رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

انتهاك براءة 3 ملايين صبى فى سوق العمل

ورش الميكانيكا ومحلات
ورش الميكانيكا ومحلات الكاوتش تمتلئ بالأطفال

عمالة الأطفال في مصر أصبحت ظاهرة، وذلك بعد إجبار العديد من الأسر الفقيرة أطفالهم إلي ترك التعليم وممارسة العمل في سن صغيرة، عادة ما تبدأ من السابعة لإعالتهم.

وقد انتشرت الظاهرة وزادت حدتها بعد ثورتي 25 يناير و30 يونية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها قطاع عريض من المواطنين ما دفع هؤلاء الأطفال إلي ممارسة العمل الذي تنوعت مجالاته ما بين ورش الميكانيكا والمحاجر والطباعة والبقالة والتجول في الشوارع للبيع في الأتوبيسات، كما ازدهرت أيضاً ظاهرة استخدام الصغار في التسول، ما أسفر عن غياب الشعور بالسعادة والأمان لدي هؤلاء الأطفال، تحت وطأة الحاجة والظروف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الصعبة، وأصبح الكثير منهم محرومين من التمتع بطفولتهم عندما تجبرهم الظروف علي العمل في سن مبكرة.
وقد أطلق العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية في مصر علي مدي سنوات عدة ناقوس الخطر، منددة بانتهاك براءة الطفل وآدميته باستغلاله في أعمال شتي، والتحذير لما يتعرض له من مضايقات، تكون أخطارها الجسمانية والبدنية والنفسية عليه مضاعفة، إلا أن هذه التحذيرات لم تجد لها صدي علي الإطلاق من جانب الجهات الرسمية والحقوقية والأمنية التي عملت علي التصرف مع الأمر بطريقة عشوائية ودون تصد حقيقي وفعلي لإيقاف تلك المخاطر التي يتعرض لها قرابة 3 ملايين طفل في سوق العمل، وعددهم في ازدياد مطرد.
وحول تلك الكارثة، وكيفية مواجهتها، كان التحقيق التالي:

الجانب الإحصائي الرسمي
من اللافت أن عمالة الأطفال في مصر تبدأ من الرضاعة، من خلال الطفل الذي تحمله السيدات المتسولات علي أيديهن للتسول، وأحياناً يتم تخديره كي لا يبكي ولتتمكن المتسولة من استدرار عطف ذوي القلوب الرحيمة من أجل عيون هذا الطفل البريء، وبتقدم عمر ذات الطفل الرضيع لـ 5 سنوات، يبدأ رحلة عمل قاسية في مجالات مختلفة، لذلك يتفاقم عدد الأطفال العاملين في مصر، ومن ثم أصبحت عمالة الأطفال ظاهرة، ومن وجهة نظر البعض ثروة يتم إهدارها لتضيف المشكلة أبعاداً جديدة إلي الظاهرة.. إذا ما علمنا أن عدد الأطفال في مصر تجاوز أكثر من ثلث عدد السكان وفقاً للأرقام الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، التي أوضحت أن إجمالي عدد الأطفال أقل من 18 سنة في مصر بلغ 30.6 مليون طفل منتصف عام 2013، وعدد الذكور 26.4٪ بما يعادل 15.8 مليون طفل بنسبة 18.9٪، وعدد الإناث 14.7٪ مليون طفلة بنسبة 17.5٪، في حين وصلت نسبة الأطفال العاملين في الفئة العمرية من 5 إلي 17 سنة 9.3٪ بينما يوجد 61.9٪ من إجمالي الأطفال العاملين يعملون لدي الأسرة دون أجر، كما بلغت أعلي نسبة للأطفال العاملين في الفئة العمرية من 15 إلي 17 سنة 88.9٪ حيث مثلت النسبة للذكور أكثر من أربعة أضعاف الإناث.

 

أطفال بلا تعليم
ووفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن 40٪ من الأطفال العاملين لم يلتحقوا بالمدارس بسبب ارتفاع نفقات التعليم وعدم كفاية دخل الأسرة لتحمل نفقات التعليم و40.9٪ من الأطفال العاملين توقفوا بعض الوقت عن المدرسة، والعمل بسبب تأثير إصابات العمل مقابل 2.4٪ توقفوا تماماً عن العمل والمدرسة.
كما كشف الجهاز عن وجود 26.4٪ أطفال فقراء موزعين بنسبة 12.3٪ في الحضر و36.3٪ في الريف، وأن نسبة الأطفال الفقراء المحرومين من المأوي 13.5٪ و7٪ من الصرف الصحي و3.6٪ من المياه النقية و11.8٪ من الغذاء و4.9٪ من التعليم.
وبالنسبة للجانب العملي كشف الجهاز أن الكثير من عمالة الأطفال تدور في المهن اليدوية والخطرة والمتعلقة علي سبيل المثال بإصلاح السيارات أو العمل في مجال المعمار والبناء أو الإنشاءات أو أعمال الزراعة الشاقة أو المحاجر التي يرتادها معظم الأطفال في الصعيد بسبب ارتفاع الأجرة اليومية التي تقدم لهم.
وتفشي ظاهرة عمالة الأطفال في مصر، كشفته أيضاً دراسة حديثة لوزارة القوي العاملة أكدت أن الفقر والجهل وراء تفشي تلك الظاهرة حيث بلغ عدد العمال الصغار نحو أكثر من مليونين و786 ألف طفل يعملون في ظروف صعبة تعرض حياتهم للخطر ويعملون فترات طويلة تتجاوز أوقات العمل للكبار من العمال.
وأوضحت الدراسة أن جميع الأطفال العاملين تقريباً لا يتمتعون بأي حماية قانونية ويعملون بصورة غير رسمية ودون وثائق عمل أو شهادات صحية وأن ثلث هؤلاء يعانون من المعاملة السيئة ويتعرضون لأشكال مختلفة من العنف الذي يلقونه من أصحاب الورش والعمل والمشرفين عليهم.

تباين الإحصاءات
من جانبها أعلنت منظمة العمل الدولية أن حجم عمالة الأطفال في مصر يبلغ قرابة 2.2 مليون طفل بنسبة تصل إلي 26٪، بينما يري الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في أحد تقاريره أن حجم عمالة الأطفال يبلغ نحو 1.6 مليون طفل منهم 83٪ يعملون في الريف مقابل 16٪ في المدن، وأن 46٪ من إجمالي هؤلاء الأطفال العاملين يتراوح من 15 إلي 17 سنة، وأن 68٪ منهم من الذكور و21٪ من الإناث، وأن عدد ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الأطفال في العمل تتعدي أكثر من 9 ساعات يومياً في المتوسط علي مدار ستة أيام في الأسبوع.. بما يعني أن عدد ساعات العمل للطفل قد تتجاوز عدد ساعات عمل الكبار.
ويبدو التناقض واضحاً في تلك الإحصاءات حتي تلك الصادرة من جهة

واحدة، ووفقاً لأحد تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تعدي حجم عمالة الأطفال المليون طفل، بينما تذهب تقارير أخري حديثة إلي أن حجم العمالة يبلغ 3 ملايين طفل، وهو نفس الرقم الذي أكده مركز الطفل العامل، وأنهم يمثلون ثلث الشريحة العمرية الموجودة بالتعليم الأساسي، كذلك وطبقاً للمسح القومي لظاهرة عمل الأطفال في مصر - والصادر عن المجلس القومي للطفولة والأمومة - فإن هناك 2.76 مليون طفل عامل في مصر يمثلون حوالي 26٪ بما يعني أكثر من خمس الأطفال في الشريحة العمرية من 14 إلي 16 سنة.
وهذا التباين يؤكد أننا أمام مشكلة خطيرة لم يتم احتواؤها للآن وأنها تستحق منا جميعاً الدراسة والتحليل والاهتمام، وأن هناك ضرورة لمعرفة أسباب تفاقمها والبحث عن حلول مناسبة لها، خاصة أن استغلال هؤلاء الأطفال في العمل في هذه السن الصغيرة يعرضهم لأنواع شتي من الاستغلال والتعذيب بل الممارسات غير الأخلاقية من خلال تشغيلهم في أعمال غير مؤهلين لها جسدياً ونفسياً للقيام بها، خصوصاً أن معظم الاتفاقات الدولية قد جرمت الاستغلال الاقتصادي للأطفال وأقرت حقهم في الحماية من هذا الاستغلال الذي عادة ما يتمثل في عمل مضر للصغار.

 

مناهضة العمالة
وكانت منظمة «بلان الدولية» المعنية بحقوق الطفل في مصر أوصت بضرورة توسيع الحماية التشريعية للأطفال العاملين لتشمل القطاعات الأكبر في عمالة الأطفال، جاء ذلك كمرحلة لتوفير حماية تأمينية لهؤلاء الأطفال والحد منها لحين الوصول إلي الهدف الاستراتيجي وهو القضاء علي عمالة الأطفال بكافة صورها، فضلاً عن خلق آليات فعّالة لرصد الظاهرة والوقوف علي حجمها الحقيقي وتفعيل دور المنظمات المدنية كشريك أساسي في عملية الرعاية علي المؤسسات التي يعمل بها أطفال.
كما أشارت المنظمة إلي أهمية الاستماع إلي الأطفال العاملين وإشراكهم عند التخطيط للحد من الظاهرة ورفع وعي المجتمع تجاه مخاطر عمل الأطفال وتأثيرها علي نمو الطفل، كذلك هناك ضرورة لإقرار حقه في التمتع بكافة صلاحيات وحقوق العضوية النقابية وتوسيع المظلة التأمينية لتشمل جميع الأطفال العاملين دون التقيد بالسن، وذلك فضلاً عن تطوير العملية التعليمية للحد من ظاهرة التسرب التي تمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء نمو ظاهرة عمالة الأطفال في مصر، والتوسع في التعليم المهني وربطه بسوق العمل، ويضاف لكل ذلك ما أشارت إليه مديرة دعم البرامج في «بلان الدولية» بأن الفقر في مصر يعد أحد الأسباب الرئيسية وراء عمالة الطفل وبنسبة أكثر من 70٪ بهدف مساعدة الأسر مادياً، فضلاً عن سوء جودة التعليم والعنف في المدارس وقلة الوعي والاهتمام المتدني من جانب الأسر بالتعليم، ما يستلزم تضافر الجهود بين الدولة والمؤسسات من أجل إيجاد حلول بديلة لعمل الأطفال أو وجود برامج من شأنها توفير بدائل لوقف عمل الأطفال وضمان حصولهم علي حقهم في الصحة والتعليم، وكذلك إتاحة الفرصة لأسرهم للحصول علي دخول مناسبة والتمتع بالأمن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

حدث.. ولكن
وبالفعل بدأت السيدة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي بتطبيق خطة للحماية الاجتماعية من خلال برنامجي تكافل وكرامة، حيث يتيح برنامج تكافل معاشاً للأسر الفقيرة قدره 400 جنيه شهرياً شريطة أن يستمر الأبناء في التعليم والذهاب للمدارس، وبرنامج كرامة الذي يتيح للمسنين والعجائز والأسر غير القادرة علي العمل معاشاً شهرياً 450 جنيهاً، وكلا البرنامجين ممول من البنك الدولي بـ 400 مليون دولار، وذلك المشروع يحسب لوزيرة التضامن الاجتماعي ويمثل خطوة علي الطريق الصحيح لمحاربة ظاهرة عمالة الأطفال.