت مسيطرة على الدولة طوال 30 عامًا، وتمكنت من أركان الدولة، ومؤسساتها الحيوية، الاقتصادية والمالية والعسكرية، والأمنية، والقضائية، واسترداد الدولة المختطفة من تنظيم الإسلاميين، والتصدي للعراقيل التي ستضعها الحركة الإسلامية أمام الحكومة والمرحلة الانتقالية.

 

التحدي الرابع:

 - الانتصار لمشكلات الناس ومعالجة أزمات نقص الخبز والوقود وندرة العملة، ومحاربة الفساد المستشري في أركان الدولة، و إعادة التأهيل الاقتصادي.

 

التحدي الخامس:

 -إشكالية بناء الدولة الوطنية التي تسع الجميع، وتحترم الاختلافات الفكرية والمذهبية، واحتواء قادة المناطق الملتهبة التي تشهد حركات تمرد مسلح في أطراف السودان (دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق)، ودفعهم لطريق الحوار والتشارك في بناء الدولة وترك السلاح.

 

التحدي السادس:

 - الشروع في تكوين المفوضيات وفي مقدمتها مفوضية السلام التي ستحمل على عاتقها الدخول في حوار مع الجبهة الثورية وبقية الحركات المسلحة (حركة تحرير السودان، بقيادة عبدالواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة عبدالعزيز الحلو، لإغلاق صفحة الحرب والاقتتال والتمرد.

 

أخيرًا:

 على رغم التحركات السريعة من الأطراف السودانية كافة، للدخول للعهد الجديد، ومحاولات تجسير هوة الخلافات بين الأطراف المدنية والعسكرية، ووضع النقاط الخلافية في ثلاجة المفاوضات وتجميدها، بغية خلق أكبر قدر من التوافق يكون محفزًا وداعمًا لقطار المرحلة الانتقالية الذي انطلق ووصل محطته الثانية بأداء رئيس الحكومة اليمين الدستورية، إلى أن حجم التحديات والعراقيل والهواجس التي ستواجه الحكومة، تبعث نوعًا من القلق والترقب لدى الشارع السوداني  التواق لترجمة شعار الثورة (حرية سلام وعدالة) في صورة برنامج حكومي، يجلى آثار الفقر والحرب والنزوح والدماء الذي خلفه النظام السابق، وترسخت في نفوس السودانيين 30 عامًا.