عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مأساة "كمشيش" صفحة سوداء في دفتر أحوال الوطن

بوابة الوفد الإلكترونية

< مرت="" الذكري="" الـ(49)="" علي="" أحداث="" قرية="" «كمشيش»="" الكارثية="" لأنها="" كانت="" مجرد="" حادثة="" قتل="" عادية="" قتل="" فيها="" المواطن="" «صلاح="" حسين»="" بعيار="" ناري،="" فتم="" تحويل="" القضية="" من="" قضية="" جنائية="" إلي="" قضية="" سياسية="" تدخلت="" فيها="" أجهزة="" الدولة="" غير="" المختصة،="" وثبت="" الرعب="" في="" النفوس،="" وهذا="" الجهاز="" غير="" المختص="" تدخل="" بصفة="" رسمية="" بقرار="" أو="" تعليمات="" من="" الجهة="" العليا.="">

وأصبحت المنوفية كغابة مرحت فيها الوحوش الضارية تبحث عن كل فريسة لجأت إلي شكوي أو التمست حرية الكلمة أو طالبت بتحقيق منصف وعادل أو استغاثت برحمة أو بشفقة.. وكان الرائد «رياض إبراهيم» هو ملك هذه الغابة وأعوانه هم مدير الأمن واعضاء الاتحاد الاشتراكي والمتطلعون إلي السلطة والحاقدون علي العصاميين أو الرأسماليين الوارثين وكان ذلك كافياً لبث روح الذعر بين كافة العاملين في الدولة ، ولأن يتملق الجميع أو يصمت تجاه ما يحدث من كوارث تجاه المواطنين.

ولهذا نشير إلي أهمية إلقاء الضوء علي صفحة مظلمة وظالمة من تاريخ مصر لم ولن يستطيع الزمن مهما طال أن يطويها أو يطمسها.. فتاريخ مصر يجب أن يسطر بصدق وأمانة، مهما تخللته أحداث وقتية مؤسفة ووقائع طارئة مؤلمة

الشرارة الأولي: مساء 30 ابريل 1966 وردت إشارة إلي مديرية أمن المنوفية من مركز شرطة «تلا» تفيد بإصابة المواطن «صلاح حسين» بطلق ناري في رأسه أفقده النطق.. وعلي الفور انتقل جهاز البحث الجنائي من مديرية الأمن ومركز شرطة «تلا» إلي مكان الحادث بقرية «كمشيش» لعمل التحريات حول الحادث. كما تولت النيابة العامة اختصاصاتها بالتحقيق في الواقعة للوصول إلي الفاعل.. دون أن يدري هؤلاء ما يدور من خلفهم بعاصمة المحافظة من اتصالات ومشاورات واجتماعات بين متطلعي السلطة وأصحاب المصلحة لتصوير الحادث بصورة مقلقة ومثيرة للقيادات العليا.

وفي صباح اليوم التالي توجه مدير أمن المنوفية وأمين المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي للمحافظة وأمين الشباب بالاتحاد الاشتراكي للمحافظة مع مجموعة أخري إلي «إبراهيم البغدادي» محافظ المنوفية وتسابقوا جميعاً في تفجير وتضخيم الحادث، وقام أمين المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي وأمين الشباب وعضو مجلس الأمة بإعداد تقرير عن الحادث ثم سافروا إلي مدينة «المحلة الكبري» وتمكنوا عن طريق عضو مجلس الأمة المقرب للرئيس «عبدالناصر» من تسليم هذا التقرير للرئيس قبيل اتجاهه للمنصة لإلقاء خطابه السنوي في عيد العمال، وقرأه وتجهم وجهه وناوله إلي المشير قائلاً: «شوف يا (حكيم) إيه اللي بيحصل في المنوفية»؟ واطلع عليه المشير «عامر» وأسرع إلي التليفون حيث اتصل بالعقيد «حسن خليل» قائد مباحث الشرطة العسكرية وتحدث معه بحدة وغضب عما تضمنه التقرير وأمره بالتحرك إلي «كمشيش» وبحث الموضوع بطريقته الخاصة وهنا علمت القيادة السياسية العليا بهذا الحادث وبالوصف المبالغ فيه قبل أن تقوم وزارة الداخلية والنيابة العامة وفي ظهيرة اليوم التالي رأي مدير الأمن أن يدلي بدلوه في تفجير وتصعيد هذا الحادث، فحرر تقريراً لم يهتم فيه بالجانب الجنائي بقدر اهتمامه بالجانب السياسي، وعقب هذا التقرير أصبح ديوان محافظة المنوفية وكأنه خلية نحل تضم قيادات الشرطة والقانونيين والسياسيين والشعبيين والتنفيذيين تجتمع بصفة مستمرة حتي فجر اليوم التالي لبحث الوصف القانوني والدافع لارتكاب هذه الجريمة.

< انتزاع="" التحقيق="">

لم تستطع النيابة في البداية القيام بعملها حيث كان وكيل النائب العام «ملاك مينا جورجي» يقوم باستكمال التحقيق في الحادث، وفوجئ بقوة من رجال المباحث العسكرية بقيادة الرائد «رياض إبراهيم» تقتحم مكتبه ويطلب منه تسليم أوراق التحقيق والمتهمين والشهود، فرفض وكيل النيابة هذا الطلب غير القانوني، فتم تصعيد الأمر إلي رئيس النيابة العامة الذي رفض هو الآخر تسليم أوراق التحقيق أو المتهمين إلي شخص لا علاقة له باختصاصات النيابة العامة، خاصة انه ليس من بين المتهمين أو المجني عليهم عسكريون، وتوجه مدير الأمن بصحبة الرائد «رياض» قائد مجموعة مباحث الشرطة العسكرية إلي النيابة العامة ليعلن مدير الأمن أن القضية قضية سياسية خطيرة وأن السلطات العليا هي التي تطلب تسليم القضية إلي مباحث الشرطة العسكرية، وأعلن الرائد «رياض» أن لديه معلومات مهمة وأن المتهمين لن يعترفوا إلا علي يديه، ثم أضاف بغطرسة انه مكلف باصطحاب «صلاح الفقي» المتهم الأول بالتحريض إلي قريته ليراه الأهالي وهو في قبضة الشرطة مكبلاً بالحديد وانتهت المناقشة بأن سلمت النيابة العامة «كرهاً» أوراق القضية والمتهمين والشهود!

وتوالت الأحداث سراعاً وتدفقت وقائع مختلطة غير مألوفة أو مفهومة أفزعت كافة المواطنين وأرغمت المسئولين علي أن يتسابقوا لمساعدة أفراد المباحث العسكرية للنيل من الشرفاء بعد أن انتزع التحقيق من الشرطة المدنية والنيابة العامة.

< اعتقال="" الآلاف="">

في 5 مايو 1966 حضر قائد المباحث العسكرية من القاهرة إلي قرية «كمشيش» ليشرف علي وحشية وبشاعة التعذيب بالقرية، ثم توجه إلي شبين الكوم وطلب عدداً من سيارات النقل والأتوبيسات لتنتقل إلي القاهرة في منتصف الليل معتقلين مكبلين بالسلاسل، وعلي وجوههم وأجسادهم آثار التعذيب من الضرب بالعصي والسياط دون أن تعرف الأجهزة المحلية المختصة شخصيات هؤلاء المعتقلين أو عددهم.

وتوافد كبار رجال الاتحاد الاشتراكي من القاهرة إلي «كمشيش» منهم  «كمال الحناوي» و«عبدالحميد غازي» أمين الفلاحين ورجال المخابرات العامة، وتم حصر ممتلكات عائلة «الفقي»، ووضعها تحت الحراسة، وجردت قصورها وسلمت لمجندين أميين من فرق أمن المنوفية تحت إشراف مباحث الشرطة العسكرية، وقد ضاعت محتويات هذه القصور، بعد أن تم تشكيل لجان لتصفية الإقطاع بمحافظة المنوفية واعتمدت في اتخاذ قراراتها علي أقوال الموتورين وشكايات مجهولة أو كيدية، واعتقلت الآلاف وعذبت المئات، وجردت الرجال من شرفهم والنساء من ملابسهن جهاراً نهاراً أمام ذويهم، ومن هؤلاء الرجال محامون ووعاظ دين ومشايخ معاهد دينية وطلبة ورجال أمن ورجال أعمال وتجار ومحاسبون وموظفون كبار بالدولة وسيدات منهن زوجات بعض المعتقلين وأمهات وبنات وزوجات المحبوسين وقريبات بعض العمد المرموقين.

بل استحدثت لجان التصفية نوعاً غريباً من الإقطاع أطلقت عليه الإقطاع الوظيفي أو الإقطاع الاجتماعي بمعني انه إذا كانت هناك أسرة أو عائلة تضم عدداً من قيادات وظيفية بارزة ولها وضع اجتماعي، ومركز أدبي أو علمي متميز فتعتبر حالة إقطاع وظيفي! وتصفية هذه الحالات هو فصل نسبة النصف علي الأقل من هذا العدد تحت مسمي تصفية الإقطاع الوظيفي أو الاجتماعي.

< القهر="" والإرهاب="">

لجنة تصفية الإقطاع كانت تضم (38) عضواً يمثلون قيادات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي والقوات المسلحة والمخابرات العامة ومنهم «عبدالحكيم عامر» و«علي صبري» و«صلاح نصر» و«شمس بدران» و«شعراوي جمعة» و«عبدالمحسن أبوالنور» و«كمال رفعت» و«عباس رضوان» وغيرهم، وكانت مراكز القوي من قيادات القاهرة تمسك بخيوط اللعبة ومن كان في الأقاليم ينفذون التعليمات ويتجاوزونها بالتلفيقات والتعذيب والقهر والإرهاب لدرجة وصلت لأقاربهم.

مثل الدكتور «فؤاد محيي الدين» رئيس الوزراء الأسبق. حررت له استمارة خضوع لتصفية الإقطاع بسبب أملاك موروثة لزوجته بـ«أشمون» وحررتها لجان المنوفية.. وكذلك اللواء «عبدالحليم موسي» وزير الداخلية الأسبق، الذي اتهم بمساندة الإقطاعيين لمجرد حضوره واجب العزاء في والدة «صلاح الفقي» المتهم الأول في قضية «كمشيش»  وكتبة التقارير رأوا أن هذا في منتهي الخطورة- أي معرفة «صلاح»  الإقطاعي بالضابط «عبدالحليم»- فتم القبض عليه وفصل من وظيفته بعدما اعتقل سنتين وهو لا يملك ما يعينه علي قوت أولاده فعمل سائق تاكسي، ولم يعد إلي وظيفته إلا بعد ثورة التصحيح مع انه لم يساعد عائلة «الفقي» في شيء خارج القانون بل قدم لهم واجب العزاء، بالإضافة إلي قيام أجهزة حكومية متعددة وشعبية بتنفيذ مخططات مراكز القوي فمنهم من كان ينسج شباكه كالعنكبوت ليوقع بالفريسة ومنهم من كان يدخل الأماكن العامرة فيخربها في الظلام ويبقي بها كالخفافيش ومنهم من بخ  سمومه كالأفاعي بين أفراد الأسرة الواحدة ليشهدوا زوراً علي آبائهم وإخوانهم وأقاربهم، وبهذه الأساليب وقع الظلم علي مئات من الأبرياء لمجرد وشاية مكتوبة في تقارير غير معلومة المصدر ومعظمهم كانوا من رجال النيابة والقضاء والسلك الدبلوماسي والجامعات والشرطة والقوات المسلحة، حيث فصلوا وشردوا بلا ذنب اقترفوه إلا انهم قد يمتون بصلة قرابة أو معاهدة لعائلات تبحث حالاتها أمام لجان تصفية الإقطاع، وبذرت هذه اللجان بإجراءاتها وقراراتها أحقاداً عميقة وتركت جراحاً غائرة مازال المواطنون يعانون منها حتي الآن.. وفي ذات الوقت كانت لجان التصفية فرصة نادرة للإثراء غير المشروع لمئات الأفراد الذين ساهموا في أعمالها لأن مئات الألوف من الجنيهات والمجوهرات الثمينة والنادرة والتحف والنجف والسجاد والأثاث ومحتويات بعض القصور وأعداداً لا حصر لها من الثروة الحيوانية والآلات الزراعية بدلاً من أن تعود إلي أصحابها أو إلي الشعب دخلت جيوب وبيوت ومزارع البعض، وأصبحت جزءاً من ممتلكاتهم الشخصية.

وظلت اللجنة العليا لتصفية الإقطاع برئاسة المشير «عامر» تصادر الأراضي والمحاصيل والآلات والعقارات والأراضي الفضاء وتعتقل وتحدد إقامة وتسجن وتبعد وتفصل من تشاء دون ضابط أو رابط وفي الاجتماع الأول لهذه اللجنة وضعت خطة لتصفية نفوذ العائلات في الريف، وتم تحديد أسماء أعداء الثورة، وهل تفرض الحراسة علي الفرد المعادي للثورة أم علي الأسرة بأكملها؟ وكانت قرارات اللجنة انتقاماً وتشريداً وتجريماً وحرماناً لأفراد هذه العائلات من أبسط حقوق الإنسان لأنها كانت تلغي وتوقف أحكام وقرارات اللجان القضائية.

< التلفيق="" والتعذيب="">

كان الشيخ محمد متولي الشعراوي هو الذي أبلغ القيادة العليا ببشاعة التعذيب حيث كانت له علاقات عديدة مع كبار العائلات. كان يجلس في ركن بمقهي الأقصر بشارع «الجيش» بطنطا مع بعض محبيه وأصدقائه من عائلة «القصراوي» و«محمد حسنين» و«د. محمود جامع» و«صلاح موسي» و«ربيع أبوشادي» وتطرق الحديث إلي وقائع التلفيق والتعذيب والإهانات والإذلال لمن يقع في أيدي الشرطة العسكرية لأي سبب كان، وحكوا واقعة تعذيب شيخ المعهد الديني الثانوي من كفر «العرب» بقويسنا عندما ذهب ليشتكي أحد جيرانه في شرطة مركز «قويسنا» بسبب إلقاء القمامة أمام مسكنه وتصادف وجود بعض المقبوض عليهم بواسطة الشرطة العسكرية وحضرت سيارة تنقلهم إلي «شبين الكوم» وتم ترحيل الشيخ معهم خطأ وأودعوهم داخل مدرسة تم استخدامها كسجن وعندما استفسر الشيخ عن سبب حضوره معهم؟!

لهذا المكان أوسعوه ضرباً وركلاً وصفعاً.. وكان يؤتي بكل المساجين في طابور التعذيب ويضرب كل واحد منهم من يقف أمامه وعندما رفض شيخ المعهد هذه الطريقة وضعوا له حزاماً في وسطه وطلبوا منه أن يقلد إحدي الراقصات الشهيرات وعندما رفض ذلك ضربوه بالكرابيج ونزعوا عمامته من فوق رأسه وربطوها بجرس المدرسة وأجبروه علي جذب سلسلة الجرس وهو يقول: شد العمة شد تحت العمة فرد: فطلب الشيخ «الشعراوي» ورقة وقلماً وسجل فيها ما يقال من معلومات صادقة وأمينة عن وقائع التعذيب وخاصة واقعة شيخ المعهد الديني وسافر إلي القاهرة حيث كان يعمل مديراً لمكتب الشيخ «حسن مأمون» شيخ الأزهر، وفي يوم 12/7/1966 حضر الإمام

الأكبر لمكتبه وطلب من الشيخ «الشعراوي» عرض الموضوعات العاجلة الواردة للمكتب وأخبره بأنه سوف يتوجه مساء إلي نادي الجلاء بمصر الجديدة لعقد قران كريمة «شعراوي جمعة» وزير الداخلية وأن الرئيس «عبدالناصر» سيشهد هذا الزواج، فأخرج «الشعراوي» من جيبه ورقة وأعطاها للإمام الأكبر تتضمن ما يعانيه المواطنون من ألوان التعذيب والإهانة.. وعندما قرأها فضيلة الأكبر فزع مما جاء فيها من وقائع وتجاوزات، ونظر إلي الشيخ «الشعراوي» راجياً أن يسلمها بنفسه إلي رئيس الجمهورية أثناء حفل الزواج وبالفعل استلم «عبدالناصر» الورقة وقرأها وظهر عليه الغضب والضيق وطلب قيام فريق علي مستوي عال من رجال القوات المسلحة للانتقال فوراً وليلاً إلي شبين الكوم للتحقيق فيما جاء بالمذكرة من تجاوزات.

< هتك="" الأعراض="">

وبالفعل فوجئت محافظة المنوفية مساء الخميس 21 يوليو 1966 بالفريق أول «عبدالمحسن مرتجي» واللواء «أحمد معوض» وثلاثة لواءات آخرين ويرافقهم مدير المباحث العسكرية ومدير المباحث العامة اللواء «حسن طلعت» ويستقبلهم اللواء «إبراهيم البغدادي» محافظ المنوفية ولحق بهم في الصباح فريق أول «حليم إمام» وقالوا انهم حضروا بناء علي أوامر القيادة السياسية العليا للتحقيق في شكاوي مواطنين أبرياء يتظلمون من تعذيبهم وهتك عرضهم وأرسل هؤلاء القادة لاستدعاء الرائد «رياض إبراهيم» لسؤاله عما حدث بما انه هو المسئول عن كل الاجراءات التي حدثت ولكنه من عجيب الأمر انه لم يحضر ولم يسأله أحد! وتم التحقق من واقعة تعذيب وإهانة شيخ المعهد الديني فتم إطلاق سراحه مع إيقاف مأمور مركز «قويسنا» عن العمل.. وفي ذروة وقائع التعذيب التي تدور في مدن وقري محافظة المنوفية أذاع السيد «صلاح نصار» رئيس نيابة أمن الدولة العليا في مؤتمر صحفي عقده السيد «عصام حسونة» وزير العدل في 13 مارس 1967 بإحالة (25) متهماً في قضايا الإقطاع إلي المحاكمة وأن النيابة طالبت بإعدام (15) منهم كما صرح السيد وزير العدل بأنه تم إعلان المتهمين بقرار الاتهام وستتم محاكمتهم أمام محكمة خاصة بعد تشكيلها بقرار من رئيس الجمهورية طبقاً لتدابير أمن الدولة وسيحدد القرار أيضاً مكان المحاكمة في القاهرة أو في مكان آخر.. وبالفعل بدأت محكمة أمن الدولة العليا المشكلة بقرار رئيس الجمهورية من رجال القضاء وتضم عضوين فقط من العسكريين في نظر قضية «كمشيش» وقررت أن تعيد التحقيق الذي أسفر عن: تأكيد تقارير الطب الشرعي أن المتهمين في قضية «كمشيش» قد عذبوا تعذيباً تقشعر منه الأبدان، وأن آثار التعذيب مازالت علي أجسادهم رغم مضي أعوام علي عمليات التعذيب.. وأن عدد المجني عليهم في قضايا التعذيب بلغ (107) مواطنين وعدد المتهمين بالتعذيب (40) متهماً وتم إخلاء سبيل المتهمين وطالبوا بالتعويض عما أصابهم إذ إن بعضهم توفي وبعضهم فقد أعضاء من جسده نتيجة التعذيب وتم الحكم علي المعنيين بالتعذيب بالأشغال الشاقة والسجن.. ولكن ظل الحكم معلقاً منذ صدوره في 1968 واستمر حبس المتهمين الذين حكم ببراءتهم إلي أن قامت ثورة التصحيح في مايو 1971 وصدق الرئيس «السادات» علي الحكم وأفرج عن المتهمين.

< لم="" الجروح="">

كان «السادات» رئيس مجلس الأمة (البرلمان) وتم تصعيد الحادث إلي البرلمان ومناقشته وإبداء الرأي فيه بل واتخاذ قرارات في حين انه مازال قيد التحقيق وورد في مضبطة الجلسة الثامنة والعشرين بتاريخ 23 مايو 1966 وكان أول المتحدثين «عبدالحميد غازي» أمين الفلاحين بالاتحاد الاشتراكي حيث أثار كل الأعضاء مؤكداً انه حادث عدائي ضد الثورة والإرادة الحرة بل هو مخطط استعماري من أجل تعويق حركة البناء الاشتراكي، وطالب بمصادرة الأراضي وتوزيعها علي الفلاحين وتصفية مراكز السلطة والنفوذ التي تحتلها الرجعية وتصفية محترفي إيجار الأراضي الزراعية وتصفية النفوذ العائلي واحتكار العائلات الإقطاعية لمراكز السلطة بالقرية وتحطيم قواعدها وكان يقاطع في كل عبارة بالتصفيق الحاد، كما تحدث في هذه الجلسة كل من الأعضاء «أحمد يونس» و«فكري الجزار» و«سيد مرعي» و«حافظ بدوي» وقد رأس هذه الجلسة «أنور السادات» واستكملت هذه الجلسة بالجلسة التاسعة والعشرين والتي تباري فيها الأعضاء بالخطب الرنانة الحماسية والأشعار والأزجال الملتهبة مطالبين بضرورة توقيع عقوبة الجلد والإعدام علي كافة الرجعيين، وانتهت الجلسة بصدور بيان من رئيس الوزراء وبيان آخر من مجلس الأمة بضرورة القضاء علي الرجعيين والاستيلاء علي ممتلكاتهم.

ولم يستطع «السادات» فعل شيء تجاه هذه القضية إلا بعد وصوله إلي رئاسة الجمهورية فكشف عن حقائق ونتائج أعلنها لأول مرة عن أعمال لجان تصفية الإقطاع في حواره مع ممثلي طلاب مصر عندما وصف هذه الأعمال قائلاً: «ده كله إجرام في حق الناس وفي حق الشعب والاقتصاد ما يقومش بفرض الحراسات والمصادرة.. ومن يوم ما جيت قلت أدخل المعركة إزاي والبلد مجروحة في كل ناحية وكل ضابط من ضباط القوات المسلحة له واحد من أهله مجروح وكان لازم ألم الجرح.. لا الحراسة ولا المصادرة ولا الاجراءات ولا اللي عملناه كله عمل حاجة أكثر من انه خلي البلد علي الأرض».

< عودة="" قضية="" «كمشيش»="" إلي="" الحياة="" في="" 1976="">

وقد جاء في قرار الاتهام بأن المتهمين في الفترة من 3 مايو 1966 وحتي 23 يوليو 1967 بدائرتي بندر شبين الكوم ومركز «تلا» منوفية كذلك بالسجن الحربي عذبوا المجني عليهم بناحية «كمشيش» حيث قاموا بتقييدهم بالحبال وأجلسوهم القرفصاء لفترات طويلة وانهالوا عليهم ضرباً بالسياط والعصي وألبسوا بعضهم ملابس النساء وربطوا علي أفواههم ألجمة الخيل، كما أودعوهم في حظائر الدواجن.. وأودعوا المجني عليهم السجن الحربي وأوسعوا المتهمين جميعاً صفعاً ولكماً وركلاً بالأقدام وأرقدوهم علي بطونهم ووطأوا أجسادهم بالنعال وشدوا وثاقهم إلي فلقات وانهالوا عليهم بالسياط وزجوا ببعضهم في زنزانة مغمورة بالمياه وعرضوا البعض لصدمات كهربائية مما أحدث بهم الإصابات التي ظهرت آثارها بالتقارير الطبية، وكان ذلك جميعه بقصد حملهم علي الادلاء باعترافات وبأقوال معينة بارتكاب جرائم قتل واحراز وحيازة سلاح وذخائر بدون ترخيص وتزوير ورشوة وتهرب من تطبيق قانون الإصلاح الزراعي والاشتراك في ارتكاب هذه الجرائم.

كما اتهمت الرائد «رياض إبراهيم» بأنه قبض علي (60) شخصاً واحتجزهم بالسجن الحربي بدون حق وضرب «سعد عبدالمجيد نصار» عمداً فأحدث بأذنه اليسري عاهة مستديمة واشترك بطريق التحريض مع «السيد عبدالله رمضان» و«محمد عبدالرازق العربي» المعتقلين بالسجن الحربي في هتك عرض «صلاح الدين الفقي» بالقوة حال كونه معتقلاً وله سلطة عليه بأن أكرههما أثناء تعذيبهما بهتك عرضه فوضع كل منهما أصبعه في «دبره»!

واتهمت النيابة «محمد رجب بكر» بأنه أحدث عمداً بـ«حامد داود» عاهة مستديمة بساعده الأيسر، كما أحدث عاهة مستديمة بيد «عبدالظاهر الفقي» وكذلك بـ«يوسف عمران» بضربهم بالسياط لحملهم علي الاعتراف.

واتهمت النيابة المتهمين «صفوت الروبي» و«حسن عثمان» و«حلمي الصاوي» بهتك عرض «صلاح الفقي» و«يوسف عمران» واتهمت باقي المتهمين بالاشتراك في ضرب وتعذيب المجني عليهم وإحداث عاهات مستديمة بهم.

وبهذه الأحكام أثبت القضاء المصري ان أحداث «كمشيش» صفحةسوداء في دفتر أحوال الوطن.

 

المصادر:

لقاءات شخصية مع:

< لواء="" عبدالحليم="">

مدير مباحث المنوفية خلال أحداث «كمشيش»

< فريق="" أول="" عبدالمحسن="">

أحد أعضاء اللجنة التي حققت في الانتهاكات

< د.="" محمود="">

أحد شهود الأحداث

< سفير="" وحيد="" جودة="">

أحد الضباط الأحرار

< لواء="" بدر="" حميد="">

أحد الضباط الأحرار