رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التجربة الماليزية.. نموذج للنهضة التعليمية

العلم نور يضيء طريق الأمم نحو التقدم والرقي، حقيقة يعلمها الجميع، فالدول المتقدمة في العالم كله لم تصل إلي ما وصلت إليه إلا عن طريق الاهتمام بالتعليم، وتوفير كافة

الإمكانيات اللازمة له، ولأننا في مصر أهملنا التعليم طوال الثلاثين عاماً الماضية، واكتفينا بترديد عبارة «التعليم كالماء والهواء» دون العمل علي تفعيلها حقاً، وبالتالي أصبح لدينا تعليم هش، غير قادر علي بناء مجتمع ومن هنا تطورت كل الأمم من حولنا، بينما بقيت مصر في محلها بل تم تصنيفها ضمن دول العالم النامي وظلت هكذا، رغم أن هناك دولاً عديدة كانت معنا في نفس هذه المكانة، إلا أنها استطاعت أن تعبر هذه المرحلة، وتتقدم بفضل الاهتمام بالتعليم مثل ماليزيا التي كانت تمر بظروف مشابهة كما تمر به مصر، إلا أنها نجحت بفضل تجربتها الرائدة في الاهتمام بالتعليم أن تتقدم وتصبح واحدة من الدول المتقدمة.
في بداية الألفية الجديدة بدأ اسم ماليزيا يلمع كالذهب وبدأ العالم كله يتحدث عن المارد الآسيوي الذي أصبح واحداً من أقوي النمور الاقتصادية التي يشار إليها بالبنان، ومن هنا بدأ البعض في دراستها دراسة واعية، تهدف إلي كشف سر هذا التحول الرهيب في وضعها الاقتصادي والتنموي، وكان السر وراء كل هذا هو التعليم، فالدولة لم تنم اقتصادياً بدون تعليم جيد، وهذه كانت هي الحقيقة التي وعاها جيداً مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي وبدأ بها في بناء دولته التي يباهي بها الأمم.
التجربة الماليزية تجربة تستحق الدراسة والاحترام أيضاً، خاصة أنها كانت تمر بظروف مماثلة لما تمر به مصر الآن، ولكن رئيس وزرائها الذي كان يحبها فعلاً، وكان له رؤية حقيقية لتطوير بلاده ونهضتها تمكن بالفعل من تحقيق هذه الرؤية، وكان التعليم من أهم وسائله لتحقيق هذه الرؤية التي نجحت في نقل ماليزيا من مصاف الدول النامية إلي الدول المتقدمة.
فحينما تولي مهاتير محمد رئاسة وزراء ماليزيا عام 1981 كانت دولة فقيرة يعيش حوالي 25٪ من سكانها تحت خط الفقر، ولكنه قرر إحداث نقلة حقيقية في بلاده، ومن هنا وضع خطة لتطويرها وتنميتها اعتمدت علي ثلاثة ركائز أساسية هي: وحدة البلاد، وتجنب الصراعات، والخلافات بين السكان الذين ينقسمون لثلاثة فئات وهم: المالايو ويمثلون 58٪ من السكان، والهنود 7٪، والصينيين 24٪، أما الركيزة الثانية: فكانت الاهتمام بالتعليم، والثالثة: هي التصنيع، ومن ذلك نجح مهاتير محمد في نقل بلاده من دولة زراعية فقيرة تعتمد علي تصدير بعض السلع البسيطة مثل المطاط والقصدير إلي دولة صناعية متقدمة، وبذلك تمكن خلال 22 عاماً قضاها في منصبه من القضاء علي الفقر، ورفع متوسط الدخل من 1247 دولاراً في العام إلي 8862 دولاراً عام 2002، وانخفضت نسبة البطالة بين الماليزيين إلي 3٪ فقط.. ولأن النهضة التعليمية هي ما يهمنا في هذا المجال فقد أولي مهاتير التعليم أهمية كبري حيث اهتم بجميع مراحله، فجعل مرحلة التعليم ما قبل المدرسة «رياض الأطفال» جزء من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال مسجلة لدي وزارة التعليم، وملتزمة بمنهج تعليمي مقرر من الوزارة، كما تمت إضافة مواد دراسية تنمي المعاني الوطنية وتعزز روح الانتماء لدي تلاميذ المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة الثانوية أصبحت العملية التعليمية شاملة، حيث يدرس الطالب بجانب العلوم والآداب مواد خاصة بالمجالات الفنية والمهنية التي تمنح الطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم، بالإضافة إلي إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاب المدارس الثانوية، وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية.
ولأن الكمبيوتر واحداً من أهم المواد التكنولوجية التي يجب دراستها والاهتمام بها قامت الحكومة الماليزية عام 1996 بوضع خطة تنمية شاملة من أهم أهدافها إدخال الكمبيوتر والربط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة، بل وفي كل فصل دراسي، حتي بلغت نسبة المدارس المرتبطة بشبكة الإنترنت عام 1999 تقدر  بـ 90٪ من المدارس الماليزية.
كذلك تم إنشاء العديد من المدارس الذكية التي تساعد الطلاب علي دراسة التكنولوجيا واستيعاب التقنيات الحديثة من خلال مواد متخصصة في أنظمة التصنيع وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة النظيفة.
جدير بالذكر أن الحكومة الماليزية جعلت عملية التعليم والتدريس في المدارس مرنة، بحيث تتناسب مع حاجة الطلاب وقدراتهم ومستوياتهم الدراسية المختلفة، أما إدارة المدرسة فيتم إسنادها إلي أحد القيادات التربوية البارزة، ويساعده فريق من الأساتذة من لديهم قدرات مهنية ممتازة، كما أتاحت الحكومة فرصة للطلاب للمشاركة في اختيار البرامج الدراسية بجانب حرص المدارس علي التنويع والتطوير في أساليب التدريس من خلال الرحلات العلمية والترفيهية.
الأمر الأهم أن الحكومة الماليزية قامت بزيادة المخصصات المالية للتعليم بحيث أصبحت توجه له حوالي 24٪ من إجمالي النفقات الحكومية بحيث يتم إنفاق هذه المبالغ علي بناء مدارس جديدة، خاصة المدارس الفنية، وإنشاء معامل للعلوم والكمبيوتر ومنح قروض لمواصلة التعليم العالي داخل وخارج البلاد، وليس لإنفاقها علي المكافآت لكبار مستشاري الوزارة كما يحدث في مصر، كذلك جعلت الدولة التعليم إلزامياً وأصبح القانون الماليزي يعاقب الآباء

الذين لا يرسلون أبناءهم إلي المدارس، بالإضافة إلي الاستفادة من نظم التعليم المتطور في الدول المتقدمة، حيث تم إنشاء أكثر من 400 معهد وكلية خاصة تقدم دراسات وبرامج تتواءم مع جامعات في الخارج، وأتاحت الحكومة الفرصة للطلاب لاستكمال دراستهم في الخارج، بل وعملت الحكومة علي تقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص، بحيث فتحت المجال لاستخدام أنشطة البحث العلمي لخدمة الأغراض التجارية، ومن ثم لم تعد الحكومة مطالبة بدعم الأنشطة البحثية بمفردها بل يشاركها في ذلك مؤسسات القطاع الخاص، وبذلك قضت علي مشكلة نقص الدعم الحكومي الموجه للبحث العلمي، ووجهت الدولة ما كان ينفق علي هذا المجال إلي التعليم من ناحية، وتمكنت المصانع الماليزية من تطوير إنتاجها وغزو الأسواق العالمية بمنتجات أكثر تقدماً وأحسن صنعاً.
كذلك اهتمت الحكومة الماليزية بتعليم المرأة حتي إنها تقدم قروضاً بدون فوائد ليتمكن الآباء من تعليم بناتهن، ومنح الفقراء مساعدات مجانية.
وبذلك تمكن مهاتير محمد من إحداث نهضة في بلاده خلال سنوات رئاسته للوزارة التي وصلت إلي 22 عاماً، قبل أن يتقدم باستقالته وإعلان اعتزاله للعمل السياسي في عام 2003 وحينما زار رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مصر في شهر يونيو الماضي - وخلال كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر «استثمار.. تشغيل.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»  الذي نظمه اتحاد الصناعات المصرية - أكد أن مصر يمكنها أن تصبح واحدة من الدول المتقدمة بشرط الاهتمام بالتعليم والحد من البطالة وتشجيع الاستثمار ورفض الاقتراض من البنوك.

محمد علي والتعليم
وبنظرة تاريخية سريعة سنكتشف أن التجربة الماليزية لم تكن هي الأولي من نوعها ولكنها الأقوي في وقتنا الراهن، ولكن مصر كانت قد شهدت نهضة مماثلة في أوائل القرن التاسع عشر حينما تولي محمد علي حكم مصر وأولي رعايته للتعليم، وأرسل البعثات للدراسة في فرنسا، وتقدمت مصر بفضل هذه النظرية التنموية والنهضة العلمية، وقد ذكر المؤرخون أن التعليم كان أحد أهم الركائز الأساسية التي استند إليها محمد علي في بناء مصر الحديثة ومن ثم تمكن من بناء دولة متقدمة صناعياً وزراعياً وعلمياً، ولولا التدخلات الأوروبية ضد دولة محمد علي ومحاولات تحطيمها لكانت مصر الآن أقوي من كل هذه الدول نتيجة الثمار التي زرعها محمد علي إبان بناء دولته.
ويذكر أن التعليم كان دائماً هو وسيلة الارتقاء بمصر، ومن هنا أعطته ثورة 1952 أهمية خاصة ونادت بجعله كالماء والهواء، وتم تعيين الدكتور طه حسين وزيراً للمعارف العمومية، ولكن المتغيرات التي حدثت في تاريخ مصر بعد ثورة 1952 وحتي قيام ثورة 25 يناير 2011 كانت قد أفسدت كل شيء في مصر، بما في ذلك التعليم أيضاً، الذي أصبح ضرورة ليحصل الشاب علي شهادة يباهي به زملاءه، بينما يعمل في مجال قد يتعارض تماماً معها، وقد لا يجد عملاً من الأساس وهو حال ما يقرب من 8 ملايين شاب وفتاة حصلوا علي شهادات ولم يجدوا عملاً، وبذلك أصبح التعليم مجرد وجاهة اجتماعية وليس له علاقة بالحياة العملية، ومن ثم فإن تعليم ما بعد الثورة يحتاج لتنفيذ نموذج آخر يسعي لربط التعليم بسوق العمل، وجعل التعليم ضرورة قومية لخلق إنسان مصري ينتمي لبلده علي حق، ويعمل علي تنميتها ورقيها، ومن هنا طالب البعض بتطبيق النموذج الماليزي في الاهتمام بالتعليم لتنمية المجتمع كله.